الرواية تتصدر قراءات المثقفين والكتّاب المصريين عام 2008

تراجع الشعر وبعضهم عاد للكتب القديمة

TT

استحوذت الرواية على قراءات أغلب المثقفين والكتّاب المصريين خلال عام 2008، فيما تراجع الشعر إلى المرتبة الثانية في فضاء القراءة، يليه الكتب ذات الطابع الفكري والفلسفي والتاريخي والاجتماعي والسياسي، وبرغم ذلك تظل الأسئلة في أذهان هؤلاء الكتّاب والمثقفين حيرى حول القيمة الأدبية والقدرة على التأثير والإضافة للحياة الأدبية، كذلك السمات والملامح الفنية الخاصة للإنتاج الأدبي في العام الفائت.

الناقد الأدبي إبراهيم فتحي، يصف الإنتاج الثقافي، خاصة الأدبي، عام 2008، بأنه في أكثره متوسط المستوى، ويقول: استوقفني هذا العام ديوان لشاعر قديم هو محمد صالح نشرت قصائد كثيرة منه في جريدة «أخبار الأدب»، لكنه لم يصدر بعد، واعتقد أنه أهم شيء قرأته في هذا العام. ويعيب فتحي على الإنتاج الأدبي المصري تشابهه في أغلب الأحوال، مشيرا إلى أن الروايات التي صدرت خلال هذا العام تعتبر روايات تكوين الشخصية، فمعظمها سير ذاتية عن تجارب حياتية لكتابها، وهو شكل محدود من أشكال الكتابة، إلا أن الجيل الجديد يتبناه لعدم وجود قضية تشغله وتستفزه ليكتب عنها، وأبناء هذا الجيل لا يمتلكون سوى أنفسهم ووجودهم الشخصي، لذلك فإن ذواتهم عادة ما تكون هي موضوع إبداعهم، وفي النهاية أصبحت أعمالهم متشابهة ومكررة ولا يوجد فيها جديد، وتندرج هذه الأعمال تحت مسمى «العادية» ومتوسطة المستوى ـ بحسب كلام فتحي ـ إلا أن هذا لا يمنع من إمكانية اكتشاف طاقات كامنة في هذا الإبداع، من خلال أحد القراء أو النقاد المتمرسين الذين سيظهرون في الأعوام المقبلة.

ويشير فتحي إلى رواية «الفاعل» لحمدي أبو جليل، التي حصلت على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية هذا العام، مؤكدا أنها استرعت انتباهه لأنها تمثل ميلاد كاتب استطاع أن يرصد العالم كموات ويجعل من تجربة حياته عناصر لخلق شخصية إبداعية هي بطل الرواية، عامل البناء ـ وهذه المهنة في الأوساط الشعبية المصرية تسمى الفاعل «اسم الرواية» ـ الذي يحاول أن يستكمل تعليمه ويجد نفسه في مظاهرة احتجاجا على احتلال العراق، فيضرب ويسجن ويصطدم بعالم آخر. وينطلق أبو جليل في هذه الرواية من خلفيته البدوية ليقدم تجربة ربما تكون مألوفة، إلا انه كتبها بطريقة خاصة.

ويضيف فتحي: هناك ديوان شعر استمتعت بقراءته أخيرا بعنوان «ليست موسيقى عابرة» لسحر سامي تحاول من خلاله أن تبني عالما جديدا يكاد يكون صوفيا، وهي شاعرة شابة و مجتهدة جدا.

بينما تقول الأديبة سهير المصادفة إن أهم الأعمال الأدبية التي قرأتها خلال 2008 ثلاثة دواوين للشعراء: محمد سليمان وعبد المنعم رمضان و«طرديات» محمد عفيفي مطر، والديوان الأخير تجربة متكاملة أكثر من كونه ديوان شعر، فعفيفي مطر يعيد اكتشاف العالم في ملاحقته للطريدة. وعن الأعمال الروائية تقول إن أهم الأعمال التي استوقفتها رواية «أحمر خفيف» لوحيد الطويلة و«دموع الإبل» لمحمد إبراهيم طه، لأنهما يمثلان نوعا من الكتابة الجديدة بعيدا عن الوصفات السائدة لكتابة الرواية. وتلفت المصادفة إلى وجود خلل في الحياة الثقافية المصرية قائلة إن الأدب على وشك الانهيار بسبب الاحتفاء بنصوص ضعيفة، حتى أنها لا تشير إلى الجنس الأدبي المكتوبة في إطاره، وبها أخطاء فادحة بخاصة في اللغة، وتضيف: أشعر بوجود مؤامرة على الإبداع الذي بدأ ينهار في مصر والوطن العربي، رغم أنه العمود الأخير الذي تستند إليه الحياة الثقافية.

وترصد الكاتبة سلوى بكر الأعمال الأدبية التي أعجبتها عام 2008 ومنها رواية «عشق البنات» لهويدا صالح و«ميس إيجبت» لسهير المصادفة ورواية «أحمر خفيف» لوحيد الطويلة، وتقول إن رواية «أحمر خفيف» بها لغة «عالية جدا» ومتقنة إلى أقصى درجة، بالإضافة إلى أن الكاتب يعالج موضوعات شائكة، بعضها يتعلق بالجنس بطريقة راقية، وتضيف: إن لكل رواية سماتها الخاصة إلا أن الملاحظ وجود تنوع واتجاهات ومحاولات وجهد وجدية في الحركة الإبداعية خلال هذا العام، سواء على مستوى الكم أو الكيف، وتلفت بكر إلى أنها استمتعت كثيرا بإعادة قراءة كتب قديمة مثل كتاب «أصول المسألة المصرية» لصبحي وحيدة، و«أقباط ومسلمون» لجاك تاجرما، كذلك كتاب «الخطط التوفيقية» لعلي مبارك، وتقول بكر: إن هذه الكتب تمثل بالنسبة لها ما هو أبعد من الحنين، فهي كتب مؤسسة كتبت منذ فترة طويلة ورغم ذلك ما زالت قادرة على إمتاع قارئها وإبهاره، مشيرة إلى أنها قرأت أيضا بعض الكتب المترجمة الصادرة عن المركز القومي للترجمة عن «الموريسكيين» في إسبانيا وأوضاع المسلمين في نهاية حضارة الأندلس. وعن إبداعات الشباب تقول إنها قرأت بعض أعمال الشباب وأعجبتها مثل رواية لمحمد الفخراني، وأخرى لمنى برنس، وتشير إلى صدور روايات أخرى لم تقرأها مثل رواية «فرج»لرضوى عاشور ورواية لمحمود الورداني، لافتة إلى اهتمامها بقراءة الكتب التاريخية بشكل أساسي.

أما الشاعر شعبان يوسف فيعتبر روايتي «قسمة الغرماء» ليوسف القعيد و«دموع الإبل» لمحمد إبراهيم طه من أفضل الأعمال الأدبية التي قرأها هذا العام، ويثني عل تطرق رواية «قسمة الغرماء» إلى موضوع شائك ويكاد يكون غير موجود في الإبداع المصري وهو مناقشة الخلافات الطائفية عبر قضايا اجتماعية مثل الحب والزواج وصولا لجريمة القتل، ويقول يوسف: إن الرواية صدرت خارج مصر نظرا لحساسية الموضوع، ويصف أسلوب القعيد في هذه الرواية بالشفافية والعذوبة، أما رواية «دموع الإبل» فهي تجربة صوفية لم تستجب للموضات الاجتماعية السائدة، بحسب تعبير يوسف، فهي تنطلق من عالم الإنشاد الصوفي وتعزف على أوتار الروح بطرق مختلفة، كما تتطرق لمناطق شبه محظورة في العلاقات الاجتماعية.

ويضيف يوسف: من الروايات التي استمتعت بها أيضا رواية «فرج» لرضوى عاشور، فمن خلالها تستكمل الروائية مشروعها في رصد العلاقة بين الفرد والسلطة عبر السجون منذ أواخر الخمسينات إلى نهاية القرن الماضي، وتتعامل مع تغريبة المثقفين أو تعرضهم للقمع في العهد الناصري، وتستعين في الرواية بشخصيات حقيقية مثل أروى صالح وسهام صبري وعبد العظيم أنيس.

ويؤكد يوسف أنه استمتع جدا بكتاب «المشوار» وهو سيرة ذاتية للدكتور فخري لبيب صاحب الترجمة الأشهر «لرباعيات الإسكندرية» التي كتبها لورانس داريل، موضحا أن سبب إعجابه بكتاب «المشوار» كونه يرصد حركة النضال الوطني في الأربعينات، ويوضح جوانب غامضة بخصوص طبيعة العلاقة بين المسلمين والأقباط في المجتمع المصري آنذاك، وفي ما يتعلق بالشعر يقول يوسف إنه يعود من فترة إلى أخرى لقراءة صلاح جاهين، ويضيف: جاهين وصلاح عبد الصبور أقرأهما طوال الوقت فهما لا يزالان يبهرانني.

ويرى الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة أن شعر العامية شهد صحوة وطفرة في العام الماضي، مضيفا أن ديوان «رباعيات القاهرة» للشاعر ماجد يوسف هو أهم الأعمال التي أعجبته، ويوضح تليمة أنه كما تشهد الرواية وصناعة السينما صحوة في الفترة الأخيرة، كذلك يشهد شعر العامية صحوة موازية وهو ما وجده في ديوان «رباعيات القاهرة» الذي يتعرض للعديد من قضايا وهموم رجل الشارع في صياغة شعرية متميزة، وباستخدام أسلوب يمزج بين المأساة والكوميديا السوداء.