أسرة مبعثرة تبحث عن تاريخها

دوروثي جالاجر تكتب عن عائلتها بعدما «اختفت من حياتها»

TT

عندما كانت دوروثي جالاجر تكتب «كيف وجدت ميراثي» وقصصا اخرى، توقعت ان مذكرات اسرتها ـ اسرة يهودية ذات ميول سياسية راديكالية هاجرت للولايات المتحدة من اوكرانيا ـ لن تحظى الا باهتمام بسيط. وفي مقابلة صحافية اجريت معها مؤخرا، قالت انها توقعت ان تضيع في ادراج النسيان. ولدهشتها لمست مشاعر اناس كثيرين من خلفيات اجتماعية متنوعة. وتقول ان البروتستانت من الغرب يشيرون الى انها «تكتب عن اسرهم».

ان قصة جالاجر هي تأريخ مثير لاسرة كبيرة تنتشر وسطها الصراعات والنزاعات، ولكنها ترتبط في ما بينهما ارتباطا فسيولوجيا وعاطفيا. وتشير لورا شين كانينغهام في عرضها للكتاب في ملحق «نيويورك تايمز» للكتب، الى «ان القراء الذين يقدسون الحقيقة، سيثملون من كتابها وسيقبلون ميراثها وكأنه ميراثهم».

وعندما تكتب عن ابويها بيلا وايذادور روزن وغيرهما من الاقارب، تقول «كانوا مثل الالهة عندما كنت طفلة. كانوا يتمتعون بالشجاعة، وكانوا جزءا من جيل مثير. اود او يؤكد الكتاب محبتي لهم، لاني احبهم».

الا ان مشاعر الحب ليست واضحة، على الاقل في الفصل الاول. وهو عبارة عن وصف لوفاة ابويها. فالاب يتعرض لخدعة من نصاب، ويصاب بالخرف. اما امها فيبدو انها تعيش في احلامها، وعندما كانت تزورها في منزل لرعاية المسنين، تقول لها امها: «ولكن عزيزتي، كيف عثرت علي؟».

وتتبنى جالاجر خلال الكتاب المفارقات وتتجنب المشاعر العاطفية. والامر الذي يساعد في الحفاظ على توازنها، في اطار الضغوط التي تتعرض لها هو الفكاهة والمرح المنتشر في الاسرة الممتدة والكتاب نفسه.

فعائلة روزن واقاربها، اسرة نابضة بالحياة، ابتداء من العمة ليلي التي لم تكن محظوظة عاطفيا، فقضت حياتها بائعة متجولة تبيع الملابس النسائية الداخلية للمومسات، بعدما دفعتها فطرتها الى اكتشاف ان المومسات هن النساء الوحيدات اللائي يمكنهن شراء ملابس داخلية حريرية في الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تتعرض لها الولايات المتحدة آنذاك. وهناك ايضا مآس تعرضت لها الاسرة: ابن العم مائير الذي عاد الى روسيا، ثم عاد مرة اخرى للولايات المتحدة، وكتب مذاكراته الشخصية ثم انتحر في سن الثامنة والسبعين، وصديقة للاسرة قتلت في شقتها في حي برونكس.

الا ان ابوي جالاجر هما لب تلك المذكرات. فقد وصلا للولايات المتحدة وهما في مرحلة المراهقة، ثم عملا ساعات طويلة في ادارة جراجات للسيارات. ولان ابيها لم يتمكن من استخدام مساعد، فقد كانت الأم تلعب هذا الدور. كانت تجهل قيادة السيارات، ولم تكن لديها اية معلومات عن مكانيكا السيارات، الا ان ذلك لم يهم. فالامر الذي كان يثير اهتمام الاسرة دائما هو السياسة. فجالاجر تقول «لست متأكدة عما اذا كانت امي عضوا فعليا في الحزب الشيوعي، ولكن ابي كان عضوا، ربما في العشرينات. لم يكن يحب اتباع الاوامر، ولذا اعتقد انه انسحب من الحزب في العشرينات».

وتعود جالاجر بذكرياتها الى الوراء «كان جيلا من الناس قدم من روسيا. كونك يهوديا في روسيا يعني التعرض لمعاداة السامية». وكانت الصحيفة المفضلة في منزل الاسرة هي «الديلي ووركر»، (صحيفة الحزب الشيوعي الاميركي).

كانت الاسرة تعيش في نيويورك «وسط ابناء بلادهم. كان عالما محدودا، وبالرغم من ذلك كان المسرح الذي تجري عليه احداث الحياة مسرحا دوليا ينتمي للطبقة العاملة». وفي الوقت ذاته تستمر جالاجر تبحث عن فهم ذاتها ومكانتها في الاسرة.

وتتعامل جالاجر مع حياتها كأمرة بالغة بطريقة عرضية. فتتحدث بشئ من التفصيل عن اول عمل لها في شركة تدعى ماجازين ماندجمنت، وكان دورها هو اعداد المقابلات الصحافية مع المشاهير لمجلات المعجبين.

واصبحت مقالة كتبتها في مطبوعة ردبووك بخصوص امرأة في التاسعة والتسعين من عمرها واسرتها في تكوما بولاية واشنطن، اصل قصة «بنات هنا» التي تحولت الى فيلم ناجح، واعقب ذلك «كل الاعداء الحقيقيين» حول حياة ومقتل الفوضوي كارلو ترسكا. وكشفت لها كتابة مثل هذا الكتاب انها تحب اجراء الابحاث، لانه كان مثل «تحقيقات المباحث».

ولدهشتها رفضت دار نشر الكتاب، قائلة انه لا يصلح للنشر. واشتراه ناشر اخر، ولقي ترحيبا كبيرا من النقاد لا سيما الفرد كازين في صحيفة «نيويورك تايمز». وعندما كتبت «بنات هنا» قالت انها تعرف كثيرا عن تاريخ هذه الاسرة اكثر مما تعرف عن تاريخ اسرتها، الذي لم تتمكن من كتابته الا بعد وفاة ابويها وغيرهما من الاقرباء من نفس الجيل. «عندما اختفت تلك الشخصيات الكبيرة من حياتي».

وفي ردها على سؤال حول رأي والدها إن كان بإمكانه قراءة الكتاب، قالت «لم يكن سيطلع عليه، واذا حدث فلن يكون سعيدا بذلك». لان ابويها ماتا، وكانت حرة في «فعل ما احبه تجاهههما». وما فعلته هو اعادتهما الى الحياة، وبذلك تعترف بأهمية ميراثها.