مرسيليا عاصمة للثقافة الأوروبية بقرار سياسي

109 ملايين يورو لمدينة تليق بمشروع «الاتحاد من أجل المتوسط»

TT

هو لقب تصبو إليه كل المدن الأوروبية لما يحققه من صيت وعالمية. فمنذ أن قررت المجموعة الأوروبية إطلاقه سنة 1985 لتشجيع الحركة الثقافية في دول المنطقة وملفات الترشيح لم تنقطع والمدن الفائزة كثيرة. فبعد أول عاصمة وهي أثينا سنة 1985، حصلت على لقب «عاصمة الثقافة الأوروبية» الثمين أكثر من ثلاثين مدينة، «ليفربول» الإنجليزية سنة 2008، لينز النمساوية تستعد للاحتفال به 2009، اسطنبول سنة 2010، توركو الفنلندية 2011، غيماراس البرتغالية 2012. وها هي الآن مرسيليا عاصمة الجنوب الفرنسي وثاني أكبر مدن البلاد تفوز بهذا اللقب لسنة 2013. لكن الفوز هذه المرة جاء بطعم مختلف وصاحبه جدل كبير والسبب اعتقاد البعض بأن قرار اللجنة - التي تتألف من أعضاء أوروبيين - قد تأثر بالظرف السياسي الراهن وبالأخّص بمشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» الذي دعا له الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وتبنّاه الأوروبيون أخيراً. أهم ما في المشروع الذي قدمته مرسيليا - حسب القائمين عليه - هو انه يقوم على الحوار بين أوروبا ودول الجنوب ويقترح 250 ورشة للإبداع بين فنانين من أوروبا ودول الجنوب. هذه بحسب البعض كانت أكبر مقومات ملف ترشيح المدينة الساحلية مقارنة مع غريمتها مدينة «بوردو» الفرنسية باعتبارها رمزاً قوياً للمشروع الأوروبي الجديد.

فمرسيليا التي تحوي أكبر موانئ أوروبا تعّد جسر تواصل مهّم مع دول الضّفة الجنوبية للمتوسط، وفكرة استقبال فنانين في هذه المنطقة المفتوحة من المتوسط لا يمكن إلا أن تلاقي الترحيب في الوقت الذي تتفاوض فيه برلين مع الجزائر، ستوكهولم مع تونس وفرنسا مع سورية، خصوصاً وأن القائمين على المشروع فكروا أيضاً في تحقيق نوع من التوازن بإدماج دول البلقان ودول شرق أوروبا - فأعلنوا أن مدينة كوسيك السلوفاكية ستكون شريكة أساسية لمرسيليا في المشروع. هذه الجوانب أهملتها مدينة «بوردو» التي كانت منافسة قوية لمرسيليا على هذا اللقب. ولم تفز رغم صلابة ملفها ودعمها من أكثر من جهة حتى أن عمدتها، رئيس الحكومة السابق «آلان جوبيه» كان شبه متأكد من الفوز إلا أن «بوردو» المعروفة بتراثها المعماري الجميل خسرت.

المسؤول الأول عن ملف ترشيح «مرسيليا 2013» برنار لتريي يقول ان الفوز كان عن جدارة، وثمرة جهود فريق نشيط يعمل منذ سنتين على قدم وساق. «جمعية مرسيليا 2013» التي ضمت 200 شخص يمثلون الدوائر الثقافية والسياسية للمدينة، رجال أعمال ومؤسسات، ممثلين عن غرفة الصناعة والتجارة التابعة لمرسيليا، الجامعات الأربع التي توجد بمحيط المدينة، الشركات المساهمة في ميناء مرسيليا. هذه كلها شاركت في حشد التأييد المادي والمعنوي من أجل فوز المدينة. ورغم أن موعد هذه التظاهرة الثقافية ليس قبل أربعة أعوام إلا أن القائمين على المشروع بدأوا التحضير من الآن بفضل تمويل حكومي عاجل بلغ 107 ملايين يورو، وهو ما ساعد على تفعيل بعض المشاريع المعطّلة ودخولها حّيز التنفيذ، كالشروع في بناء متحف لحضارات أوروبا والمتوسط «الموسام»، الشروع في بناء قاعة عروض موسيقية ومسرحية كبيرة سميت بـ «السيلو»، تشييد قرية لفنون الشارع، عمليات توسيع عدة قاعات عرض، تجميل وسط المدينة ومنطقة الميناء وضواحيها. والتظاهرة ككل هي فرصة لضخ الحياة في المؤسسات الثقافية لهذه المدينة العريقة التي رغم إمكاناتها الواسعة، حيث انها تزخر بأكثر من 70 مسرحاً ومئات الجمعيات الثقافية، وأكبر عدد من العاملين في القطاع الثقافي بعد باريس حيث يصل عددهم إلى 30300، إلا أنها لا تكاد تُعرف عند العامة إلا بمينائها وفريقها لكرة القدم. التظاهرة الثقافية «مرسيليا 2013» هي أيضاً فرصة لبعث الحيوية من جديد في الحياة الثقافية التي بات الركود يميزها - والذي يرجعه البعض إلى تقصير من عمدة المدينة جون لوي غودان. فمدينة «ليل» الفرنسية التي نظمت مثل هذه التظاهرة سنة 2004 جلبت ما لا يقّل عن 9 ملايين زائر من مختلف نواحي فرنسا وأوروبا، وقدم فيها حوالي 2500 عرض ثقافي فني في أكثر من 193 بلدة. فمسؤولو مرسيليا ينتظرون لسنة 2013 مداخيل مالية لا تقّل عن 700 مليون يورو مقابل ميزانية وصلت إلى 98 مليون يورو، هذا إضافة إلى الخدمة السياحية والاقتصادية للمدينة التي تقدمها هكذا تظاهرة.