الدولة الفلسطينية الموعودة ستكون مجرد معسكر اعتقال

كاتب يهودي أميركي ومرشح سابق للرئاسة الأميركية يدعو لحل الدولة الواحدة

TT

مؤلف هذا الكتاب هو يوئيل كوفل وهو طبيب يهودي معروف وكتابه الذي نتحدث عنه هو كتابه العاشر. وقد اشتهر كوفل بعد أن رشح نفسه عن حزب الخضر لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2000. وهذا الكتاب الذي صدر في العام الماضي هو كتاب مهم وجريء. وتأتي أهميته وجرأته من كونه يتحدث عن موضوع يعتبر عند اليهود خطا أحمر وهو إقامة دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين لليهود والفلسطينيين بعد التخلص من الصهيونية وتفكيك إسرائيل كدولة يهودية. ولذلك أحدث ردود فعل سلبية واسعة عند اليهود بعد صدوره. ويضم الكتاب عشرة فصول يتحدث الفصل الأول عن فكرة الشعب المختار عند اليهود ومصدرها ونقد المؤلف لها حيث يرى بأن على اليهود أن يتخلوا عنها «لان ادعاء اي جماعة بانهم شعب مختار من قبل الرب وانه وعدهم بأرض يعني أنهم ليسوا جديرين بالإنسانية». والفصل الثاني عن طبيعة الحركة الصهيونية وكونها حركة غير طبيعية تاريخيا وحركة قومية مصطنعة. والفصل الثالث عن استغلال الصهيونية للمحرقة النازية. وفي الفصل الرابع يتحدث المؤلف عما يصفه بكذبة أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ويدور الفصل الخامس عن اقتصاد اسرائيل الذي يعتبره اقتصادا مصطنعا ومعتمدا على مساعدات خارجية، والسادس عن دور اللوبي الإسرائيلي ومساعدته لإسرائيل ودفاعه عما ترتكبه اسرائيل من إجرام بحق الفلسطينيين بل ودعاة السلام الأجانب أيضا. ويخصص الفصول الأخرى للحديث عن اسرائيل كدولة عنصرية، وقضية القدس، ومشروع إقامة الدولة الواحدة الذي قد أشار اليه بعض الكتاب اليهود - إسرائيليين وغيرهم - لكن كوفل أكثر تفصيلاً وشمولاً في عرض فكرته.

فهو يرى بأن المباحثات حول إقامة دولتين سوف لا تؤدي إلى نتيجة إذ ان دعوة إسرائيل لإقامة دولتين ليست دعوة حقيقية وإنما هي دعوة تكتيكية، فهي تدعو الى إقامة دولتين لأن أساس إنشائها كدولة كان ضعيفا ومهزوزا ولذلك فإنه لا خيار أمامها سوى اتخاذ هذا الموقف.

وهو يقول بهذا الصدد: إن الدولة اليهودية لا تريد ان تكون إلى جانبها دولة تعتقد أنها تعود لها وهي ترى أهمية الاستمرار مع لعبة الدولتين خاصة وأنها لا تشعر بالأمن إذ من الممكن أن يتخلى عنها أقرب أصدقائها، الولايات المتحدة الأمريكية. وهي في أثناء ذلك تبقى تضم الأراضي الفلسطينية كما تبقي على خيارها في طرد الفلسطينيين. ولذلك يبقى الهدف من فكرة الدولتين هو الإبقاء على الوضع الحالي على ما هو عليه. وفي الخطاب الإسرائيلي الداخلي فإن فكرة الدولتين تعني توسعة الدولة وتحجيم «الدولة الأخرى» على أرض تتقلص باستمرار.

إن ما تقوم به اسرائيل من قضم الأرض والسيطرة على المياه وتدمير الأراضي الزراعية وبناء الحائط العنصري العازل وانشاء الطرق الخاصة باليهود دون غيرهم وإقامة مئات المستوطنات وجعل الأراضي مكاناً لإلقاء نفايات المعامل يجعل إقامة الدولة الفلسطينية، كما يقول، نكتة سخيفة وسوف لا تكون أكثر من معسكر اعتقال ولذلك فإن أمل إقامة الدولة الفلسطينية هو شيء معدوم.

إنشاء دولتين حقيقيتين على الأرض، هو حل قد قضي عليه فلفترة ثماني وخمسين سنة من الاعتداء وقضم الأراضي أصبحت فكرة الدولة الفلسطينية ببساطة غير ممكنة وأملا كاذبا وما تعلنه اسرائيل عن قبولها لها إنما هو من أجل أن تبقى عضوا معترفاً به في المجتمع الدولي، وإذا ما استمرت اسرائيل دولة صهيونية فلا يمكن أن تكون هناك دولتان قابلتان للحياة.

وسبب ذلك، حسب كوفل، هو أن الاحتلال نتيجة طبيعية للدولة اليهودية، التي هدفها القضاء على المجتمع الفلسطيني وتدمير كل ما هو غير يهودي طبقا لما قال به هرتزل: إننا سننشئ دولة تدمر كل شيء ليس يهوديا. وإذا أراد الأميركيون، والكلام للمؤلف، أن تتخلى إسرائيل عن الأراضي المحتلة فهذا يقتضي تغييراً أساسياً في تفكير دولة إسرائيل يصل إلى حد التخلي عن فكرة الدولة اليهودية. وربما يرى البعض بأن هذا شيء لا يمكن تحقيقه إضافة إلى عوامل وظروف تمنع من ذلك ولكن يجب أن نعرف بأن إسرائيل دولة قامت بعقد اجتماعي وهو شيء يمكن تغييره شرط أن تكون هناك ارادة قوية ولا ينتج عن ذلك إيذاء أحد سوى محاسبة أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية.

وتغيير طبيعة الدولة في حالة إسرائيل ليس استثناء فقد حصل في ألمانيا وحصل في جنوب أفريقيا، والشيء الوحيد الذي سينتهي من تحويل الدولة الى دولة غير عنصرية هو الحلم الصهيوني وليس هذا أمرا فظيعاً فالصهيونية، كما يقول، لم تكن حلما وإنما كانت وهماً. وهي وإن تحمي نفسها بان تتهم من ينتقدها بالعداء للسامية فإنها هي في واقعها نوع من المعاداة للسامية، وادعاؤها بأنها تمثل اليهود هو ادعاء كاذب لأنها جاءت بالضرر عليهم. وهو يرى بأن الصهيونية كانت خطأ كبيراً في تاريخ الشعب اليهودي، ويتهمها بأنها جلبت على اليهود تداعياً أخلاقيا وفكرياً وروحياً وزرعت الخراب أينما حلت. ولذلك فإن إنهاءها بطريقة سلمية يفتح الطريق لبعث الشعب اليهودي وللتجديد الثقافي له، ولا يكون هذا التغيير إلا بإرادة قوية.

كما يرى أيضا بأن هذا التغيير سيكون عاملا في التأثير على الحركات الإسلامية المتطرفة فالتخلص من الصهيونية وفكرتها الإمبريالية سيكون له تأثير على الحركة الأصولية الإسلامية المتطرفة لأن هذه الحركة ترى أن الغرب هو الذي ساعد الصهيونية على إنشاء دولة لليهود وساعدها على البقاء وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وكان هذا أهم الأسباب لما يسمى بالتطرف الإسلامي.

يرى كوفل أنه بعد تفكيك الصهيونية لابد من أن تنشأ على أنقاضها دولة واحدة ديمقراطية علمانية للشعبين - وهو يؤكد على صفة العلمانية -. وهو يرى بأن مشروع إقامة دولة واحدة ليست فكرة مثالية جاءت من عالم آخر، بل هي قضية ضرورية من أجل برنامج عملي. ولأن هذه الفكرة ليست واضحة في عقول الناس وأذهانهم فمن الضروري أن تكون هناك حركة توعية لتحقيق هذه الفكرة من أجل أن تكون هناك عدالة لكل شخص يعيش على هذه الأرض، كما أن تفكيك الدولة اليهودية يجب أن يكون بطريقة إنسانية وسلمية. ومن القضايا التي يجب العمل عليها هو كشف أكاذيب الصهيونية التي أعطتها شرعية البقاء. ومن الضروري أيضا مواجهة لوبي إسرائيل وفضحه على أنه عميل لدولة أجنبية وفضح أولئك الذين يتعاونون معه، وإنشاء لوبي آخر يعمل ضد الصهيونية.

ومن القضايا المهمة أيضا هي ضرورة تنظيم مقاطعة عالمية ضد الدولة الصهيونية من أجل إضعافها وعزلها كما حدث مع جنوب أفريقيا إذ بهذا تقطع عنها شرايين الحياة. (توجد اليوم حركة مقاطعة خاصة على المستوى الاكاديمي كما معروف). وينتقد المؤلف نقدا شديدا اليساريين الليبراليين خاصة اليهود منهم الذين ينتقدون اسرائيل ولكنهم يرفضون المقاطعة الاكاديمية مثل نعوم تشومسكي. ويجب أيضاً وضع المشروع الصهيوني الذري تحت مراقبة دولية كما حدث مع جنوب أفريقيا. وهو يقول إن الشيء الوحيد الذي يقف أمام تحقيق تفكيك الصهيونية وتحقيق الدولة الواحدة هو أنه ليس هناك الكثير من الغربيين في العالم ممن يعتقد أن العالم سيكون مكانا أفضل بدون الصهيونية وعندما يحدث هذا فإن هؤلاء سيجدون الطرق التي يحققون بها هذه الفكرة.

وهو يقترح اسما لهذه الدولة التي يتخيلها، وهو فلسرائيل ويقول إنه قد اخذ أربعة حروف من كل من اسم اسرائيل وفلسطين ووضع السين (س) الذي هو موجود فيهما في الوسط.وهو لا يصر على هذا الاسم ويترك الأمر للشعبين. ويؤكد على عودة اللاجئين الفلسطينيين لأن ذلك ضروري لإنهاء الدولة اليهودية وكونه حقا أساسيا من حقوق الإنسان في تقرير المصير وعندها يجب أن يكون اعترافا متبادلا حيث يتحمل الجانبان المسؤولية معا.