الثقافة السعودية في عام 2008.. استقالة المثقفين

حضور «سلبي» طاغ في الصحافة المحلية

جانب من الحضور في إحدى أمسيات جمعية الثقافة (تصوير: عمران حيدر)
TT

استطاع المثقفون السعوديون في عام 2008 أن يسجلوا حضورا لافتا وطاغيا في الصحافة المحلية، مشكلين بذلك مشهدا ثقافيا، ليس بإنتاجهم الأدبي والثقافي والفكري، بل بخلافاتهم واستقالاتهم من مناصبهم في الأندية الأدبية ومن رئاسة فروع جمعيات الثقافة والفنون.

فقد كان لافتا في عام 2008 استقالات المثقفين من مناصبهم في الأندية الأدبية بشكل خاص، واستقالة مديري فروع جمعية الثقافة والفنون، فرع الدمام وفرع الطائف، لأسباب قالوا عنها إنها «إتاحة الفرصة للآخرين والتفرغ لشؤون خاصة»، أما الاستقالات من الأندية الأدبية التي كان بعضها جماعيا، فكان يغلب عليها خلافات شخصية مع مسؤولي النادي، أو عدم انسجام بين أعضائه.

فإذا كان عام 2007 هو عام «اختيار الثقافة والمثقفين» ليتولوا إدارة شؤون الأندية الأدبية بعد أن منحتهم وزارة الثقافة والإعلام الحرية الكاملة لممارسة هذه الإدارة ووضع أقدامهم على «السكة» لمعرفة مدى قدرتهم على التأثير الإيجابي في أفراد مجتمعهم، فإن هذه الحرية سرعان ما انقلبت على أصحابها، فبدأت الخلافات تطفو على السطح في أقل من عام وأخذ التراشق بالألقاب وبمحاسبة النوايا هو الأكثر حضورا.

وكانت وزارة الثقافة والإعلام قد بدأت منذ عام 2007 بعمل تشكيلة «سحرية» متنوعة من المثقفين التقليديين والحداثيين والأكاديميين وممثلين لجهات أكاديمية وإدارات التربية والتعليم وأدباء بأعمار مختلفة.

وإذا كان مجلس إدارة نادي الإحساء الأدبي ما زال متعثرا بسبب اختلاف وانقسام بين أعضائه، فإن «أدبي الجوف» قد تعرض لتأثير من خارج النادي أثر بشكل مباشر على المسؤولين في النادي هناك، وطالب البعض بوقف خطة النادي الثقافية، التي يعتزم من خلالها تقديم عروض أفلام سينمائية. وفي مدينة حائل، أثيرت دعوات إلى مقاطعة النادي وأعضائه بسبب إعلان النادي لعرض فيلم هندي.

ووسط انتقادات حادة ولاذعة من قبل بعض المثقفين لعمل الأندية الأدبية لعدم وجود لائحة واضحة تضبط عمل هذه الأندية ورضوخها لثقافة بعض أعضائها، مما أوجد التباين والاختلاف في نوعية الأنشطة بين ناد وآخر ومن منطقة إلى أخرى، حاولت وزارة الثقافة والإعلام أن تظهر ذلك في إصدار «لائحة الأندية الأدبية»، غير أن هذه اللائحة لم تكن في مستوى طموح المثقفين، ولم تكن كافية بشكل مقنع، خاصة من قبل المرأة المثقفة، حيث أشارت مجموعة من المثقفات إلى أن اللائحة «خلت من الجديد والمأمول»، وأن بنودها «صماء» بحاجة إلى بث الروح فيها. وفي شهر سبتمبر (أيلول) 2008 اعتمد وزير الثقافة والإعلام إياد مدني عددا من الأعضاء، في كافة الأندية الأدبية التي كانت تعاني نقصا في أعضاء مجالس إداراتها، مثل نادي جدة ونادي القصيم ونادي الجوف، ونادي الأحساء، ونادي المنطقة الشرقية، ولعل اختيار أعضاء جدد يمثل فرصة علاج ناجعة لـ«صداع» بعض مجالس الأندية، غير أن الدكتور صالح السعدون في «أدبي الجوف»، وهو من الذين تم اختيارهم من بين الأعضاء الجدد، لم يكمل شهرين حتى قدم استقالته بعد تشكيل مجلس جديد للنادي لم يكن من بين مسؤوليه الأربعة؛ الرئيس ونائبه والمسؤول الإداري والمسؤول المالي.

 ورفض الناقد محمد العباس الانضمام إلى مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي، معللا ذلك بأنه لا يجد نفسه «داخل القوالب المؤسساتية». وإذا كان عدد من المبدعين تواروا عن المشهد الثقافي في هذا العام فإن هناك من أكد حضوره، مثل الكاتب والشاعر محمد العلي، حيث يعتبر من أكثر المثقفين حضورا في المشهد الثقافي عام 2008، فبعد محاضرته «خليط الوعي» في الأحساء بعد غياب طويل عنها، وقوله رأيا صريحا حول الأحساء وعدم تكريمها ورعايتها لأبنائها، الأمر الذي أثار قريحة بعض مواطنيه الأحسائيين والدخول معهم في سجالات صحافية، خرج العلي عن سكونه الطويل وأقام أمسيات شعرية في البحرين و«أدبي المنطقة الشرقية» وفي «أدبي جدة» ثم جامعة الملك سعود، ثم منازلته الكلامية مع الدكتور عبد الله الغذامي، بالإضافة إلى حضوره في الاستطلاعات الصحافية التي كان حريصا على الابتعاد عنها في السنوات الماضية.

غير أن الشخصية الأبرز الذي سجل حضورا متواصلا ومستمرا وشبه يومي في الساحة الثقافية هذا العام هو الدكتور عبد العزيز السبيّل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، الذي استطاع أن يكسب جميع المثقفين بتنوعهم وأن يمتص الخلافات في بعض الأندية الأدبية ويساهم في حلها بشكل مرضٍ لجميع الأطراف.

مشهد بانورامي بحاجة إلى أدوار أخرى ليستكمل فصوله كي ترتسم اللوحة الكاملة في تجربة المثقف السعودي والثقافة السعودية التي كانت بحاجة إليها منذ سنوات.