ديوان محمود درويش الأخير في مصيدة أصدقائه

خلافات حادة رافقت التحضير لإصداره

محمود درويش
TT

أخيراً وبعد طول انتظار وخلافات حادة، صدر الديوان الأخير للشاعر محمود درويش، متضمناً القصائد التي كتبها قبل وفاته، ولم يتسنّ له إصدارها في كتاب. وسيتمكن القارئ عند شراء هذا الديوان الوداعي والمؤثر لدرويش أن يجد مرفقاً به كتيب صغير، يحكي فيه الروائي اللبناني إلياس خوري قصة العثور على القصائد، وترتيبها، ووصولها إلى محطتها النهائية. وسيستغرب القارئ صغر حجم الكتيب، وبعض ما ورد به من تفاصيل، كما سيتساءل لماذا لم تضم هذه الصفحات القليلة لتتحول مقدمة للديوان؟ وهي أمور تخفي وراءها غابة من الخلافات التي عصفت بأصدقاء درويش، الذين حاول العديدين منهم تسلق مجد الرجل في مماته، بأساليب تسيء إليه أكثر مما تدل على وفاء.

يفضَّل للقارئ البريء، أن يكتفي بما سطره إلياس خوري بأسلوب بوليسي وهو يصف كيف تم العثور على القصائد، وبأسلوب رومانسي وهو ينقلنا إلى ما اعتلجت به نفسه من أفكار ومشاعر تجاه صديقه الذي لا يصدق أنه غاب، وبعلمية صارمة وهو يشرح كيف تم التحقق من صحة القصائد وعما كان سيتمناه درويش لو كان حاضراً. وبمقدور القارئ بعد ذلك أن ينتقل إلى الديوان نفسه «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» سعيداً بأن الفرصة سنحت له أن يقرأ جديداً لدرويش حتى بعد وفاته. لكن ما ينشر عادة هو غيض من فيض ما يعاش. فقد دخلت مجموعة من أصدقاء درويش بالفعل ـ كما يروي إلياس خوري ـ بيته في عمان برفقة أخيه أحمد بعد فترة من وفاته. وكانت المرة الأولى التي يفتح فيها البيت منذ أغلق بابه محمود درويش في رحلته الأخيرة إلى هيوستن لإجراء عمليته الجراحية القاتلة، وتم العثور على القصائد، والاتفاق على نشرها. لكن ناشر محمود درويش وهو رياض الريس كان على اتفاق مسبق مع الشاعر لنشر هذه القصائد. والخلافات التي وقعت بين الريس وإلياس خوري بعد أن أصبحت نسخة من القصائد في عهدته لم تكن قليلة. وأحد الخلافات وقعت بسبب إصرار إلياس خوري على كتابة مقدمة للديوان، في ما ارتأى الريس أن لا ضرورة لذلك لأن درويش لم يكن يعهد لأحد كتابة مقدمات لدواوينه. وقد وصل الخلاف بين الطرفين حداً دفع بإلياس خورى إلى التوسط لدى منظمة التحرير الفلسطينية لحل المشكلة، وهو ما يفسر شكره ـ في المقدمة التي كتبها ـ سفيرتها ليلى شهيد في باريس لجهود بذلتها دون أن يحددها، مكتفياً بالقول عنها إنها «محبة ومشجعة، من خلال طاقتها المعنوية التي لا تنضب».

لكن الأمر لم يتوقف هنا، فإصرار الناشر على إبقاء الديوان الأخير، من دون تقديم على غرار الدواوين التي سبقته، وثقل وزن الجهات التي تدخلت لإنهاء الخلاف، وصلت إلى حل وسطي، وهو أن تصدر مقدمة إلياس خوري التي أصر عليها، ولكن ليس كجزء من الكتاب، وإنما ككتيب مرفق به، وهو ما حصل.

وتساءل معارف لدرويش، عن سبب إسناد مهمة مراجعة القصائد لإلياس خوري وليس للكاتب صبحي حديدي الذي كان أقرب، أدبياً، للشاعر ويستمزج رأيه بما يكتب، ويأتمنه على أعماله. ويقول هؤلاء أيضاً إن عيون العديد من الأصدقاء، كانت شاخصة للاستفادة مما تركه درويش وراءه. فهم في غالبيتهم فاعلون وعاملون في المجال الثقافي، واسم درويش يدفع بكل من يقترن اسمه به إلى الأمام، وهذا مغرٍ ومحفز.

يبقى أن كل هذه الترهات، إنما تؤكد بأن درويش قامة عملاقة، وما يدور حول آخر ما وجد من قصائده، إنما هو زبد لن يستمر بعده إلا هذا الديوان الذي يضم 31 قصيدة، منها ما كان قد قرأه، ومنها ما لم يسمح الوقت لدرويش بإلقائه على عشاقه. وينقسم الديوان إلى ثلاثة أقسام، الأول منه يحمل عنوان «لاعب النرد» يضم ست قصائد، قرأها الشاعر أو نشرها في الصحافة، لكنه لم يضمنها أياً من دواوينه السابقة. والقسم الثاني أخذ من خاتمته اسم الديوان، وهو يضم قصيدة طويلة وجدت جاهزة للنشر، أما الجزء الثالث فيتضمن 26 قصيدة بعضها كتب منذ زمن، لكنها وجدت ضمن ملف واحد مما أوحى أنه كان يريد نشرها مع بعضها البعض. وقد تم توقيت صدور الديوان في العيد الثامن والستين لميلاد درويش الذي صادف يوم 13/3/2009، لكن ثمة تأخيراً طفيفاً حصل، وقد وصلت نسخاته الأولى منذ أيام للصحافيين ولا بد أن يجد طريقه إلى المكتبات خلال أيام.