اكتشاف كريمة عبود أول مصورة في فلسطين

نتاجها يعرض في يوم المرأة العالمي

TT

في أحد أقدم الأبنية العريقة في مدينة الناصرة، المشيد على الطراز التركي قبل مائتي عام، تنتشر حوالي مائة صورة فوتوغرافية التقطتها كاميرا أول مصورة فلسطينية، تدعى كريمة عبود، قبل ما يقارب المائة عام. عبق التاريخ الذي يشع من جدران المكان يلتحم بصور تخلد مشاهد ذلك العهد المهيب، البحر الصافي قبل أن تشوهه يد الإنسان، الربيع قبل أن تخنق خضرته الأبنية، صور الإنسان البريء من لفحات العصر وهمومه.

صور صافية وواضحة، التقطتها كريمة في رحلاتها وتنقلاتها مع والدها أسعد عبود، الذي كان كثير التنقل بين فلسطين وبلاد الشام، بحكم طبيعة عمله ككاهن لالتقاء الرعية. رجل دين حر، لم يمنع ابنته الغالية من اقتناء كاميرا للتصوير، بعد أن لاحظ عشقها للطبيعة، بل عمل على تشجيعها لصقل موهبتها. فجاءت صورها أشبه بلوحات فنية تخلد المكان والتاريخ والذاكرة. وتحافظ عائلة كريمة في الناصرة على هذا التراث، وبالصدفة يكتشف الموضوع ويخرج إلى النور، بمبادرة صاحبة مطعم اسمه «صدفة»، ويا للصدف! والمطعم، يقوم في بيت عريق كان مهملا إلى ما قبل سنوات قليلة، جرى ترميمه مع الحفاظ على طابعه الأصلي، تديره شابتان من الناصرة، بعد أن اكتشف، في أزقة الناصرة القديمة، التي أمضى فيها السيد المسيح جل أيام حياته.

صور للبحر والطبيعة المتغيرة مع كل فصل، تمكنت كريمة من خلال عدسة كاميرتها نقل التفاصيل الدقيقة لها. صور أخرى كثيرة تركز على العنصر النسائي، من خلال ملامح الوجوه وجمالها الشرقي، العينين والخدين والفم الخجول واللباس التقليدي لتلك الحقبة. الأمر الذي لم يتمكن المصورون الرجال من فعله بحكم العادات والتقاليد!

عندما تمر على تلك الصور، تخالك أمام لوحات رسمت بريشة فنان يشع بالذكاء. تطور إضافي أحدثته كريمة عندما قامت بإصدار بطاقات بريدية موقعة باسمها مزينة بصور لمدينة الناصرة، مسقط رأسها ومهد طفولتها، والقدس التي شهدت أيام مراهقتها، بيت لحم حيث أنهت تعليمها الجامعي، طبريا، حيفا وغيرها.

في إحدى الصور تظهر كريمة عبود مع كاميرتها في استوديو التصوير الذي أقامته في حيفا. ويقال إنها اتخذت التصوير مهنة لعدة سنوات وقامت بتحميض الصور في معملها الخاص، أما ورق الصور فكانت تحضره خصيصا من مصر.

ميري أبو جابر وخلال بحثها في الأرشيف عن صورة قديمة للناصرة لتزين بها مطعمها، اكتشفت صورة على بطاقة بريدية مذيلة بتوقيع كريمة عبود. من هنا بدأ الاهتمام بتلك المرأة، وواصلت مع شريكتها جمع المعلومات عنها إلى أن قررتا تكريمها ورد بعض الجميل إليها، بإقامة معرض لصورها الفوتوغرافية: «كريمة لم تكن امرأة عادية، إنما شخصية استثنائية. إكراما لها ولإبداعاتها، كامرأة كسرت الكثير من قواعد الماضي، وتجرأت على الولوج إلى عالم كان للذكور فقط، قررنا اتخاذ هذه الخطوة، ولم نجد مناسبة أفضل من يوم المرأة العالمي لمكافأتها»، قالت ميري في حديث لـ«الشرق الأوسط». على الرغم من إنتاجها الغزير والمميز، الذي يصل إلى ألف صورة، لم تأخذ كريمة عبود حقها، على الأقل بين أبناء شعبها، حتى هذا المعرض. ودون الدخول في الأسباب، فإن الغالبية الساحقة لم تسمع عنها، ربما لكونها تنتمي إلى عائلة صغيرة دائمة الترحال. وقد يكون الباحثون في التاريخ هم أكثر المهتمين في التمحيص عنها وعن نتاجها، لكن حتى الآن لا توجد معلومات كثيرة حولها. هناك من يقول إن كريمة ولدت سنة 1890 أو 1892. أقارب والدها الذين توجهنا إليهم لتزويدنا ببعض المعلومات، قالوا إن كل ما يعرفونه أنها كانت أول مصورة فلسطينية، أما تاريخ وفاتها فغير دقيق بالنسبة لهم. الرأي الأول يقول إنها توفيت سنة 1949 والثاني يقول سنة 1955، والمؤكد أنها توفيت ودفنت في مدينة بيت لحم.