خلف بن هذال.. شاعر يطلق (توماهوك)

عالج بقصائده قضايا الداخل والخارج

الشاعر اللواء خلف بن هذال العتيبي
TT

قبل سنين، شبهت مجلة كويتية الشعر الذي كان يلقيه الشاعر السعودي خلف بن هذال العتيبي في حرب تحرير الكويت ويلهب مشاعر المقاتلين بأنه أمضى من صواريخ (توماهوك) و(كروز) الأميركية.

كما المقاتل، يقف الشاعر خلف بن هذال وهو يقذف حمما من بيوت الشعر، تشبه في إيقاعها وفي تصويرها وفي الأثر الذي تتركه مشهد الحرب، فبحكم تربيته العسكرية امتزجت قصائده بنبرة قتالية، تستدعي الشمائل التي يستند إليها، وفي نفس الوقت تثير العزيمة والفخر، وتستثير الهمم، وتقع على رأس خصومه بالتقريع والتوبيخ وتفنيد الحجة.

وللمئات الذين يستمعون إلى أشعار خلف بن هذال الذي أصبح أحد أركان المشهد الثقافي في مهرجان الجنادرية، فإن كلماته ليست من النوع الذي يستعصي على الفهم، بالرغم من أنه ينسج مفرداته الشعبية من بيئة نجدية ضاربة في القدم، لكنه يختار ألفاظا تميل إلى اللغة الوسطى، يمزجها بأدائه لتقترب من فهم المتلقي العادي خاصة أولئك الذين لا يعرفون المفردات الشعبية.

يهتز خلف بن هذال، الذي يحمل اليوم رتبة (لواء) في الحرس الوطني بعد نصف قرن من الخدمة، وهو يلقي الشعر عن ظهر قلب، بمقاطع متقابلة الألفاظ والمعاني تميل إلى السجع وإلى الإيقاعات السريعة، فيعطي الجمهور زخما هائلا لتحري مواطن العبارات وإيقاعات الجمل وموسيقى الألفاظ.

كانت بدايته في قصائد الغزل، وهو الذي نظم الشعر صغيرا ولما يتجاوز الـ 13 من عمره، وبرع في القصائد الغنائية والرومانسية، التي وجدت طريقها إلى الغناء، وبرع في شعر المساجلات المعروف بشعر (القلطة)، وهو الآخر كان تدريبا على نوع من الشعر الاستعراضي بين صفوف تتبارز بمناقبها وتفوقها وعلو كعبها.

ومثلت قصائد خلف بن هذال، موقفا يستجيب للأحداث السياسية، وكلما كانت هذه الأحداث ملتهبة كأحداث الحرم المكي في عام 1979 حين سيطر المتشددون على الحرم وأعلنوا خروجا على النظام والدولة، أو أحداث التسعينات التي أشعلها احتلال الكويت، وحرب التحرير، واحتلال مدينة الخفجي السعودية، وتحريرها، ثم تحرير الكويت. وفي هذه الأحداث جميعا كانت قصائد خلف بن هذال تنزل كالحمم على رؤوس الخصوم في حين كانت تلهب حماس المقاتلين وتعزز انتماءهم وتشد من أزرهم وتستثير غيرتهم.

فيما بعد عالجت قصائد بن هذال قضايا الداخل، بعد اندلاع موجة الإرهاب التي تعرضت لها البلاد، وجاءت قصائده في أعوام الجنادرية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر مفندة لحجج التيارات المتشددة، وفك ارتباطها بالدين، وإعطاء صورة أنيقة للمجتمع المبتلى بصور التشدد والغلو.

ولد خلف بن هذال بن سمران الحافي الروقي العتيبي في بلدة ساجر، في نجد، عام 1943، وعانى مبكرا شظف العيش، وفقد والده وهو في الثامنة مع عمره، واضطر للنزوح نحو المنطقة الشرقية ليعمل في الدمام في السكة الحديد براتب لم يتجاوز ثلاثة ريالات (80 سنتا أميركيا).

وفي سنة 1959، التحق بالجيش الكويتي مجندا، لكنه أقفل عائدا إلى بلده حيث التحق في عام 1963 بالحرس الوطني، مجندا في الفوج التاسع، الذي كان تحت قيادة الشيخ تركي بن ربيعان أمير قبيلته.

وكان الشعر فاتحة خير للفتى العتيبي، فقد صادف في اليوم الثاني لالتحاقه بالفوج إقامة حفل تخريج الدفعة الأولى في الحرس الوطني، تحت رئاسة الأمير عبد الله بن عبد العزيز (خادم الحرمين الشريفين حاليا)، فطُلب منه أن يلقي قصيدة في الحفل لفتت انتباه الأمير (الملك). بعد ذلك بأشهر ألقى قصيدة أخرى، كافأه عليها (الأمير عبد الله) بتعيينه برتبة (عريف سائق) بمعيته الخاصة، بعدها بنحو عشر سنوات جرى ابتعاثه لبريطانيا لدراسة العلوم الحربية لمدة عامين، عاد بعدها ليحصل على رتبة ملازم أول في الحرس الوطني.

ترقى بعدها في المناصب العسكرية حتى وصل قبل سبع سنوات إلى رتبة لواء، وظلّ منذ سنين الصورة الأكثر إثارة في ليلة الاحتفال بانطلاق الجنادرية، وفي سنة 1995 ألف أوبريت (دولة ورجال)، الذي لحنه عبد الرب إدريس وغناه الفنانان الراحلان طلال مداح، وسلامة العبد الله، والفنانون محمد عبده، وعبد المجيد عبد الله، وراشد الماجد.

من قصيدة خلف بن هذال المشهورة في هجاء الرئيس العراقي السابق صدام حسين بسبب غزوه للكويت:

البارحه اللـــــيل ما غمضت به كـلـــــه

أراقب الصبــــح جالــــــس واتـحرا لـــه

أبعث شــــريط مضى وأطويه وافلــــه

وأقــــول مــــن يحفظ التاريخ لجيالــــه

قل للــــــــــعراقي يفتش جعبته قلـــــه

يلقا بها شـــــيء ما يطري علــــى بالـــه

الهم والغم والطاعــــــــــون والعلــــه

حقـــــــــه لحاله كفايــــــه حقه لحالـــه

من صفعة ذاقهــــــا بانت به الخلـــــه

يذكـــــــر هزيمة شهر شعبان وهلالـــه

قــــام الثعل يشتغل ويشاغل الشلــــــه

عـــــــزت وطارق وعد عدي وأمثالـــه

يذبـــح ويصلخ يدها حمراء ومبتلــــه

شـــــــــــيء يخلي جبين الحر يندالــــه

يا ناس يا ويل مــــــــن هذا زعيما لـــه

الشعب فــي وضع يوسف له ويرثالـــه

شعب شرب كـــره وأكل كره كره لـــه

يتفل علـــــى صورته ويدوس تمثالــــه

تبت يــــــدي أبو لهب تبِ وتب لــــــه

واللـــــي معه بالحطب للـــقوم حمالـــه

مقبــــل على طبخة بالحيل تعمل لــــه

يـــــــوخذ بها الثأر والثورة تسوالـــــه

الله ما يهمـــــل الظالـــــــم ويمهــلــــه

وان طال به عمره خس شوي وأرذالـه

الحــــــــكم منهار والأحزاب منحلـــــه

ما خس مــــن حالةِ فيـــــها ولا حـــالــه

صدام أنا بانشدك ويش إنت عايشٍ له

مثلك بغبنه يموت ومونه أشوى له

الجــــيش يرزح تحت ذل من الذلـــــه

والشعب مسكيـــن تضحك له وتغتالـــه

وإذاعتــــك يا سويد الـــوجه منشلـــــه

ما عـــــندك إلا يالالــــه يـــــــاللا لــــــه