نقاد سعوديون يدافعون عن مستوى النقد ويربطون حركته بالإنتاج الإبداعي

من 70 إلى 80 رواية سعودية خلال سنتين واهتمام بكتابة السيرة الذاتية

TT

التحديات التي تواجه النقد، يأتي في مقدمتها الاتجاه نحو الإيغال في التنظير، واتباع أسلوب صارم يحول العملية النقدية إلى لغة رياضيات جافة وصعبة، بينما يغلب على بعض الاتجاهات النقدية عنصر الانطباعية إلى درجة الإفراط وتحميل النص ما لا يحتمله.

النقد الثقافي هو الأكثر جدوى في الوضع العربي الراهن، وإن المطلوب هو العمل على تأسيس جديد للثقافة العربية وبذل المزيد لإعادة تكوينها واستبعاد معوقات النهوض.

دافع نقاد سعوديون عن أدائهم على مستوى النقد الأدبي، معتبرين أن حركة النقد ما زالت منتعشة وما زالت مرتبطة بحركة الإنتاج الأدبي والإبداعي بشكل عام، بينما أشار آخرون إلى ما سموه «المستويات الضحلة للعمل النقدي» التي تعتمد في أغلبها على المجاملة أو التعاطي بشكل شخصي مع الأعمال الإبداعية.

> المعيقل: النقد مواكب للإبداع

يرى الدكتور عبد الله المعيقل، أستاذ الأدب العربي بجامعة الملك سعود، أن الساحة السعودية تشهد نقدا مواكبا للإبداع، ومواكباً أيضاً لما يستجد من تطورات في المدارس النقدية في العالم، وأن اتجاه النقد في السعودية يتجه إلى دراسات السرد أكثر من الشعر، بسبب ظهور سلسلة من الروايات التي تتحقق فيها شروط الإبداع بشكل لم يسبق له مثيل.

وقال: «إن المشهد الثقافي السعودي شهد ظهور أعمال روائية لم تكن مألوفة بهذا العدد منذ عشر سنوات، مع ضم جنس السيرة الذاتية التي بدأت هي الأخرى تجذب الاهتمام النقدي في الثلاث سنوات الأخيرة». وفي الوقت نفسه، يرى المعيقل أن بعض الدراسات النقدية لا يخرج عن كونه هجوما على بعض الروايات وكتابها، وإطلاق النعوت والأوصاف على مؤلفي تلك الأعمال انطلاقاً من خلفيات قيمية لا تفرق بين البعد الفنّي والبعد الفكري، من قبيل ما تعرضت له رواية (بنات الرياض) من توصيفات بعيدة عن النقد الفني لهذا العمل.

ويضيف المعيقل: «إن الساحة النقدية تحوي دراسات جديدة في موضوع تداخل الأجناس الأدبية تتمحور تحديدا حول قصيدة النثر والقصة القصيرة، أما شعر التفعيلة فأصبحت الدراسات حوله محصورة إلى حد ما في دراسات الطلاب والطالبات لدرجة الماجستير والدكتوراه في الجامعات، وحتى هذه الدراسات تظل تدور حول شعر جيل سابق مثل الثبيتي والصالح وشعر الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ولا تحفل بالأسماء التي ظهرت بعد ذلك».

ويعتقد المعيقل أن التحديات التي تواجه النقد، يأتي في مقدمتها الاتجاه نحو الإيغال في التنظير، واتباع أسلوب صارم يحول العملية النقدية إلى لغة رياضيات جافة وصعبة، بينما يغلب على بعض الاتجاهات النقدية عنصر الانطباعية إلى درجة الإفراط وتحميل النص ما لا يحتمله. لكن المعيقل يجد أن هناك نقاداً سعوديين يحرصون على أن يقدموا النص للقارئ تقديما نقديا ممتعا ومناسبا.

ولا يرى المعيقل أن الإبداع تراجع لدى السعوديين، لكن قد يكون هناك توجه نحو جنس معين أكثر من جنس آخر.. (وفي النهاية فالأجناس الأدبية تتكامل ولا يكون ظهور بعضها على حساب البعض الآخر)، مؤكدا أنه يرفض فكرة (أن الناقد مبدع فاشل).

 > البليهي: لا إبداع فكرياً ما دامت البيئة متخلفة!

الباحث السعودي وعضو مجلس الشورى الدكتور إبراهيم البليهي، يرى أن الإبداع في الأفكار والعلوم والفنون لا جدوى منه إلاّ إذا تهيأت له البيئة وأصبحت قادرة على تلقيه واستيعابه والتأثر به والاستجابة له، لأن إبداعات قرنين مضيا لم تترك أي أثر نافع على العقل العربي المغلق على حد تعبيره. ودعا البليهي إلى تكريس الجهد الأكبر «لنقد موانع الاستجابة للإبداع أكثر من الاحتفاء بالإبداعات الفردية التي تصطدم بالحصون الثقافية والسياسية والاجتماعية فتتحطم»، مؤكدا أن النهوض يقوم على الإبداع والاستجابة والأخيرة عنده أهم من الإبداع، إذ ان المبدعين يرون في كل المجتمعات، بينما الاستجابة للإبداع لا تحصل إلاّ في المجتمعات التي تهيأت ثقافيا للنهوض والتقدم.

وبحسب البليهي فإن المجال الروائي السعودي شهد في السنوات الأخيرة تفجرا استثنائيا مثيرا ومبهجا وذا دلالة استثنائية، مبديا دهشته تجاه بعض الذين يتأففون من هذا الانفجار الإبداعي ويضيقون به ويقللون من شأنه، موضحا أن الأعمال الروائية مهما كان مستواها تعبّر عن نقلة نوعية في المستوى الثقافي والاجتماعي كدلالة على الحراك الإيجابي في الوعي والفكر والفعل والتطلع نحو الأفضل لدى شريحة لها أهميتها في المجتمع، مشيراً إلى أن النقد الثقافي هو الأكثر جدوى في الوضع العربي الراهن، وأن المطلوب هو العمل على تأسيس جديد للثقافة العربية وبذل المزيد لإعادة تكوينها واستبعاد معوقات النهوض.

وأضاف: «ان أرقام النشر في العالم العربي تؤكد ضآلة عدد القراء، ما يعني أن الإبداع والنقد يتخاطبان مع شريحة ضيقة جدا مما راكم أسباب الإعاقة الحضارية والنهوض، ذلك لأن المجتمع العربي يتلقى ثقافته وقيمه وعاداته الفكرية والسلوكية وطريقة تفكيره من مرجعيات مختلفة كليا. إن الانغلاق الثقافي والاستبداد إذا تلاحما فإنه لا مجال لأي إبداع ولا فرصة لأي تطور، فالعقل البشري بطبيعته مستسلم تلقائيا للمألوف ولا يكتشف سخف هذا الاستسلام إلاّ إذا جوبه بالنقد وشهد صراع الأفكار، ففي هذه الحالة فقط يستيقظ العقل ويدرك أنه كان يعيش مكبلا في أقمطة الوهم الساذج».

ان شرط النقد الفاعل، بالنسبة للبليهي، يكمن في حرية التفكير والتعبير وغير ذلك سيظل النقد عاجزا عن التأثير، مداورا يحوم حول الحقائق، لكنه لا يكشفها ويكتفي بالتلميح الذي يصل إلى الشريحة المثقفة فقط أو بعضها، بيد أنه لا يصل إلى عامة القراء.

ويضيف البليهي: «يجب أن يكون المبدع واقعيا في توقعاته، فإذا لم تكن الالتفاتة إليه سريعة عليه أن يستحضر الأسباب فليس إهماله مقصودا، حيث إن الكتابة عن أي عمل إبداعي تستدعي قراءته بعناية ليكون التقييم موضوعيا وعادلا، فمن الصعب على الناقد أن يحيط بكل ما يكتب لقراءته والكتابة عنه، ذلك لأن النقد له أصوله ومناهجه فلا يصح انتظار النقد من غير أهله».

> البازعي: في عهد طه حسين.. والآن

وينفي الدكتور سعد البازعي، أستاذ الأدب الإنجليزي والنقد المقارن ورئيس النادي الأدبي بالرياض، وجه المقارنة بين النقد الآن وما كان عليه في عهد طه حسين والعقاد لمتغيرات النظرة النقدية، مؤكدا أن النقد التقويمي لم يختف، لكن الجهد الأكبر يصوب نقديا نحو تحليل وتنظير وبحث الأعمال من زاوية جمالية أو واقعية بدلا من أن تكون تقويمية تحكم على العمل الإبداعي من حيث الضعف أو القوة. ويشير البازعي إلى أن الساحة الثقافية في السعودية خلال السنتين الماضيتين فقط شهدت عددا كبيرا من الروايات يتراوح من 70 إلى 80 رواية مما صعّب تقويمها بالشكل الذي كان يفعله أحمد حسن الزيات في قلة قليلة من الكتب التي تصدر في زمانه.

لكن الدكتور نبيل المحيش، نائب رئيس نادي الأحساء الأدبي، يرى أن حركة النقد الأدبي في السعودية في حالة تراجع، بسبب افتقار الساحة الأدبية السعودية لنقاد كبار يفعّلون حركة الإبداع الأدبي المحلي، مما نجم عنه أدب هزيل، معتبراً أن «أغلب ما ينشر في وسائل الإعلام وراءه المحسوبية والشللية مما أبرز حالة تكاثر أدعياء النقد».