محمد مندور.. معاناة حياتية وحروب نقدية

فؤاد قنديل قضى عشرين عاما في دراسة حياة وكتابات الناقد المصري

TT

عشرون عاماً قضاها الكاتب المصري فؤاد قنديل مشغولا بمؤلفات وحياة الناقد الدكتور محمد مندور ورحلته الطويلة المضنية ودوره في عالم السياسة قبل ثورة يوليو ومساهماته النقدية في مجالات الابداع المختلفة.

وأخيراً أصدر قنديل كتابه «محمد مندور شيخ النقاد» عن مركز الحضارة العربية وتناول فيه عبر ثلاثة فصول تفاصيل حياة مندور التي امتدت 57 عاماً حيث توفي في القاهرة عام 1965، ونشأته في قريته الصغيرة التي كان جده يملك فيها أكثر من 450 فداناً، وحلمه أن يدرس الحقوق ويصير وكيلا للنيابة ليساهم في اخراج الانجليز من مصر ويدافع عن الضعفاء، وتأثره بثورة 1919، والتي عايش أحد أحداثها في قريته.

يشير قنديل في كتابه الى سفر مندور الى القاهرة بعد انتهاء دراسته الثانوية والتحاقه بالجامعة لدراسة الحقوق، ثم لقائه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ودراسة الادب والاجتماع، وحصوله على ثلاث شهادات في وقت واحد، ثم سفره الي فرنسا للحصول على الدكتوراه وقيام طه حسين بمحاولات في وزارة المعارف لاستثنائه من شرط النظر الذي كان يمكن ان يمنع سفر الدكتور محمد مندور الى فرنسا بسبب ضعف نظره الشديد. وهناك درس وتعرف على أدب جوستاف فلوبير، وأحب ابداع رونسار وبودلير وفرلين ورامبو، فتعمق لديه الاحساس بوحدة الفن.

* الترجمة والصحافة

* وبعد عودته من فرنسا من دون ان يحصل على شهادة الدكتوراه بدأت متاعب مندور، وساءت علاقته باستاذه الدكتور طه حسين، ورفض تعيينه في كلية الآداب لتدريس اللغة العربية أو اليونانية أو اللاتينية، وكان ذلك في عام 1931، وعند حلول عام 1940 تمكن من الحصول علي موافقة للتدريس في قسم اللغة الفرنسية، والمعهد العالي للصحافة، ثم تزوج عام 1941 من الشاعرة ملك عبدالعزيز، وفي عام 1942 افتتحت جامعة الاسكندرية وأصدر الدكتور طه حسين قراراً بتعيينه لتدريس الأدب العربي والنقد القديم والحديث في كلية الآداب بالاضافة الى اللغة اليونانية في قسم الدراسات القديمة بها، ثم ساءت علاقته مرة أخرى بطه حسين بعد ان عرف ان مندور بدأ في كتابة رسالته للدكتوراه تحت اشراف احمد امين وكان موضوعها «تيارات النقد العربي في القرن الرابع الهجري»، واعلن وقتها الدكتور طه انه لن يعترف بها ورفض ان يشترك في اللجنة التي قامت بمناقشتها، وقد أضر هذا كثيراً الدكتور مندور وأدى الى تعرضه لأزمة مالية لم تنفرج إلا بمساعدة استاذه احمد امين الذي طلب منه ترجمة كتاب «دفاع عن الأدب» لجورج ديهامل، و«من الحكيم القديم الي المواطن الحديث» لبوجلين وبرييه دي لاكروا، و«تاريخ اعلان حقوق الانسان» البيبير باييه و«مناهج البحث في اللغة» تأليف انطوان ماييه، و«مناهج البحث في الادب» لجوستاف لانسون، وهذان الكتابان قام الدكتور مندور بنشرهما عام 1946 عندما تعطل اصدارهما عن طريق وزارة المعارف.

وقد تطور الخلاف بين الدكتور مندور والدكتور طه حسين مدير جامعة الاسكندرية الى الحد الذي جعل مندور يقدم استقالته منها، وتفرغ للصحافة والسياسة، حيث بدأ مرحلة جديدة من حياته مع الأزمات فما كانت تمر ثلاثة أشهر على عمله في جريدة «المصري» حتى دب الخلاف بينه وبين رئيس تحريرها محمود أبوالفتح بسبب مقال نشره مندور في جريدة «الاهرام» بعد امتناع أبوالفتح عن نشره في «المصري»، وقد التزم مندور منزله وبعد ذلك اتجه للتدريس في معهد التمثيل، وانشأ مجلة «البعث» واصدرها من منزله، واستكتب بها سلامة موسى، وفي عام 1945 عمل رئيساً لتحرير جريدة «الوفد المصري» فانصرف عن العمل في مجلته، لكنه بعد مرور عام عاد لاصدارها مرة أخرى بعد ان اغلق اسماعيل صدقي جريدة «الوفد» في حملته التي شنها ضد مجموعة من الجرائد والمجلات حيث اغلق 12 مجلة وجريدة باسم محاربة الشيوعية، وألقي القبض على مائتين من الكتاب والصحافيين بينهم سلامة موسى ونعمان عاشور وعبد العظيم أنيس وعبد الرحمن الشرقاوي والدكتور محمد مندور الذي رفض محاولة صدقي استمالته بتعيينه سفيراً لمصر في سويسرا مقابل الكف عن مهاجمة مشروع معاهدة صدقي بيغن الذي كان من المقرر توقيعه في 1946 ولم يمر وقت طويل حتى اسقطت المظاهرات وزارة صدقي ورفضت توقيع المعاهدة مع بريطانيا، وعلى اثر ذلك عاد مندور رئيساً لتحرير جريدة «صوت الأمة» ثم قرر الاعتماد على نفسه وقيد اسمه في نقابة المحامين كان ذلك في عام 1948 وهو العام نفسه الذي أصدر فيه كتابه «النقد المنهجي عند العرب» وعند حلول عام 1950 انتخب مندور عضواً في مجلس الأمة، لكنه أصيب بورم في المخ أثر على نظره واضطر للسفر الى انجلترا للعلاج عاد بعدها 1951 ليغلق مكتبه الذي قل زبائنه بعد ان اشاعت جريدة «اخبار اليوم» انه اصيب بالعمى.

وقد شهدت الفترة من 1952 حتى 1965 جهداً نقدياً كبيراً من مندور، كان سببه قيام الثورة ومنع الذين مارسوا السياسة قبلها من العودة إليها، وهو ما جعل مندور يتفرغ للكتابة النقدية وكتابة المقالات والدراسات في الصحف والمجلات، والعمل في معهد الدراسات العربية العليا، والتدريس بمعهد الصحافة الذي كان يتبع جامعة القاهرة.

* جرأة نقدية

* وأشار مؤلف كتاب مندور الى انه خاض بعد ذلك العديد من المعارك النقدية كانت احداها عند صدور رواية يوسف السباعي «طريق العودة» عام 1958 وكتب وقتها مندور عنها مهاجماً، ورد عليه يوسف السباعي، وهاجمه الشرقاوي هجوماً لا علاقة له بالنقد واتهمه بالجهل إلا ان الشاعر احمد عبدالمعطي حجازي الذي كان عمره في ذلك الوقت 23 عاماً كتب قصيدة «دفاع عن الكلمة» دافع فيها عن مندور ونشرها في جريدة «الشعب» وعالج بها الكثير من الآثار السلبية لما كتبه الشرقاوي والسباعي ضد الناقد الكبير.

وقد ألف الدكتور مندور أكثر من 30 كتاباً في شتى قضايا الفكر والأدب وترجم 8 كتب والمدهش انه لم يصدر الكثير من المقالات والدراسات كان قد أعدها قبل وفاته عام 1965، والكثير من مقدمات المسرحيات العالمية التي نشرها مصاحبة لسلسلة المسرح العالمي.

ولم يقتصر جهد مندور النقدي على متابعة الأعمال الشعرية والروائية والقصصية والمسرحية والكتابة النقدية عنها، لكنه تجاوز ذلك الي كتابة دراسات نقدية تابع فيها التراث النقدي الذي تركه «ابن قتيبة» و«ابن المعتز» و«قدامة بن جعفر» و«الآمدي» و«ابن جني» و«الجرجاني» و«الثعالبي» وغيرهم من نقاد العربية الكبار.

ولم تتوقف كتاباته عند النقاد القدامى لكنه تابعها وكتب العديد من المقالات منها ماهو عن طه حسين وحول كتابه في نقد أبي العلاء، واختلف مندور مع العقاد وهاجمه بجرأة.

كما انتقد المازني، ووصف منهجه بانه اضيق من ان يتسع لألوان من الشعر الصوفي والدرامي.

=