المسيحيون العراقيون.. مساهمات في الحياة الثقافية

ترجموا الكتب العلمية والطبية والفلكية عن اليونانية والسريانية إلى العربية

TT

أصدر الباحث بهنام فضيل عفاص مؤخرا كتابه الجديد «الحضارة المسيحية في العراق»، مع ترجمة كاملة له إلى اللغة الإنجليزية، أنجزها المترجم جلال نعوم، وجاء عنوان الترجمة Christian Culture in Iraq Across the Ages مختلفا عنه كما ورد باللغة العربية، وليس خافيا على أحد ما تحمله كلمتا «الحضارة» و«الثقافة» من اختلافات.

في مقدمته القصيرة للكتاب «ستة أسطر فقط» يشير المؤلف إلى أنه أراده موجزا وشاملا، وفي خاتمته التي جاءت قصيرة كذلك «عشرة أسطر لا غير»، يثبت كلمة كتبها الأمير الحسن بن طلال بعنوان «المسيحية في العالم العربي»، قال فيها «.. وتبقى الحقيقة أن المسيحيين ليسوا أغرابا بأي شكل عن المحيط الإسلامي في بلادهم، وهو المجتمع الذي اشتركوا وأسهموا في حضارته ومدنيته ماديا، ومعنويا، منذ أربعة عشر قرنا، ومن دون انقطاع حتى اليوم، وكان إسهامهم بارعا وبارزا طوال هذه المدة، وحائزا ثقة مواطنيهم المسلمين الذين كلفوهم التكلم باسم المجموع في التعامل مع الخارج».

يذكّرنا المؤلف وهو يتحدث عن الحياة الفكرية للمسيحيين في العصور الميلادية الأولى، بأن الأب الدكتور جورج غراف قد خلّد هذا التراث بكتابه «تاريخ الأدب المسيحي العربي» الذي صدر بأربعة عشر جزءا في روما بين سنتي 1947 و1953، ويشير إلى كتب أخرى مثل كتاب «عصر السريان الذهبي» للكونت فيليب ترازي المطبوع في بيروت سنة 1946، وكتاب «ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان» للقس بطرس نصري المطبوع في الموصل بجزأين عامي 1905 و1913، وكتاب «اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية» للبطريرك افرام برصوم المطبوع في حمص سنة 1943.

ولدى حديثه عن المسيحية عبر العصور الإسلامية، يركز المؤلف على دور المسيحيين في الترجمة، التي نشطت بشكل خاص في العصر العباسي الأول، حين قاموا بترجمة الكتب العلمية والطبية والفلكية عن اليونانية والسريانية إلى العربية، وكان على رأس المترجمين حنين بن اسحق الذي لقب بـ«شيخ المترجمين».

وبعد أن ينتقل المؤلف إلى العصر الحديث، يتناول دور المسيحيين العراقيين في الطباعة، فيعبر عن اعتقاده بأن أول مطبعة تأسست في العراق، هي تلك المطبعة الحجرية التي أدخلها الآباء الدومينيكان إلى الموصل بين سنتي 1856 - 1857، والتي أقاموا الخوري يوسف داوود مشرفا عليها، فأقدم على طبع كتابه الأول في قواعد اللغة العربية سنة 1859، وسماه «خلاصة في أصول النحو»، وهو أول كتاب في نحو اللغة العربية يطبع في العراق.

ثم ينتقل إلى الحديث عن دورهم في الصحافة، فيذكر أنهم أصدروا في مدينة الموصل سنة 1902 أول مجلة في العراق، باسم «إكليل الورود»، وقد استمرت في الصدور لمدة خمس سنوات. وعلى صعيد الصحافة النسوية يذكر أن بولينا حسون أصدرت عام 1927 أول مجلة نسوية تصدر في العراق، حملت عنوان «ليلى» ، ثم أعقبتها مريم نرمة التي عملت في الحقل الصحافي ما يزيد على ربع قرن، حتى وفاتها في خمسينات القرن المنصرم.

وبما أن الممارسات الصحافية العراقية المسيحية في الغالب، هي ليست موجهة للمسيحيين فقط، بل تخاطب كل العراقيين وتتناول مختلف القضايا والمسائل المشتركة، كان من الطبيعي أن يمر المؤلف بتجربة الأديب والصحافي العراقي الراحل روفائيل بطي، الذي أصدر بالتعاون مع زميله عبد الجليل أوفي عام 1923 جريدة باسم «الحرية»، كانت تعنى بالموضوعات الأدبية، إلى جانب السياسة. ثم أصدر جريدة «البلاد»، التي توقفت عن الصدور منذ انقلاب 8 شباط (فبراير) الدموي في العراق. كما يتحدث عن جريدة «الأخبار» التي أسسها جوزيف ملكون وجريدة «الزمان» التي أصدرها توفيق السمعاني، وقد استمرت الجريدتان الأخيرتان في الصدور لفترة طويلة، وتوقفتا في الرابع عشر من تموز (يوليو) عام 1958.

وبعد أن يتحدث المؤلف عن دور المسيحيين العراقيين في ميادين المسرح، والسياحة والرحلات، والخدمات العامة، يختتم حديثه بالتطرق إلى دورهم في الميدان الطبي، ويقول في هذا الصدد «لقد برزت في بدايات القرن العشرين نخبة لامعة من الأطباء الذين درسوا في جامعات أوروبية وعادوا ليمارسوا مهنتهم في الوطن، ومنهم الدكتور سليمان غزالة (1854 -1929) الذي درس الطب في فرنسا، وعين طبيبا في الأستانة، ومشرفا على جميع الولايات العراقية سنة 1912، ثم عين طبيبا في مجلس الصحة، ومارس مهنته إلى جانب استمراره في الكتابة والتأليف، حيث ترك لنا خمسة عشر مؤلفا في مختلف الميادين الفكرية، وبرز كذلك الدكتور حنا خياط «توفي عام 1959»، وهو يعد أول وزير صحة عراقي، وكان قد طبع سنة 1914 كتابا يحمل عنوان «لمحة اختبارية في الحمى التيفوئيدية»، وكان أول كتاب طبي حديث يطبع بالعربية في العراق.