أميمة الخميس: الكتابة حقل تحرر من سطوة التاريخ وهيمنة الجغرافيا

الروائية السعودية تصدر روايتها الجديدة «الوارفة»

TT

صدرت أخيراً للروائية السعودية أميمة الخميس رواية «الوارفة» عن دار المدى بدمشق. وجاءت الرواية في 294 صفحة من القطع المتوسط. وهذه هي روايتها الثانية بعد «البحريات».

هنا حوار معها في الرياض عن تجربتها الجديدة:

> تبدو شخصية الدكتورة الجوهرة، بطلة الرواية، حسب رأيي، وكأنها مثال على التنوع الفكري والثقافي الذي تعيشه المرأة السعودية، الذي قادها في النهاية إلى هذا الخروج من عباءة الحي الشعبي إلى فضاء أوسع. هل أردت إيصال ذلك، أم إنها مجرد صورة لما تعانيه الطبيبة السعودية؟

- لم أكن أسعى من خلال شخصية الجوهرة إلى التركيز على شخصية الطبيبات السعوديات بقدر ما حاولت من خلالها أن أجاهر بتفاصيل تعشب تحت الجلد، وتتوارى خلف المفردات، في رحلة سرمدية لم تقف فيها القافلة يوما لتصغي أو تنشج على الأطلال. تقصيت بعضاً من الملابسات والظروف التي تحيط بها، التي تجعل من رحلتها عجائبية محتشدة بالغرائب المتربصة، وجميع ما يتقاطع مع تجربة امرأة اختارت الفضاء العام، امرأة تحاول أن تنكث غزلها، لتنسج لها خيمة قصية خارج حياض العشيرة. كنت طوال الوقت أقاوم وأراوغ المقولات الجاهزة والصيغ المستهلكة في الأطروحات النسوية الراديكالية، محاولة أن أحقق للتجربة بعدها الجمالي والإنساني قبل أي شيء، متقصية مادة الأحلام التي كانت الجوهرة تحشو بها وسائدها، وترافقها في أروقة المستشفيات.

> مقارنة بروايتك الأولى «البحريات»، ماذا قدمت رواية «الوارفة» من جديد في تجربتك؟

- أعتقد أن الوارفة لها نكهة مختلفة، حيث قلصت فيها من الرصد التاريخي والاجتماعي لمدينة الرياض، وركزت بها على الشخصية المحورية وتفاصيلها، وغرفها الغامضة، وشكوكها وهواجسها والجنيات اللواتي يزهرن على شجر مناماتها. لكن لا أدري أن كنت تجاوزت «البحريات»، فالكاتب بالتأكيد حينما يبدأ في عمل ما بالتأكيد ينطلق من تراكم الخبرات والتجارب السابقة، ومن ثم يحاول أن يتجاوزها كي يصبح كل عمل محطة مرور وليس وصولا، بالنسبة لي أتمنى من القراء أنفسهم والمتلقين أن يتجاوزوا «البحريات» عند استقبالهم للوارفة، وأن لا يتوقعوا أن تكون الوارفة الجزء الثاني من «البحريات».

> قياساً بما قدمته رواية «بنات الرياض»، من عرض لهموم الفتيات، إلى أي حد تجدين أن رواية «الوارفة» تمثل امتداداً وانعكاساً لمشاكل المرأة السعودية وهمومها؟

- هل باتت رواية «بنات الرياض» هي المرجعية أو المقياس الذي نرجع له عند مناقشتنا للإنتاج الروائي النسائي المحلي؟ كما ذكرت فإن الرواية قدمت تجربة هي تجربة «الجوهرة» وهي تجربة تتبع خطوات امرأة تحاول أن تخترع طريقا وتؤسس دربا، ولم تكن مطروقة في الذاكرة الجمعية.

> ظهرت شخصيات متنوعة في الرواية، بينها شخصية الطبيب الإعرابي أو شخصية ليبرمان اليهودي. هل ظهور هذه الشخصيات جاء لخدمة السياق السردي أو أنه يتضمن رسالة معينة؟

- الشخصية المحورية في الرواية كانت بلا ذاكرة أو ربما أنها تمتلك ذاكرة بيضاء خالية من إرث أو تراكم خبرات سابقة من الممكن أن يمهد أو يوضح أو يفسر لها علامات الطريق ورموز الخارطة. تقول الكاتبة الفرنسية آناييس نن في كتابها «رواية المستقبل» (إن النساء عبر كتابة الرواية ينشئن تاريخا جديدا، قد لا يلغي التاريخ السابق ولكن يوازيه ويرفده).

كل شخصية كانت تظهر في حياة البطلة كانت مرآة تعكس جانباً خفياً ومتوارياً في أعماقها، لم تكن لتعرفه لولا هذا الانعكاس والاشتباك. وعندما التقت الجوهرة بالطبيب اليهودي ليبرمان، في مدينة (تورنتو) الكندية لم تكن تقترب من (التابو) أو تسعى له ضمن نية مسبقة، بقدر ما كانت تستجيب لشرطها الوجودي ومحيط يلغم دربها بالتجارب والخبرات التي لا بد أن تراوغها لتنمو وتتطور وتوغل في مسيرة تحقق من خلالها إنسانيتها.

> هل تخشى الكاتبة من أن تفسر روايتها وكأنها إسقاطات واقعية على محيطها، لا سيما في مجتمع محافظ لديه حساسية مرتفعة تجاه «كلام النساء»؟

- بالتأكيد لم أكن أسعى إلى رفع شعارات أو لافتات كبرى، تثقل العمل الروائي بالأفكار على حساب جماليات النص، ولكن حتما ستظل العلاقة بين مجتمع محافظ وتفاصيل روائية علاقة متوترة ومكهربة ومقلمة بالأحمر، فالرواية هي ابنة المدينة التي تقطع علاقة الفرد بجماعته الصغيرة، ومحيطه المحدود السابق، وتطلقه في الفضاء المدني يكابد أقدارا تقترب من أقدار الأبطال في الملاحم الشعرية، حيث يشتبك البطل في صراع متصل مع محيطه ليصنع أقداره الخاصة المنبثة عن علاقته بالجماعة وقوانينها، فلا تبقى سوى قوانين رحلة متصلة التبدل والتغير. ومن هنا لا بد أن يحمل الكاتب أو الكاتبة بين أعطافه قلباً جسوراً قادراً على معابثة الأقفال ومخاتلة سعالي الطريق.

> هل يمكن القول: إن الرواية تتضمن بث رسائل تنويرية بعيداً عن سلطة مجتمع محافظ؟

- لا أميل لرواية الأفكار الزاعقة على حساب بقية جماليات النص الروائي، لأن فعل الجمال بحد ذاته، هو فعل تنويري، هو تقدم في المسيرة البشرية نحو تحقيق المزيد من الإنسانية عبر القيم العليا، والبنيان الروائي يقترب من الغيمة، فهو من ناحية يكون محملا بالأمطار والسيول والوعود، لكن من ناحية أخرى ستثقله وتفتته مقولات أيدلوجية جاهزة بشكل عشوائي.

> قلت ذات يوم إن حضور المرأة في الأدب لا يوازي حضورها الباهت في الحياة العامة.. كيف ذلك؟

- المرأة تعيد رسم غيابها وزخرفة مقاعدها الفارغة عبر الكتابة، الكتابة هي واجهتها الوحيدة التي تعلق بها مفرداتها كي تراها هي شخصيا قبل أي شخص آخر، والكتابة هي أول حقل تحرر من سطوة التاريخ وهيمنة الجغرافيا.