أدباء وكتاب مصريون: فقدنا قيمة كبيرة في الأدب العربي

القاهرة: محمد الكفراوي

TT

في القاهرة تلقى الكتاب والأدباء والأوساط الثقافية نبأ رحيل الطيب صالح، بالصدمة والذهول، ووصفوا رحيل صاحب «موسم الهجرة إلى الشمال»، و«دومة ود حامد»، و«عرس الزين»، و«مريود»، وغيرها من الأعمال التي وضعت الأدب السوداني بقوة وجدارة على خريطة الأدب العالمي، بالخسارة الفادحة. لقد كانت القاهرة محطة مهمة وأساسية في مسيرة الطيب صالح، ومثلت له نافذة خصبة، تلونت بها شخوصه، وأطلت على العالم، مفعمة بسحر الأسطورة السودانية والإفريقية.

وقد ارتبط الطيب صالح بعلاقات محبة وطيدة بالعديد من الكتاب والمثقفين المصريين. وتوجت مصر محبتها له بمنحه جائزة «ملتقى القاهرة للرواية العربية» في عام 2005.

عن الطيب صالح، يقول الروائي إدوار الخراط «الطيب صالح علامة من علامات الأدب العربي والعالمي ، وإسهامه في تاريخ الرواية العربية لا يحتاج إلى تنويه أو تقييم، وبرحيله نفتقد علما من أعلام الثقافة الإنسانية». وأكد الخراط أن إنتاج الطيب الأدبي كان مؤثرا بدرجة كبيرة، ليس في الأدب العربي فقط، وإنما في الأدب والثقافة الإنسانية عموما.

أما الروائي إبراهيم أصلان، فقال «إن خبر رحيل الطيب صالح هو خبر حزين ومحزن تماما، فهذه خسارة فادحة لكاتب صاحب موهبة استثنائية ومكانة متميزة ومتفردة بين الأدباء العرب، فضلا عن أنه ـ والكلام لأصلان ـ كان صديقا دافئا، والجلوس إليه كان شيئا ممتعا إلى أقصى الحدود. إنه أحد الكتاب الذين يصعب أن يعوضوا، ولا أعرف هل كان مريضا أم لا، إلا أنه سيظل موجودا معنا طوال الوقت».

وقالت الروائية رضوى عاشور «برحيل الطيب صالح، فقدنا قيمة كبيرة في الأدب العربي الحديث. لقد قدم الطيب صالح عددا من النصوص الروائية المهمة؛ وضعت السودان على خريطة الأدب العربي الحديث بشكل واضح، وكان الطيب مثقفا كبيرا يجمع بين المعارف العصرية وموروث الأدب العربي الكلاسيكي والعالمي، إلى جانب أنه كان إنسانا متواضعا ودمثا وحلو المعشر، ومن ثم أتقدم بالعزاء لقرائه والمثقفين في السودان والعالم العربي كله».

في حين كتب الأديب سعيد الكفراوي رسالة ينعى فيها الأديب الراحل قال فيها «رحل السوداني الطيب.. يرحل الأحبة فتغيب برحيلهم ألفة الوطن.. رحل أحد المؤسسين الكبار لفن الرواية العربية الحديثة.. أذكر في أواخر الستينات حين نشر الراحل رجاء النقاش ـ كلهم رحلوا ـ رواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، في القاهرة، كنا في ذلك الوقت نحاول الإسهام في كتابة جديدة، فصدرت الرواية ونبهتنا للقيمة الحقيقية للكتابة، وكشفت عن ثراء الواقع باعتباره المادة الأولى للفن. صحبني «مصطفى سعيد، وود مجدوب، وضو البيت، وبندر شاه، ومريود»، أهم شخصيات رواياته، وقادوني إلى اكتشاف ما يوازيهم  في واقعي المصري الذي لا يختلف كثيرا عن الواقع السوداني».

ويضيف الكفراوي «إن الطيب صالح إلى جانب موهبته الفطرية الكبيرة كان إنسانا لا يُنسى، كان أحد البهاليل الذين تفتقدهم بمجرد أن يغادروك، وكانت علاقته بالدنيا وبالناس علاقة تقوم على التقدير والاحترام، بعيدا عما هو شخصي.

وكانت تربطني بالطيب صالح علاقة قوية، بالرغم من قلة لقاءاتنا، وأذكر أنني رافقته في مهرجان الجنادرية السعودي عام 1986، وارتبطنا، هو يحكي بالسوداني، وأنا أحكي بالمصري، حتى إننا نصبنا في حديقة الفندق الفخم خيمة أطلقنا عليها «المقهى الثقافي»، نلتقي بها مع الشباب الكتاب السعوديين، نطرح الأسئلة حول متغيرات الحياة والفن بغاية الصراحة والوضوح، وكان الطيب يحفظ شعر أبى تمام والمتنبي وصلاح جاهين والشعراء الشعبيين بالسودان، وأنا أرد عليه بفؤاد حداد، وكأنها حالة أشبه بسوق عكاظ الشهير».

ويضيف الكفراوي «إن الطيب صالح لم تكن لديه فروق بين الإنسان والفنان، وقد أحب وطنه السودان فأغناه الوطن بهذا الكم الذي لا ينسى من الكتابة العظيمة، التي ستقودنا دائما من حالة الضرورة إلى حالة الحرية».

أما الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة، فيقول «إن الطيب صالح يقف في مصاف الرواد، ولابد على مؤرخي الأدب أن يقفوا طويلا أمام منجز الطيب في فن الرواية والقصة القصيرة، ذلك لأنه صاحب مدرسة بالمعنى التاريخي، فهو من مبدعي رواية ما بعد محفوظ، رغم سنه الكبيرة. ونقصد بمرحلة ما بعد محفوظ خروج الرواية العربية إلى آفاق غير مسبوقة، واتخاذها مكانا مرموقا في الإبداع الروائي العالمي، فقد استطاع أن يمزج بموهبته الأدبية بين الثقافة العربية والعمق الإفريقي والموروثات الزنجية، ومن هنا خرجت لنا كتابة الطيب صالح برؤى ملحمية، صوفية، عقيدية، ليعبر عن موهبة حقيقية فريدة في القص والحكي والسرد».

و يصف الناقد فاروق عبد القادر الروائي الطيب صالح بأنه واحد من أهم الروائيين العرب، رغم أن منجزة يتمثل في رواية واحدة جاءت على أربعة أجزاء، تنطلق جميعها من قريته «دومة ود حامد». وعلى الجانب الإنساني، يشير عبد القادر إلى علاقة الصداقة التي ربطتهما ببعض، وأن «الطيب كلما كان يحضر إلى مصر، كنا نتقابل. لقد كان الطيب إنسانا ودودا ومريحا بطبيعته، بالإضافة إلى العلاقة الخاصة التي تربط المصريين بأشقائهم السودانيين، فكلاهما يعتبران نفسيهما أبناء وطن واحد». وأكد عبد القادر في نهاية كلامه على أن الطيب صالح أدى دوره جيدا، سواء كروائي أو كصحفي.