جريدة نادرة لبيرم التونسي تجسد معاناته في المنفى و«نزقه الفني»

وثّقتها مكتبة الإسكندرية في كتاب ضمن «ذاكرة مصر»

TT

فصول من مساخر وأزجال ونوادر وقصص شاعر العامية الشهير بيرم التونسي، التي عبر عنها على صفحات جريدته الرائدة «الشباب»، يلقي الضوء عليها الباحث أشرف أبو اليزيد في كتاب صدر حديثا عن مكتبة الإسكندرية، ضمن سلسلة إصدارات (ذاكرة مصر المعاصرة).

ويدرس الكتاب عبر صفحاته الـ 224 وفصوله الأحد عشر، أعمال بيرم المنشورة في الجريدة منذ عددها الأول، حتى العدد العشرين، وآخر عدد صدر منها. ويستعرض في الفصل الأول الإطار الذي صدرت أثناءه جريدة «الشباب» قبل سبعين سنة، متطرقا إلى لمحات من حياة التونسي وسيرته الذاتية، مشيرا إلى أنه «لم يدع بابا» للفن إلا وطرقه، فقدم المقامة الهزلية، مضيفا لمسته المتقنة إلى الفن الذي ابتكره الهمذاني.. وكان فن الصحيفة الهزلية لدى التونسي صورة من نبوغه الشعري، لأنه أتاح له أن يكتب ويسخر، ويزجل فينهر، ويشعر فيفخر، وينثر فيهزر.

أصدر بيرم بعد استقراره في منفاه بتونس، يوم الخميس 29 أكتوبر عام 1936 العدد الأول من جريدة «الشباب»، وكانت الجريدة بحجم التابلويد، يتصدرها الشعار بخط نسخ صاف، وتحته تصطف أربع كلمات تعبر عن مضمون المجلة «تصدر ضاحكة عابثة مازحة»، وإلى اليسار، الاسم بالحروف الفرنسية. وظلت أعداد الشباب تتتابع، حتى صدر عددها الأخير في مارس عام 1937.

يشير أبو اليزيد إلى أن أبواب مجلة «الشباب» يمكن أن تصنف في 22 عنوانا رئيسيا، منها: الكاريكاتير، والرسوم الساخرة، والإعلانات المختلفة، والقصص والأزجال والأشعار المعارضة، والأخبار والافتتاحيات المناهضة، والاستفتاءات والبريد. ومن الجلي أن «الشباب» كرست جل صفحاتها للشأن التونسي، الداخلي والخارجي، ولكن سنقرأ بين حين وآخر معالجة مصرية، وشامية، مثلما سنطالع محطات جزائرية ومغربية.

في الفصل الثاني، يوضح أبو اليزيد أن بيرم كان يستعيد بقلمه الساخر وحسه الساحر، ذكرياته في فرنسا، وبالتحديد في مدينة مرسيليا، حيث عاش في منفاه. وقد وردت هذه الذكريات فيما أسماه «مذكرات المنفى» وكانت بضع مئات من الكلمات، أو صفحة واحدة من حجم الجريدة، وقد جمع هذه الذكريات، في كتاب محدود، ناشر تونسي، مجهول، متقصيا مصادرها في «الشباب» وغيرها.

ويذكر أبو اليزيد أن ما كتبه التونسي من ذكريات جاء بعد سنوات من الإقامة في وطنه الثاني تونس، ولذلك فقد هدأت نبرة الإعجاب بالغرب، لتعلو مكانها رؤية تأملية، تبين قسوة الغربة على العربي، خاصة في المنفى، وإن لم تخل الفصول من إعجاب خاص بالمرأة الفرنسية عامة، والمارسيلية خاصة، لجرأتها وجمالها في آن واحد. وتتضمن مذكرات المنفى فصولا، منها: «الدرجة الرابعة، ومرسيليا، وأجْوع المواقف، وعمل خفيف، وأول يوم في باريس، وعن النساء، وكنائس مرسيليا، وأعياد فرنسية، وأجانب في مرسيليا».

ويضم الجزء الثالث من الدراسة بعضا من افتتاحيات «الشباب»، ملحقا بملاحظات ختامية حول الافتتاحيات التي كانت تعد ركنا أساسيا في الجريدة، حيث غطت الافتتاحيات موضوعات متنوعة، سياسية ودينية وفنية واجتماعية. ويتعرض الجزء الرابع «بيرم التونسي قاصا» إلى قصص الجريدة التي كانت تأتي باسم «قصة الأسبوع»، وقد كانت تنم عن معرفة جمة بالحياة التونسية، وهي معرفة استقاها بيرم بعين الباحث الناقد، والشاعر اللماح. ويستطيع القارئ أن يتلمسها بين السطور، حتى في أبسط المفردات. وقد اختار أبو اليزيد نموذجين من الأدب السردي، ليعبرا عن موضوعات بيرم في قصصه، وتنوع أشكالها فنيا، حيث اختار أن يكتب إحدى قصصه على شكل حوار تمثيلي، في رواية – مسرحية - من أربعة فصول.

وفي الجزء الخامس «مقامات التونسي» يستعرض المؤلف أبطال مقامات التونسي وشخصياته المتجددة، وفي الفصل السادس «رسوم الشباب» يضع المؤلف بين يدي القارئ بعض الرسوم التي صاحبت أبواب الشباب، ومنها: رسوم صغيرة «موتيفات»، أو رسوم كاريكاتيرية، رسوم قائمة بذاتها، رسوم شارحة، رسوم الأعلام، الرسوم الأجنبية، والصور المنقولة عن أكليشيهات. ومن الغريب أن معظم الرسوم جاءت غفلا من التوقيع.

أما الجزء السابع «من القراء وإليهم»، فيقتطف بعضا من أسئلة القراء، موضحا كيفية الإجابة عنها في أعداد الجريدة. ويعرض الجزء الثامن «الأبطال بالريشة والقلم»، وفيه قدم بيرم أبطاله كضحايا قلمه إن انتقدهم، وتاجا له إن امتدحهم.

وفي الجزء التاسع «أبناء وبنات الفن»، يذكر أبو اليزيد أن هذا الباب قد ظهر من العدد الأول، لكن بيرم لم يكن يقتصر على ذكر (آل) الفن ضمن هذه الزاوية وحسب، بل انتقل للحديث عنهم فرادى، وتحت عناوين أخرى مستقلة، ولذلك يكاد ما كتبه في هذا الشأن الفني يمثل كتابا قائما بذاته.

ويضم الجزء العاشر في هذه الدراسة أزجال بيرم في جريدة الشباب، فقد كان من المعروف عن بيرم التونسي أنه نادرا ما كان يفسح الصفحات لشعر غير الذي ينظمه، أو زجل غير الذي يكتبه.

وفي الفصل الأخير، خصص الباحث هذا الجزء للبحث والتمحيص في لغة الإعلانات الدعائية للمجلة، حيث تُقرأ أحوال الأمة من إعلاناتها، وهي من ـ وجهة نظر المؤلف ـ لا تخرج عن نسقين، إعلانات حقيقية عن منتجات وأحداث حقيقية، أو الإعلانات الموضوعة التي تدخل في باب السخرية.