جدات شهرزاد وثلاثة أكياس ملأى بالزبيب

حكايات للأطفال من أجواء ألف ليلة وليلة اختارتها مجلة ألمانية ككاتب للشهر

TT

اعادني الباحث والكاتب العراقي الدكتور نجم عبد الله مصطفى الى احضان جدتي وانا اقرأ بالألمانية الحكايات التي سردتها له جدته خديجة حينما كان صغيرا. فالحكايات هي ذات الحكايات لانها عراقية، وإن بشيء من التحوير، سمعتها انا في غرفة جدتي ذات الشناشيل في البصرة، سمعها ابن الموصل وسمعها المؤلف في بغداد. حكايات جميلة عن البشر والحيوانات مشحونة بالقيم والحكم والدروس التي تكتسب واقعيتها اليوم سواء على المستوى السياسي ام الاجتماعي.

كنت اصعد الى الطابق الثاني من بيتنا المطل على النهر في البصرة كي اجلس في حضن جدتي، احتسي لديها شاي النومي المحلى، واستمع الي حكاية «ابو الويو يذهب الى الحج» والى حكاية «ابو القاسم الطمبوري» وقصة «الاسكندر ذو القرنين» لاذهب بعدها مطمئنا الى فراشي في الركن الضيق من غرفة والدي. والمهم في الموضوع، الذي يعبر عن تواصل هذه الحكايات، هو اني كنت منذ سنوات استعيدها واحكيها لابنتي المولودة في المانيا يوميا في السرير وصارت ابنتي تحفظها لكثرة ترددها.

صدرت الحكايات عن دار جابرييل (النمسا ـ المانيا) بطبعة انيقة حملت اسم الكاتب الى جانب اسم جدته خديجة التي كانت تسرد له هذه الحكايات، وهي التفاتة طيبة من الحفيد نحو جدته، لكن الحكايات يمكن تسجيلها بأسماء ملايين الجدات العراقيات والفارسيات والهنديات والكرديات... اللاتي توارثن هذه القصص عبر الاف السنين. تولى الالماني اورس جوسكن تصحيح النص الالماني في حين زودت الرسامة الالمانية ليندا فولسغروبر حواشي الصفحات بالرسوم والتخطيطات المعبرة. ويحتوي الكتاب على ثلاثين حكاية تحتل 110 صفحات من القطع الكبير قدم لها الكاتب بمثل عربي عن اهمية الكتب استقاه من الاصمعي.

واضفى نجم عبد الله مصطفى اجواء اضافية تذكرنا باجواء حكايات الف ليلة وليلة وسكوت شهرزاد عن الكلام المباح فكانت الجدة تختتم كل قصة بلازمة تغير بين فترة واخرى حسب الظروف وتترك الطفل في حالة تساؤل فضول: رحنا عندكم وجينا، ولو كان بيتنا قريبا من بيتكم لكنت قد جلبت لك ثلاثة اكياس ملأى بالزبيب، الاول للمرأة التي ستمنحك غدا مصروفا قدره خمسين فلسا، الثاني للمرأة التي ستركبك بعد غد على حدبة بعير، والثالث للمرأة التي حكت لك بالامس حكاية الخروف لؤلؤ. وتبقى عينا الطفل معلقة بحنك الجدة محملتين بسؤال: جدتي ومتى انال انا احد الاكياس؟ وطبيعي فان نهم الطفل للزبيب ينمو كل يوم مع كل حكاية جديدة لكن الصغير لم ينل، حتى بلوغه، أي زبيبة من الجدة الحكواتية وانما ذاكرة حادة ملأى بحكايات الجن والملوك وابو القاسم الطمبوري ومقالب جحا والثعالب المكارة.

وحسن فعل الكاتب بان جزأ حكاية «ابن أوى يذهب الى الحج» الى جزء صغير في بداية الكتاب يختمه كالمعتاد بلازمة اكياس لزبيب وتساؤلات الطفل وجزء مكمل في نهاية الكتاب، اذ يسبغ هذه الاسلوب مزيدا من حب الفضول والمتابعة على القاريء الصغير. كما كانت معظم القصص قصيرة وسريعة وتعتمد الى حد بعيد على مخيلة السارد في تطويلها او تقصيرها وخصوصا في القصص التي تعتمد التكرار جلبا للنعاس في اعين الطفل.

وقد اختارت اكاديمية ادب الاطفال والشباب من مقرها في فولكاخ كتاب «ثلاثة اكياس ملأى بالزبيب» ككتاب الشهر (ابريل) ووصفته بأنه مجموعة حكايات شرقية تعكس احساس الانسان الشرقي بالحياة وحكمته ونمط تفكيره. كما ستقيم دار داوزاين (في مدينة هاناو) امسية خاصة للكاتب في الخريف المقبل يقص فيها حكاياته على الصغار.

ولد الدكتور نجم عبد الله مصطفى في بغداد عام 1929 ودرس الادب الانجليزي والاستشراق في جامعة هايدلبيرج. عمل بين 1972 ـ 1983 كاستاذ للغة الانجليزية والفارسية في جامعتي القسطنطينية (الجزائر) وبنغازي (ليبيا) ويعيش منذ ذلك الوقت في المانيا.

=