يحق لأصهاره في قبائل الرحالة في الصحراء الغربية، ويحق للهنود الحمر في أميركا اللاتينية، بل يحق لكافة الانسانية ان تحتفي بمنح «المواطن العالمي» والكاتب الانساني جان ماري غوستاف لو كليزيو جائزة نوبل للآداب.
قد تكون جنسيته فرنسية، وانتماءاته متعددة (أب انجليزي، ام فرنسية، والاثنان من جزيرة موريشيوس).. وقد يكون اختار الكتابة بالفرنسية، وفكر في بداياته بالنشر بالانجليزية، لكنه اختار منذ أول كتاباته «الانحياز» الى العالم.. الى «الانسان».
كان في السابعة من العمر عندما كتب أول كتبه حول البحر، خلال رحلة بحرية الى افريقيا دامت شهرا برفقة امه، وذلك لزيارة والده الطبيب في نيجيريا. وكان اكتشاف افريقيا ولقاء والده تجربة مهمة وجذرية في حياة لوكليزيو، مثلما اشار الى ذلك بعدها في كتابه «الافريقي».
بعد مراهقة قضاها في مسقط رأسه بمدينة نيس الفرنسية، حيث درس الادب، بدأ لوكليزيو تجربة انجليزية، عندما واصل دراسته بلندن وبريستول، قبل ان يدخل بقوة للساحة الادبية الفرنسية عام 1963 بروايته الاولى «المحضر» proces verbal، التي حاز بها جائزة «رونودو». وعبر لوكليزيو في هذه الرواية عن رفضه وتنديده بالمجتمع الغربي المعاصر المهوس بكل ما هو مادي.
في 1967 وأثناء تأديته خدمته العسكرية في تايلند كمتعاون أجنبي، تم طرده من البلاد بسبب تنديده بعمليات الاستغلال الجنسي للاطفال، ليتم تحويله الى المكسيك، حيث بدأت واحدة من أخصب مراحل حياته سواء على مستوى الانساني أو على المستوى الأدبي. وقد ارتبط لوكليزيو ارتباطا عميقا بثقافة الهنود الاحمر في المكسيك واميركا اللاتينية عموما وقضى اشهرا طويلة مع قبيلة من الهنود الحمر في قلب غابة في بنما، وكان للتجربة تأثير عميق عليه وعلى نظرته للحياة. وقد أثمرت تجربة لوكليزيو في المنطقة مجموعة مهمة من الكتب عن ثقافة وحضارة الهنود الحمر في أميركا اللاتينية.
لوكليزيو الذي وصفه استطلاع نشر في مجلة لير الفرنسية في العام 1994 بأنه «اكبر كاتب باللغة الفرنسية»، شكلت الصحراء فصلا مهما في أعمال لوكليزيو، ويعتقد ان روايته «الصحراء» التي نشرها عام 1980، والتي حاز بها جائزة الغونكور الفرنسية الشهيرة، هي التي رسخت شعبيته.
علاقة لوكليزيو بالصحراء وأهلها هي علاقة حب و«مصاهرة» فزوجته «جمعية» تعود أصولها الى قبيلة العروسيين الرحالة بالصحراء الغربية. وقد اشتركت جمعية مع زوجها في تأليف واحد من اجمل الكتب عن الصحراء وأهلها.
الكتاب حمل عنوان «أهل السحب» Les gens du nuages، وهو يروي رحلة لوكليزيو وزوجته جمعية في ساقية الحمراء بالصحراء الغربية، حيث تعيش قبيلة العروسيين. الكتاب متابعة شاعرية بديعة عن «اهل الريح الذين يقطعون الصحراء بقطعانهم من الجمال اقتفاء للمطر مع سرد لتاريخ القبيلة».
في سجل لوكليزيو أكثر من اربعين مؤلفا تتوزع بين الرواية، وكتب الرحلات، والدراسة وقصص الاطفال.
وتطفح كتابته بالسهولة المخادعة، وبالشاعرية الرشيقة المعبأة بالأحاسيس والالوان.