باقادر: المسلسلات التركية الأكثر تأثيرا ثقافيا في المجتمعات الخليجية

TT

يرى الدكتور أبو بكر باقادر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية، أن الجدل الذي يدور هذه الأيام حول المسلسلات المدبلجة وبخاصة التركية منها، له مسوغاته، حيث إن البيئة الاجتماعية الثقافية العربية ـ وبالأخص الخليجية بما فيها السعودية ـ سريعة الاستجابة لمثل تلك المنتوجات الثقافية الوافدة، في ظل انفتاح العالم على بعضه بعضا، ودخول الفضائيات بلا استئذان كل بيت. وهذه الضجة التي أثارتها المسلسلات المدبلجة في المجتمعات الخليجية بسبب ما تستطيع إيصاله من رسالة محكمة الصنع، عبر عدد من المعابر، منها التصميم والحبكة في صناعة الصورة وملامحها وسلوكها وتركيبها الصوتي والثقافي والحضاري يجعلها تدغدغ مشاعر نوع معين من المتلقين من المشاهدين، أفلحت فيها الشركات الداعمة لها ماديا التي تقف وراء هذه الأعمال، خاصة تلك التي تقوم على استغلالها لبث إعلاناتها التي تجد طريقها لمجتمع يرفل في وضع معيشي واقتصادي متطور، ومنها شركات الصابون ومنتوجات التجميل والماكياج التي تجد فيها وسيلة تخدم أغراضها، وبالتالي تغزو أكبر وسط مجتمعي له القدرة المالية والثقافية بالتأثر السريع والتجاوب مع هذه الإعلانات وأهدافها وطريقة العرض المغرية الحديثة.

ويرى باقادر أن هذه المسلسلات على طولها تصور حياة حيوية بتعقيداتها وتشد انتباه المشاهدين الخليجيين إليها، الذين كانت ترد إليهم قبل ذلك المسلسلات المدبلجة الأميركية واللاتينية والمكسيكية. وكانت هذه تستخدم عناصر شد وجذب مستعينة بمناظر طبيعة خلابة أو شكل حضاري مادي، سواء في البنايات أو الشوارع. غير أنها تختلف في مكوناتها الثقافية كثيرا عن مكونات المجتمعات الخليجية، من حيث القيم وطريقة التفكير والتعاطي مع الوقائع والواقع، وعدم الاستسلام للقضاء والقدر وطريقة الزواج، حيث يتزوج أحدهم زوجة أبيه إذا مات مثلا، والناس كانت تتماهى معها كما لو كانت تمثل واقعهم، برغم أنها حوت على مخالفات اجتماعية وشرعية كثيرة ومنها تبني ابن الحرام. أما على صعيد المسلسلات التركية، فيرى باقادر أنها الأكثر تأثيرا في المجتمعات الخليجية، وذلك لقربها من مفردات المكونات الثقافية ولو جزئيا، وهذا يظهر جليا في مسلسلي (نور) و(سنوات الضياع)، إذ يحتويان على معطيات ومكونات اجتماعية موجودة بين أفراد المجتمع الخليجي، سواء في العادات والتقاليد، أو طريقة التفكير مع استهلاك مسلمات وعبارات القدريات التي تنمّ عن الإيمان بالقضاء والقدر، كمثل مفردات (ما شاء الله) أو (لو ربنا أراد) أو (إن شاء الله) وغيرها، غير أنها تظل تشمل مكونات أخرى غير عربية أو لا تتماشى مع المعتقدات والموروثات الخليجية، ففي هذه الحالة تميل للقيم الغربية الحديثة كمسألة استساغة ممارسة الكبائر بشكل عادي، أو لعب القمار، أو ممارسة نوع من التلاطف الجنسي بين الذكور والإناث، وهذا بالطبع له أثر بليغ في الموروث الثقافي والاجتماعي الخليجي، وهم بذلك يمثلون مسلمين عصاة أو أصحاب كبائر، وفي ما عدا ذلك، فهي تحمل كثير من سِمات أفراد المجتمع ككل، والأسرة مع بعضها بعضا، سواء من ناحية الانسجام أو التنافس بين الأفراد وخصوصية التعامل مع الوالدين والمساحة السلطوية التي يتمتع بها الجد كونه صاحب ثروة وسلطة ورأي، ما يجعل الكل ينصاع لأمره وينتهي بنهيه.

ورسمت هذه المسلسلات أيضاً نوعاً من الواقع الحياتي والمادي الذي يتماشى مع الطفرة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع الخليجي، خاصة السعودية، كالولع باقتناء كل جديد، وبشكل وتصميم الديكورات المنزلية وتنسيق حدائق المنازل وشكل وتصميم الأثاث ومستلزمات البيت بشكل عام، وهذا ما يتوفر في أفراد الطبقة الوسطى والعالية التي تمثل شريحة كبيرة من مكونات المجتمعات الخليجية بما في ذلك السعودية.