أبحاث فكرية أولاً.. والشعر حاضر أيضا

مثقفون مغاربة يختارون أهم الكتب التي قرأوها سنة 2008

TT

اختار مثقفون ومبدعون مغاربة كتبا متنوعة المضامين، بين ماهو ثقافي وإبداعي وسياسي، وفق ميولاتهم وتوجهاتهم الفكرية، ومواقعهم أيضا.

واستهلت ليلى أبوزيد، الكاتبة المغربية، تصريحها لـ«الشرق الأوسط» بإشارتها إلى ما يشهده الغرب هذه الأيام «من فيض في السير الذاتية لسياسيين ونجوم سينما وإعلام، يصوغها في واقع الأمر، نيابة عن أصحابها كتاب محترفون بأجر، بحيث لا تكاد توجد سيرة ذاتية حقيقية».

لكن سيرة ادوارد سعيد، «رجل في غير مكانه»، يعد أهم كتاب قرأته أبو زيد سنة 2008، ذلك أنها سيرة شذت عن القاعدة، وتقول في هذا الصدد «إنه كان ناقدا وأستاذا للأدب المقارن بجامعة نيويورك. وسبق له أن أصدر 18 مؤلفا في النقد الأدبي، اشهرها «الاستشراق» الذي قلب المفاهيم الأكاديمية الغربية حول الاستشراق.

ونقلت أبو زيد عن سعيد قوله: «إن كل خطاب، لاسيما إذا كان ثقافيا، يبقى لصيقا بالايديولوجية، وان الاستشراق في انكلترا وفرنسا فيما مضى، وفي اميركا في الوقت الراهن، يقوم على فكرة أساسية، هي أن ثقافة الغرب أرفع مكانة من ثقافة الشرق، وأن هذه الرفعة المزعومة كانت مفيدة لفرنسا وانكلترا عندما استعمرتا بلاد الشرق، وأن الاستشراق أوجد فجوة بين العرب والمسلمين، من جهة، والغرب من جهة أخرى».

واعتبرت أبو زيد سيرة سعيد الذاتية، بأنها «جاءت مختلفة تماما عما ينشر من سير ذاتية في الغرب وفريدة في نوعها، لأنه صاغها بنفسه بأسلوب أدبي كشف عن المبدع الكامن وراء الناقد، وجاءت في حوالي 300 صفحة كتبها في ثلاث سنوات في نيويورك وباريس والقاهرة، وهو يعاني من المرض الذي أودى بحياته.

وقالت: «إن سعيد تناول في الكتاب طفولته في القدس والقاهرة ولبنان، بصراحة عكست التعقيدات والمتناقضات التي تزخر بها الحياة، والتي تبلور فيما يخصه، إحساسه الدائم بأنه رجل في غير مكانه:عربي ومسيحي، عربي ويكتب بالانجليزية، فلسطيني وأميركي».

وقال حسن نجمي، الشاعر المغربي، إنه قرأ كتبا عربية ومغربية، وفرنسية أيضا، مشيرا إلى أنه قرأ في الصيف الماضي بكثافة، ثم تراجعت حماسة القراءة لديه في الأشهر القليلة الأخيرة، «وربما حماسة الكتابة أيضا»، حسب تعبيره.

واعترف نجمي أن الأعمال الروائية المترجمة إلى العربية حظيت عنده بأهمية أساسية، كما أنه قرأ آخر نتاجات الشاعر الراحل محمود درويش، وأدونيس، وسعدي يوسف. ولأدونيس أيضا، أعاد قراءة كتاب «التحولات» لأوفيد، «كتاب فذ استحق الجهد الفذ للشاعر العربي الكبير في الترجمة»، كما قرأ شعر الشاعر المغربي محمد بنطلحة من جديد.

ولكي يكون دقيقا، ولكي يختار نموذجا من مجموع قراءاته خلال سنة 2008، أشار نجمي إلى كتاب هنري ميشونيك «احتفال الشعر»، وأضاف «نحن نعرف قيمة ومكانة ميشونيك في النظرية الشعرية، وفي النقد الشعري في فرنسا، وفي العالم، فضلا عن وضعه الاعتباري كشاعر فرنسي كذلك».

في هذا الكتاب (من القطع الصغير، 318صفحة- منشورات فيرديي بباريس)، كما يوضح نجمي، هناك تأمل عميق، دقيق وجريء حول المسألة الشعرية، حول ماهية القصيدة، وما تفعله القصيدة، وما جدوى القصيدة اليوم. كما يهتم بالشعرية الفرنسية الحديثة والمعاصرة في نوع من المراجعة النقدية التي تصل حد تصفية حساب، ولكنها تصفية حساب بالمعنى الذي ينجزه الكبار، وليس بمعنى الحروب الصغيرة السائدة عندنا في وطننا العربي الكبير، أو كما يؤكد هو نفسه، تصفية حساب مع تاريخ الفكر والأشياء والقضايا، تصفية الحساب التي تعني الفكر والبحث والسؤال والمراجعة، تصفية حساب مع أفلاطون، مع أرسطو، مع ديكارت أو سبينوزا، مع هيغل».

ووصف نجمي الكتاب، كونه «كتابا صغيرا منشغلا بقضايا الشعر الكبرى، قضايا المعرفة والخلق والوجود واللغة والذات، فالشعر شأن أكثر جدية من أن يترك بين أيدي بعض المتلاعبين أو المتطفلين، كما يرى ميشونيك. والرأي ما يراه ميشونيك، وكل عام وأنتم بخير».

وقالت مليكة العاصمي، الكاتبة والشاعرة والنائبة في البرلمان المغربي، إن قراءاتها ومتابعاتها تتوزع بين مجموعة أقطاب كبرى، قد تكون غريبة نوعا ما، وخاصة في آخر السنة، وتتنوع بين قراءة ودراسة نصوص القانون المالي (الموازنة)، والقوانين المتعلقة بتطور العمل التشريعي للمجتمع المغربي، إضافة إلى قراءة نتاج الفكر والمجهود الثقافي الحزبي، وذلك باعتبارها مسؤولة على لجنة الثقافة والإنسية المغربية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر المقبل لحزب الاستقلال.

ومن الكتب التي قرأتها العاصمي أخيرا، كتاب جديد صدر أخيرا لعبد الحق التازي، القيادي في حزب الاستقلال (مشارك في الحكومة)، في ثلاثة أجزاء حول تجربته البرلمانية المنطلقة من 1985 إلى 2008 خلال ولايات متعددة، بعنوان «مسار تجربة برلمانية:المعارضة الوطنية في مواجهة الركود الاقتصادي والإخفاق الاجتماعي»، ويتضمن تدخلاته في الجلسات العامة لمناقشة القوانين المالية، وبعض القوانين الأخرى، وتدخلاته لمناقشة قضايا اقتصادية واجتماعية، أو عربية ودولية، أو ملفات حقوق الإنسان، أو في إطار تفسير التصويت، أو الأسئلة الشفوية، وكذا تدخلاته داخل اللجان المتخصصة، وتميز العمل بالأمانة حيث نقلت التدخلات أحيانا، كما هي باللهجة الدارجة.

والكتاب الثاني الذي قرأته العاصمي هو للدكتور محمد مصطفى القباج، الباحث المغربي، وعنوانه «مشاغل فكر في زمن العولمة»، وهو كتاب قالت الشاعرة المغربية عنه، «إن القباج مارس فيه خبرته ومسؤوليته واختصاصه كأستاذ للفلسفة ولعلوم التربية، ومثقف نشيط في الحقل العام، مندمج في الحياة الثقافية وشعابها».

ويعتبر القباج أن اللحظة التاريخية المعيشية اليوم هي لحظة تحولات عميقة، تواكب زمن العولمة الذي جعل المثقف، كما يقول، «في هذا الموقف البرزخي بين حالتين حضاريتين متغايرتين».

والكتاب، بصفة عامة، تضيف العاصمي، مناقشة وتأمل في العولمة ونظرياتها وأطروحاتها وتهديداتها لثقافة السلام والأخلاق وللهويات الوطنية والاستقرار.

ومن أهم الانتاجات الثقافية التي استرعت انتباه العاصمي سنة 2008، كتاب صادر ضمن سلسلة عن أكاديمية المملكة المغربية، ويتضمن أبحاث أعضاء الأكاديمية في جلساتهم الأسبوعية التي تحمل عنوان «أحاديث الخميس».

وتوقفت العاصمي في العدد 23 من هذه السلسلة عند مجموعة أبحاث، منها بحث الدكتور عباس الجيراري، بعنوان: «لماذا لم يتشيع المغاربة؟»، وقد اورد للإجابة عن هذا السؤال مجموعة عناصر وعوامل.

لقد احتضن المغاربة رموز الحركة الشيعية، وهم آل البيت في شخص المولى إدريس، ولم يتشيعوا لعوامل يعود بعضها لطبيعة المغاربة بعقليتهم العملية، أو بعقلانيتهم الميالة إلى الملموس والمحسوس وعدم قبول الغيبيات، وبعضها إلى كثرة الفرق الشيعية، وبعضها إلى متابعتهم للتيارات الفكرية في الشرق، وانتخابهم مذهبا ينسجم مع ثقافتهم، وهو المذهب السني المالكي.

وأوضحت العاصمي أن الجيراري قام بتحليل دقيق لتاريخ المغرب، وللظروف التي صاحبته في اتصال هذا الجزء بالإسلام والتقلبات السياسية والفكرية المختلفة والصراعات التي انتهت باستقرار المذهب المالكي السني بالمغرب.

وتوقفت العاصمي في العدد 24 من سلسلة كتب «أحايث الخميس» عند بحثين، الأول للكاتب عبد الكريم غلاب، بعنوان «كتابة تاريخ المغرب الحديث بين الموضوعية والتزييف»، وهو بحث ينطلق، في رأيها، «من معرفة مباشرة لشاهد من شهود العصر، يواكب زمن التزييف والتحريف للتاريخ والأحداث والشخصيات، ويعتبر أن التاريخ يتم الكذب عليه، وتزييفه عن عمد لأسباب مادية أو سلطوية أو حزبية، أو أحقاد خاصة، وعن غير عمد بسبب السهو والاختلاط والاعتماد على النقل والرواية الشفوية غير المتبصرة، أو المغرضة أحيانا أخرى.

وقرأت العاصمي أيضا في هذا العدد من السلسلة الثقافية لأكاديمية المغرب عند بحث للكاتب المغربي محمد شفيق، بعنوان «حركات الفكر المسيحي الأوروبي في القرن السادس عشر والسابع عشر، وما نتج عنها في القرنين السابع عشر والثامن عشر»، وهو بحث مهم جدا حول دور المسيحية في توحيد لغة وثقافة جل بلدان أوروبا، وجعلها هي اللاتينية، في الوقت الذي عجز الاستعمار الروماني بقوته وجبروته عن ذلك. واستعرض شفيق في هذا البحث حركة الصراع الفكري، وكيف دارت بين الكنيسة البابوية وبين الإمدادات الثقافية والتلاقحات التي تلقيها النخب الأوروبية في علاقاتها مع الفكر الإسلامي والإغريقي، وصولا إلى تحرير الفكر والبحث والممارسة العلمية.

واخر ما قرأت العاصمي هو أطروحة دكتوراه من إنجاز الطالبة المغربية أمينة الباكوري، تحت إشراف الدكتور العربي الحمداوي، أهدتها إياها، بعنوان «مكونات الخطاب في الشعر المغربي الحديث، قراءة في ثلاث نماذج شعرية: ثريا السقاط، مليكة العاصمي، وفاء العمراني».