«الأوبامية».. موجة تهيمن على الفنون الأميركية

تواكب الرئيس الجديد وتدفعه إلى الأمام

TT

«التغيير» هي كلمة السر. إنها المفتاح الذي استخدمه الرئيس الأميركي الجديد في الزمن المناسب، حيث كان الأميركيون يتململون من وضع بات كل ما فيه يدعو للتمرد. وما يمكن أن يسمى بـ«الأوبامية» اليوم، ليس موجة من اختراع باراك أوباما، لكن كل ما فعله هذا الديمقراطي الأسود هو أنه عرف كيف يلتقط حاجة الأميركيين الماسة إلى نهج جديد ويغيرها لصالحه. وبكلام آخر، فإن أوباما اليوم قائد تيار أميركي شعبي كان يبحث عمن يؤطره ويتكلم باسمه. ولهذا فإن «الأوبامية» ليست صناعة رجل استثنائي صار رئيسا للجمهورية، وإنما هي صناعة أميركية جماعية، باتت تترجمها اليوم الفنون على أنواعها. وهو ما سيكتشفه العالم أجمع في الشهور القادمة، غناء وأفلاما ومسرحيات، تختلف عن تلك التي سبقتها في الرؤية والتوجه.

صارت كلمة «شينج» (تغيير) ربما أشهر كلمة جديدة في الحياة الأميركية، قبيل وبعد فوز الرئيس باراك أوباما الذي رفع هذا الشعار خلال الحملة الانتخابية. وتعدت هذه الكلمة السياسة، ودخلت مجالات: الفنون، والآداب، والأفلام، والمسرحيات، والأغاني، والرقص أيضا. ومع اقتراب نهاية فصل الشتاء، بدأت شركات السينما والأغاني والفنون في نشر قوائم نتاجاتها للربيع والصيف المقبلين. وصار واضحا أن «شينج» هي لفظة أثرت على كثير من هذه النشاطات الثقافية.

في الحقيقة، بدأت علامات التغيير الثقافي هذا من السنة الماضية، وليس مؤكدا إذا كان لذلك صلة بترشيح أوباما لرئاسة الجمهورية (أعلنه في يناير/ كانون الثاني سنة 2008). لكن، يبدو أن الثقافة الأميركية بدأت في التغيير قبل أن يعرض أوباما ذلك على الناخبين، أو ربما كانت تستعد أو تمهد له. خلال الحملة الانتخابية وقبل فوز أوباما، أنتج الممثل العريق كلنت ايستوود فيلما عنوانه «غران تورينو». وقد أنتجه، وأخرجه، وصرف عليه هذا الممثل المعروف، ومثل فيه دور البطل، وصور جزءا منه، وكتب بعض أغنياته.  كانت هذه هي المفاجأة الأولى. أما المفاجأة الثانية فهي أن قصة الفيلم عن رجل أبيض عجوز يكره السود والمكسيكيين وكل الأجانب. ولكن، خلال الفيلم، حدث «شينج»، وصار يحب كل من كان يكره، وانقلبت الأمور رأسا على عقب. كان هذا تغييرا حقيقيا في حياة ومهنة ممثل اشتهر بقتل الأعداء والخونة في أفلام مثل: «فيستفول أوف دولارز» (حفنة من الدولارات) و«غود، باد، أغلي» (الطيب والسيئ والقبيح) و«مان ويذ نو نيم» (رجل بدون اسم). ملصق فيلم «حفنة من الدولارات»، الذي صدر سنة 1964، يصور كلنت ايستوود (الكاوبوي) وهو يحمل مسدسا عاليا ويصوبه نحو الأعداء: هنود حمر ومكسيكيون.

* أفلام من نوع جديد

* لكن، يصور ملصق الفيلم الأخير «غران تورينو» كلنت ايستوود، وقد كبر في السن (عمره الحقيقي ثمانون سنة)، وهو يحمل بندقية، ليس لقتل حمر أو سود أو سمر أو صفر، ولكن للدفاع عن مهاجرين من فيتنام. وربما عمدا، لم يوزع هذا «الكاوبوي» العتيق فيلمه الجديد خارج أميركا إلا في الشهر الماضي، بعد تنصيب أوباما رئيسا للجمهورية. الآن، وعلى قائمة الأفلام الجديدة التي ستصدر في الربيع، وبعد تنصيب أوباما رئيسا للجمهورية، سنشاهد قريبا فيلم «سولو». وهو عن مهاجر من السنغال. جاء هذا السنغالي إلى أميركا فقيرا ووحيدا، لكنه عثر على وظيفة سائق سيارة «تاكسي» في ولاية نورث كارولينا، ثم صار صديقا لامرأة بيضاء عجوز.

وليست صدفة أن الرجل أسود، وأن المرأة بيضاء، وأن الولاية هي نورث كارولينا، التي كانت من أكثر ولايات أميركا عنصرية، ولا تزال التفرقة فيها ظاهرة أكثر من ولايات كثيرة غيرها. وفي الربيع أيضا، سيصدر فيلم مماثل: «شوجر» (السكر)، وهو عن مهاجر من جمهورية الدومنيكان، في البحر الكاريبي، كان يعمل في مزارع السكر، ثم صار لاعبا ماهرا في كرة «بيسبول» (القواعد) الأميركية، فاشتراه أحد النوادي في ايمز (ولاية ايوا). والتناقض في الفيلم ليس فقط جغرافيا، ولكن، أيضا، اقتصادي، وعرقي.

* مستقبل الأميركيين وراءهم أيضا

* يبدو أن «تغيير» أوباما لا يطال فقط الحاضر والمستقبل، ولكنه يمتد ليطال الماضي ويبحث في طياته، وخاصة تلك النشاطات الثقافية التي لها صلة بالرئيس ابراهام لنكون (محرر العبيد). والفضل يعود لأوباما من دون أدنى شك، في إعادة الاهتمام بالرجل، بالإضافة إلى أن الأميركيين يحتفلون هذه الأيام بمرور مائتي سنة على ميلاده. في يناير (كانون الثاني)، عندما أعلن أوباما ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وقف على عتبات مبنى كونغرس ولاية اللينوي - ولاية لنكون - وفي نفس المكان الذي وقف فيه لنكون عندما رشح نفسه لرئاسة الجمهورية سنة 1860. وقبل تنصيب أوباما بيوم واحد، ركب الرئيس الجديد قطارا من فيلادلفيا (ولاية بنسلفانيا) إلى واشنطن، تماما كما فعل لنكون قبل يوم من تنصيبه. لماذا فيلادلفيا؟ لأنها، قبل واشنطن، وكانت عاصمة الولايات المتحدة. وكما يطال التغيير الأفلام فهو يطال المسرحيات أيضا، وفي قائمة المسرحيات الغنائية للربيع والصيف: عرض فرقة نيويورك السيمفونية: «لوحة لنكون». وعرض سيمفونية الكاتدرائية الوطنية في واشنطن العاصمة: «عندما عادت الحياة لوردة الليلاك في ساحة المنزل» (عن وفاة لنكون).

* الأغاني السوداء تتنامى بقوة

* وشمل التغيير مجال الأغاني.  وليس سرا، ولم يعد عيبا، أن المغنين السود أكثروا -والمغنيات السوداوات أكثرن - من الغناء لأول أسود يصير رئيسا لأميركا. وهذه أشهر خمس أغنيات سوداء للرئيس أوباما:

أولا: «بلاك بريزيدنت» (رئيس أسود) للمغني ناس.

ثانيا: «ليتر تو أوباما» (خطاب إلى أوباما) للمغني جول أورتيز. ثالثا: «مستر بريزدنت» (السيد الرئيس) للمغني يونغ جيسي.

رابعا: «أوباما واي» (طريق أوباما) لفرقة تيسا.

خامسا: «ذا بيبول» (الشعب) للمغني كومون.

لكن، ليست كل أغاني أوباما متفائلة ومبشرة وواعدة. فمن سوء حظ أوباما أنه جاء مع الكارثة الاقتصادية والتي ربما سيفشل فشلا حقيقيا في الوصول إلى حل لها. وغنى له المغني يونغ جيز أغنية «ريسيشن» (ركود اقتصادي)، ومن كلماتها: «غير إنساني. هذه الكراهية. كل العالم. الضعفاء. القسوة. الآلام. والآن، جاء الركود. إنه  قاتل... كريه..»

وفي قائمة الفنون التشكيلية للربيع والصيف المقبلين، معرض صور في قاعة «فليبس» في واشنطن للرسام الإيطالي موراندي، حيث ستعرض ستون لوحة رسمها خلال سنوات الحرب العالمية الثانية. وكثيرا ما يقال عن هذا الرسام إنه كان محايدا خلال  الحرب، أي لم يكن مع موسوليني الفاشتسي، ولم يكن ضده. لكن، مع «تغيير» أوباما، كتب نقاد فنيون أميركيون أن الناس سوف تنظر إلى لوحات الإيطالي من زاوية مختلفة: أولا: إنه لم يكن محايدا.

ثانيا: كان مع «التغيير»، أيا كان، في الحقيقة، يعارض موسوليني والفاشية.

ليست أغلبية اللوحات إلا زجاجات فارغة، وصناديق فارغة، وغرفا فارغة، وكؤوسا فارغة، و«عقولا فارغة» و«قلوبا فارغة». لكن، في عهد «التغيير» لم يعد هناك شيء فارغ، وصار لكل شيء معنى. والمعنى هو «التغيير» و«الجرأة» و«الأمل». وشمل التغيير العرب والمسلمين في أميركا. مع نهاية هذا الشهر، وربما من دون صلة مع فوز أوباما، ولكن بصلة قوية للرغبة في «التغيير» في موقف الأميركيين من العرب والمسلمين، تشهد قاعة كنيدي للفنون التمثيلية في واشنطن العاصمة عروضا تستمر لشهر كامل تحت عنوان «أرابيسك» (عربيات).

خلال العروض سترقص المصرية كريمة منصور.  وسيعزف المصري احمد كمبوري، وستقدم فرقة «القصبة» الفلسطينية «على الهواء من فلسطين». ولكن حتى قبل بداية شهر «أرابيسك» بدأ النقد. قالت سارة كوفمان، صحافية في جريدة «واشنطن بوست»: «لن يكون هذا شهر ثورات وتمرد وأعمال عنف. سيكون هادئا. وستعبر الراقصة كريمة عن اضطهاد التقاليد للمرأة العربية. هذه امرأة شعرها الغزير له سواد الليل، وكذلك رموش عينيها، أما جسمها ففيه لين وروحها دافئة. لكنها تنهر الموسيقار المصاحب لها، وتحاول مد فستانها حتى لا يكشف جسدها». هكذا، وكالعادة، يجمع الأميركيون بين النقد والثناء. وربما لا بأس من ذلك، ليتعلم العرب أن النقد لا يعني الكراهية، وأن الثناء لا يكون في كل شيء، وأن التغيير الأوبامي، ربما أنه سيتعدى أميركا، قريبا، ليطالهم منه نصيب.