دبي تنحي الأزمة المالية جانبا وتتحدث شعرا سبعة أيام

سوق عكاظ تعود إلى الذاكرة في المهرجان الدولي للشعر.. واحتفاء بالخيام والشابي ودرويش

محمد بن راشد يفتتح منتدى دبي للشعر
TT

صحت دبي أمس على صوت الشعر والأدب، ناسية أو متناسية الأزمة المالية العالمية الطاحنة، جامعة شعراء وأدباء من مختلف أنحاء الدنيا، لتتحدث شعرا سبعة أيام كاملة عبر مهرجان دبي الدولي للشعر، الذي دشن أمس رسميا بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

لقد جاء إلى دبي كوكبة من الشعراء الكبار من شاكلة وولي سوينكا صاحب نوبل، وأحمد عبد المعطي حجازي، والأمير بدر بن عبد المحسن، وغيرهم كثير، ليمارسوا فن الشعر بكل ألوان الطيف وكل أشكال الإيقاع الشعري في مهرجان دولي هو الأول للمدينة التي عرفها العالم عاصمة للاقتصاد وناطحات السحاب.

ويقام مهرجان دبي الدولي للشعر تحت شعار «ألف شاعر، لغة واحدة» ويستضيف على مدى خمس سنوات ألفا من شعراء العالم، ليشاركوا في فعاليات تتضمن أمسيات شعرية، وندوات، وورش عمل، وملتقيات وفعاليات أخرى عديدة.

ويمكن القول إن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، منظمة المهرجان، أرادت أن تقول باستضافة شعراء العالم إن دبي مدينة حيوية لم تفت الأزمة المالية في عضدها ولم ترهقها ميزانية دفع الديون فقررت أن تقول للعالم بالشعر إنها مدينة الحياة وإنها لا تزال محط أنظار العالم ونموذج المزاوجة بين الحداثة والأصالة في القيم.

يقول على الشعالي المدير التنفيذي لمهرجان دبي الدولي الأول للشعر«ليس بالمال وحده يزدهر العالم بل بالقصيدة أيضا، ودبي إذ تدشن مهرجانها الدولي الأول تترجم اهتمام قيادتها السياسية ممثلة في الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي يؤمن بأن المعرفة هي نفط المستقبل».

وبدأت دبي من يوم أمس، باستقبال الشعراء العالميين بفعاليات متعددة تجمع بين الأمسيات الشعرية في مقر المهرجان والندوات النقدية والاحتفاليات الخاصة.

الشعالي بدا متفائلا بنجاح المهرجان لأنه بحسب رأيه «لم تنظم دبي مهرجانا أو استضافت مؤتمرا وعرفت الفشل»، كما أن تفاؤله له أسباب أخرى تنطلق من الأسماء المشاركة في الفعاليات وهي أسماء معروفة عربيا وعالميا وعلى رأسها الكاتب المسرحي والشاعر النيجيري ذائع الصيت وولي سوينكا الحائز على جائزة نوبل في الآداب، والمصري أحمد عبد المعطي حجازي أحد رواد قصيدة الحداثة العربية، والعراقي المعروف على جعفر العلاق وجوليا كسينا واليسا بياجيني وجمانة حداد وفاروق جويدة وغيرهم من الشعراء الإماراتيين والعرب والأجانب المعروفين.

ويحيي ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد بن راشد أمسية شعرية مع شقيقه الشيخ أحمد بن محمد بن راشد. والمعروف أن الشيخ حمدان له باع في كتابة الشعر النبطي وله اسم فني يعرف به في الإمارات ومنطقة الخليج العربي هو «فزاع».

ويقول الشعالي إن فعاليات المهرجان تمزج بين القديم والحديث، حيث تعود سوق عكاظ التاريخية التي عرفتها الجزيرة العربية قديما، وفيها كان الشعراء يتعاكظون بأنسابهم أي يتفاخرون بها، وبعظمة قبائلهم، ومن هنا جاء اسم السوق. وستكون عودة السوق القديمة مشابهة إلى حد ما لما كان يتم قديما حيث يتم تنظيم السوق في ستة مراكز تجارية في المدينة المعروفة بكثرة مراكزها التجارية، ربما لتشير إلى أن التجارة والقصيدة متلازمتان منذ القدم في الجزيرة العربية.

كما سيحتفل المهرجان في دورته الأولى بمئوية شاعر الإرادة العربية أبي القاسم الشابي صاحب القصيدة الشهيرة «إرادة الحياة»، التي تبدأ ببيت صار مثلا في الذائقة الفنية والذاكرة الشعبية العربية: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.

وربما أرادت دبي باستعادة الشابي تحديدا أن تقول لنفسها وللمقيمين فيها والمراقبين لحراكها السياسي والاقتصادي إن شعبها أراد الحياة ولذلك سيستجيب القدر لطموحاتها، وتستعيد المدينة المتعددة ثقافيا رائعة عمر الخيام الرباعيات، التي عرفها العرب عبر غناء كوكب الشرق أم كلثوم لترجمة الشاعر المصري المعروف أحمد رامي لها، ولكن المعرض يستعيدها بترجمة عصرية تعد الثالثة والعشرين لها وهي من إنتاج كاتب ومترجم إماراتي هو محمد صالح القرق الذي طارد الرباعيات في كل المكتبات العالمية، وقضى في رحابها تسع سنوات قارئا ومترجما وباحثا وراء كل ما كتب عنها بدءا من ترجمة المستشرق الإنجليزي ادوارد فيتزجيرالد وليس انتهاء بترجمات رامي وإبراهيم العريض لها. وسيقدم القرق قراءة في الرباعيات في الليلة المخصصة للخيام في المهرجان في بيت الشعر بمنطقة التراث.

ويهدف مهرجان دبي الدولي للشعر إلى تأكيد دور الشعر كقناة للتواصل والتفاعل بين ثقافات العالم المختلفة، وتسليط الضوء على المكانة الراقية للشعر في الثقافة العربية بوصفه لغة للحوار وديوانا للعرب، كما يهدف إلى دعم الشعراء العرب عبر إتاحة فرصة التلاقي المباشر بينهم وبين شعراء العالم، والتشجيع على ترجمة الشعر من لغات العالم إلى العربية وبالعكس. ويضم المهرجان أمسيات شعرية متنوعة للمشاركين طوال أيام الفعاليات التي تمتد من الرابع حتى العاشر من مارس (آذار)، كما يذهب بالقصيدة إلى فضاءين مميزين أحدهما الجامعات، حيث يتم تنظيم قراءات شعرية صباحية في عدد من جامعات دبي ومنها: الجامعة الأميركية وجامعة زايد وجامعة الإمارات وجامعة عجمان، وسيتلو سوينكا وحجازي وجمانة حداد وقزمان سالامون وعلى جعفر العلاق وجيمس فوتون قراءاتهم أمام الطلبة لإتاحة الفرصة، كما يقول على الشعالي، أمام أبناء المستقبل لمعرفة المشهد الشعري العربي والعالمي المعاصر بكل أطيافه، وتياراته.

وإذا كانت الجامعات، بحكم دوام طلبتها، ستشهد قراءات صباحية فإن الأندية الاجتماعية للجاليات الموجودة في دبي ستشهد عددا من الأمسيات الفنية التي يقدم فيها ضيوف المهرجان من الشعراء قراءات لقصائدهم ومن الأندية التي ستشهد تلك الأمسيات النادي المصري والنادي الإيراني والباكستاني والهندي والسوداني.

ولا يكتفي المهرجان بأمسيات الشعر بل سينظم إلى جانب الأمسيات عددا من ورش العمل والجلسات النقدية لإضاءة ما استغلق من مفاهيم شعرية أمام الجمهور، وتضم الجلسات النقدية عناوين لافته منها: شعر المرأة أفق يتسع لمزيد من المغامرة، وقصيدة النثر سقف لإبداع المرحلة، وفتنه الشعر أم الرواية إيقاع التحولات والتغيرات، ولغة بألف لسان هاجس الشعر المشترك، وترجمة الشعر مهمة تحفها المخاطر.

وإلى جانب الشابي والخيام، سيحتفي المهرجان باليوم العالمي للمرأة حيث ينظم أمسية خاصة بالقصيدة المؤنثة تشارك فيها كوكبة من الشاعرات فيما يقدم كذلك احتفالية خاصة بقصيدة الرواد الإماراتيين من أمثال أحمد بن سليم وحمد خليفة بوشهاب وسلطان العويس.

وبعد انقطاع طويل عن الأمسيات الشعرية، تستعد دبي لاستقبال الأمير بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز في أمسية شعرية تقام في التاسع من الشهر الجاري ضمن فعاليات مهرجان دبي الدولي للشعر.

ويقول جمال بن حويرب رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان: «للأمير بدر أسلوب شعري خاص ورائع إذ يعد أحد المجددين للقصيدة الشعبية فأسلوبه حديث ومفرداته منتقاة بعناية وله خبرة طويلة في صناعة الشعر الرائع وهو يجمع بين حب الرسم والشعر وقد قام بإصدار عدة دواوين شعرية تجمع بين شعره ولوحاته».