ماذا خسرنا بغياب المرأة؟

مفكرون ومثقفون خليجيون يقيمون مستوى مشاركة المرأة وأسباب ضعفها ونتائجه

حضور نسائي في أحد المعارض (تصوير: خالد الخميس)
TT

تبدو صورة المشهد الخليجي، في مجمله، صورة ذكورية، فلا حضور فعليا ولا تأثير ملموسا للمرأة، التي لا تزال الحلقة الأكثر ضعفاً اجتماعيا وثقافيا. هذه هي الصورة الواضحة. ولكن لنقلب الصورة، ونتساءل ماذا فقدنا بغياب المرأة؟ هو السؤال الذي طرحته «الشرق الأوسط» على مجموعة متنوعة من المثقفين والمفكرين الخليجيين رجالاً ونساء، لتلمس أسباب هذا الغياب وتأثيراته، غير المرئية ربما من قبل البعض، في مجمل مناحي الحياة والمجتمع.

* د. إيمان أبو خضير: هامشية المرأة

* في البداية، تقول الدكتورة إيمان سعود أبو خضير، مديرة البرامج بمعهد الإدارة العامة في العاصمة السعودية الرياض: لكي نستطيع قياس مشاركة المرأة في الحياة العامة بصورة موضوعية فلا بد أن تكون لدينا مؤشرات نرتكز عليها في القياس. ومن بعض تلك المؤشرات مستوى مشاركتها في تكوين قوة العمل والنشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

وبالرغم من الجهود التي تبذلها الدولة في سبيل الارتقاء بمشاركة المرأة السعودية في التنمية الاقتصادية التي تعيشها البلاد، إلا أن وجودها ومشاركتها ما زالت ضعيفة ودون الطموح المحقق لمفهوم التنمية الشاملة للمجتمع.

ووفقاً للإحصاءات، نجد أنه بالرغم من أن المرأة في السعودية تمثل نصف المجتمع تقريباً (49.9%) حسب تعداد السكان لعام (1425هـ)، وتربي النصف الآخر، إلا أن مساهمتها في سوق العمل ما زالت محدودة. فقد أوضحت إحصاءات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في السعودية عام 1427هـ، أن قوة العمل النسائية في السعودية تمثل (8.4%) من قوة العمل الكلية (السعودية والوافدة، ذكورا وإناثا). وأنها تمثل (53.9%) من قوة العمل النسائية (السعودية والوافدة) و(17.2%) من قوة العمل السعودية (ذكورا وإناثا).

أما بالنسبة لمستوى مشاركتها في القطاع الخاص فالسعوديات يمثلن فقط (0.6%) من إجمالي العاملين والعاملات (سعوديين ووافدين) في المنشآت الخاصة، كما بلغت نسبتهن (5.2%) من إجمالي العاملين السعوديين (ذكورا وإناثا). ومن ناحية أخرى فإن السعوديات يشكلن ما نسبته (30.3%) من إجمالي العاملين في القطاع الحكومي (سعوديين ووافدين، ذكورا وإناثا) و(33.3%) من إجمالي العاملين السعوديين في الحكومة (ذكورا وإثاثا)، كما بينت الإحصاءات أن نسبة البطالة بين السعوديات بلغت (26.3%).

ومن الناحية الاقتصادية، تشير الاحصاءات إلى أن الأرصدة النسائية تفوق 100 مليار ريال يُستثمر منها فقط 42.3 مليون ريال في مشاريع محدودة، ويُعطل استثمار هذه الأرصدة لعدم وجود قنوات وأنشطة استثمارية كافية لاستيعاب هذه الأرصدة.

ومما هو جدير بالذكر هنا أن نشاط المرأة الاقتصادي ومساهمتها في سوق العمل محدودة بالمشاركة في قطاع التعليم بما نسبته 80% و12% في القطاع الصحي والاجتماعي.

وتضيف د. إيمان سعود أبو خضير: يمكن القول بأن نصف قوة المجتمع ما زالت الاستفادة من إمكاناتها وطاقاتها محدودة. بالرغم من أن السعودية تعد من أكثر الدول استقطاباً للأيدي العاملة من الخارج ممّا يؤثـّر في اقتصادها الوطني وينعكس سلبا ًعلى ناتجها المحليّ. فإنها تعد الثانية عالميا ً بعد أمريكا من حيث قيمة تحويلات العمالة المقيمة بها إلى الخارج والتي تتجاوز 60 مليار ريال حسب أحدث بيانات البنك الدولي.

أما بالنسبة للمشاركة في النشاط السياسي، كتقلد المناصب السياسية،والتمثيل الرسمي في المحافل الدولية، أو من خلال نشاطات غير مباشرة مثل الاهتمام بالقضايا العامة كحقوق الانسان والنهوض بأوضاع المرأةوالبيئة والصحة ومحو الأمية،والانخراط في مؤسسات المجتمع المدني، فما زالت مشاركة المرأة تعد مشاركة هامشية. وتعتقد أن المجتمع يتحمل مسؤولية تغيير النظرة لمفهوم عمل المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، فلم يعد عمل المرأة لمجرد الرفاهية أو اشغال الوقت فقد أصبح حاجة ملحة لمقابلة متطلبات الحياة. ومن ناحية أخرى أرى أن المرأة ذاتها تتحمل جزءا لا يستهان به من المسؤولية لغيابها عن المشاركة في الحياة العامة وذلك يحتاج من المرأة بذل مزيد من الجهد لتطوير ذاتها والارتقاء بمستوى تعليمها وتأهيلها واكتساب الخبرة والتجربة.

* د. فوزية ربيعة: مشكلة التمثيل

* من البحرين، تقول الدكتورة فوزية ربيعة، الناشطة الحقوقية، ومنسقة الشراكة المجتمعية لمناهضة العنف ضد المرأة: هناك إغفال لدور المرأة سواء من الناحية التنموية الاقتصادية أو السياسية والاجتماعية. فمستوى المشاركة في الحياة العامة ضعيف جدا بسبب عدم وجود نص دستوري واضح وصريح في دساتيرنا العربية قائم على مبدأ المساواة الكاملة بين المرأة والرجل فلا تزال مراكز صنع القرار ذكورية، كما ان الحقوق السياسية التي تتمتع بها المرأة في وقتنا الحالي تتركز فقط على حق المرأة في التصويت، أما الترشح فلا نجد له طريقا في التطبيق.

وتلاحظ د. فوزية ربيعة أنه من اللافت للنظر توجه بعض دول الخليج إلى توزير النساء، وتتمنى أن تكون هذه الخطوة ايجابية باتجاه انخراط المرأة في الحياة العامة بصورة تدريجية وعلى أساس خطة استراتيجية طويلة المدى.

إن المطلوب، كما تضيف، هو تغيير الصورة النمطية للمرأة في مجتمعاتنا العربية وزرع الثقة في قدرات النساء، وهذا يتطلب نهوضا مجتمعيا وطنيا على مستوى الحكومات والشعوب. فمشاركة النساء الحقيقية تعتبر مطلبا رئيسيا ترتكز على الدولة في وضع رؤية استراتيجية للمرأة، فالتغيير لا يأتي فجأة، وقد شهد العالم اليوم حراكا سياسيا على مستوى تقلد النساء مراكز صنع القرار وان العالم العربي لن يكون بمعزل عن هذا الحراك.

* محمد بن علي المحمود: حالة ثقافية

* أما الكاتب السعودي محمد بن علي المحمود، فيقول: إن غياب المرأة أفقدنا كل شيء، فالمجتمع هو كل يستحيل أن يتجزأ، فإذا كان المجتمع كحالة واقعية لها معالمها، وحدة تتأثر ببقية الأجزاء، فإن المرأة ليست مجرد جزء، كالمنطقة أو الطائفة أو الطبقة الاجتماعية، بل هي وجه للمجتمع يشمل جميع الأجزاء، ويؤثر فيها على نحو مباشر. ويضيف: إن ذكورية المجتمع تؤدي إلى الألفة لعصر الحريم، وألفة عصر الحريم تؤدي ـ حتما ـ إلى ذكورية المجتمع. إن مجتمعنا، بل المجتمعات العربية كافة، مجتمعات ذكورية، على اختلاف بينها في الدرجة، وهي نتيجة ثقافة ذكورية راسخة في التاريخ، ثقافة جرى تعزيزها بالانغلاق عن مسيرة التطور الإنساني، خاصة في المجال الحقوقي، والمرأة لم تنشأ خارج نطاق هذه الثقافة، بل شكلت هذه الثقافة وعيها كما شكلت وعي الرجل، ولهذا فالمرأة تعاين نفسها من خلال هذه الثقافة، وتعي موقعها من خلال هذه الثقافة، بل وتربي جنسها (بناتها) على مبادئ هذه الثقافة الذكورية القمعية، ولهذا لا تعجب حين تجد بعض صور الاغتباط عند بعض النساء بوضعهن المأساوي.

ويقول عن أسباب غياب المرأة: هناك اسباب كثيرة. لكن، جميعها يرجع إلى البنية الثقافية التقليدية، ولهذا، فإجراء تغيير على هذه البنية الثقافية التقليدية، سيؤدي إلى تغير كبير في وضع المرأة. المجتمع كله مسؤول، لكن تبقى المسؤولية الكبرى على المؤثرين القادرين على إحداث تحولات في بنية المجتمع، من مفكرين وإعلاميين ومسؤولين تنفيذيين. وكذلك هناك مسؤولية المرأة نفسها لأن المسألة ليست مسألة قناعات فكرية خالصة، بل هي حالة ثقافية، أي أنها قناعات فكرية مرتبطة بسيكولوجية اجتماعية، تحتاج لمن يخترقها أولا، وما لم تقدم المرأة على كثير من الخطوات العملية التي تكسر كثيرا من الحواجز النفسية، فلن يتغير شيء، ومثل هذه الخطوات لا يستطيعها الرجال.

* د. باقر النجار *

* لا يمكن تناول مشاركة المرأة الخليجية في دول الخليج العربية بعيدا عن السياقات الثقافية والاجتماعية السائدة، فهذه المجتمعات أو جلها، ربما ما زالت توصف بكونها مجتمعات محافظة، تحكم القيم والأعراف فيها حدود حركة المرأة وبالتالي حجم مشاركتها في الحياة العامة وفي المجتمع. وتعكس تحديدا حجم مشاركتها في سوق العمل وتفاوتها. فمشاركة المرأة في سوق العمل من حيث النسب وليس الأرقام المطلقة في كل من البحرين هي أعلاها. إلا هذه المشاركة في عموم المنطقة ما زالت في حدود مجالاتها التقليدية وإن حدثت بعض الاختراقات المحدودة في بعض هذه المجتمعات، وهي في واقع أمرها اختراقات قد يحد منها تنامي حالة المحافظة وتسييس الدين. وقد لعبت دون شك ما يسمى بالفضائيات الدينية دورا في تقوية قوى الممانعة الاجتماعية على قوى الانفتاح والتحديث.

لقد خضعت مشاركة المرأة في الخليج لظروف دفعت بعض مجتمعات المنطقة لاختراق ما يسمى بمجالات المنع الاجتماعي في العمل وبقيت المرأة في مجتمعات أخرى حبيسة مجالات العمل التقليدية. فظروف الحاجة في مجتمعات مثل البحرين وسلطنة عمان ولربما الكويت، لحد ما، قد دفعت باتجاه أن تكون للمرأة مشاركة واضحة في سوق العمل في مجالاتها غير التقليدية، في حين حدد ظرف الخيار والظرف الاجتماعي حدود ومجالات هذه المشاركة في المجتمعات الخليجية الأخرى.

وبشكل عام وسريع، فإن مشاركة المرأة الخليجية في الحياة العامة تحددها ظروف ومعطيات، بعضها مصدره المرأة ذاتها ومعطيات تشكلها الثقافي والاجتماعي: طبيعة القوى السائدة والمؤثرة في المجتمع، ونظرة السياقات السياسية لهذه المشاركة، ومدى الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه عدا الدعم اللفظي والإعلامي. بمعنى أن تحقيق هذه المشاركة قد يعني في بعض جوانبه أو مراحله كسر التابوهات القائمة، التي لا يخلو كسرها من تكلفة اجتماعية وسياسية.

* أستاذ علم الاجتماع ـ جامعة البحرين