جمعية للمسرحيين بدون مسارح

المسرحيون السعوديون يستحضرون منجزهم المسرحي في يوم المسرح العالمي

أحمد الهذيل رئيس جمعية المسرحيين السعوديين
TT

يحتفل المسرحيون السعوديون (يوم غد الجمعة)، كبقية أقرانهم في دول العالم بيوم المسرح العالمي، الذي يصادف السابع والعشرين من مارس (آذار)، حيث يجتمع المسرحيون ليقرأوا نص الرسالة التي خطها هذا العام رائد مسرح المقهورين (اوغستو بول)، وفي هذه الاجتماعات تتزاحم الأحلام والهواجس، النجاحات والإخفاقات التي مرت خلال عام.

لكن يوم المسرح هذا العام يبدو مختلفا، فهذه المرة يحتفل المسرحيون بعد إكمال عام من تشكيل جمعية المسرحيين السعوديين، ولذلك قد يجدونها فرصة لجرد قائمة إنجازات العام الأول لأولئك الثلة المنتخبة في زحام الانتخابات، التي شهدها المشهد الثقافي السعودي.

لا يمكن الحديث عن إنجازات من الحجم الكبير، هذا ما نستشفه من لهجة فريق جمعية المسرحيين، الذي طاف مدن المملكة، وأبان عن قلقه من بيروقراطية الأداء وصعوبة الحركة، ولكن يمكن ملاحظة أن المسرحيين يشعرون أن تجربتهم أصبحت أكثر نضجا، وأن رهانهم على الجيل الشاب في صياغة مفاهيم مسرحية تستفيد من التقنيات الحديثة في الأداء والإخراج والإنتاج، ربما يمكنها من التغلب على المعوقات التي لا تزال تواجههم.

* أحمد الهذيل

* يرى أحمد الهذيل، رئيس مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين في حديث لـ(الشرق الأوسط)، أن المسرح السعودي متصل بتجربة المسرح في العالم، وهو جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة العالمية فيما يقدمه في كثير من الأعمال المسرحية المعاصرة نصا وتمثيلا وإخراجا. ويرى الهذيل أن التجارب التي خاضتها الفرق المسرحية السعودية أحدثت نضجا فكريا لدى المسرحيين، تطور من خلالها أداؤهم ونصوصهم، بجانب توظيف التقنية الحديثة في السينوغرافيا وفي الإخراج، والارتقاء بأداء الممثل وأدواته، وانعكست إيجابيا على صناعة المسرح، وساهمت في خلق بيئة ثقافية مؤثرة في المحيط الاجتماعي. وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المسرح في السعودية، يؤكد الهذيل، أنه لا يمكن تحديدها ولا حصرها، فهي جزء من (محفزات النجاح) وبالتالي لا بد من مواجهتها والتعايش معها للوصول إلى الهدف، مشيرا إلى أن المسرح في السعودية منذ نشأته وهو في تحد مع نفسه، ولكنه استطاع أن يصل ويوصل صوته وصورته داخليا وخارجيا، وبنجاح يشهد ويشيد الكثيرون من المسرحيين في الدول العربية به.

وبرأي الهذيل، فإن ما ينقص المسرح في السعودية هو دور العرض، حيث لا توجد مسارح مخصصة لذلك، مما يحد من وصول العروض المسرحية وانتشارها، وقال: «بعد إنشاء جمعية المسرحيين السعوديين بالسعودية، نحن متفائلون كثيرا في أن يتغير حال المسرح والمسرحيين إلى الأفضل، ولو أخذ ذلك بعض الوقت»، مشيرا إلى أن هناك أولويات فيما يتعلق بمشروعات الجمعية، وفقا للإمكانيات التي تتوفر لدى الجمعية ماديا ومعنويا.

وقال: «نحن في حاجة ماسة لإنشاء مسارح في كل منطقة ومحافظة على أقل تقدير، ولدينا مشروعات لإقامة دورات تدريبية في مجالات المسرح المختلفة، من خلال استقطاب مختصين في ذلك، ونطمح في إرسال متدربين ودارسين إلى خارج السعودية، بالتنسيق والتعاون مع الهيئات والمعاهد المسرحية بالخارج».

* د. إيمان تونسي

* من ناحيتها ترى الدكتورة إيمان تونسي، العضو النسائي الوحيد في جمعية المسرحيين السعوديين، أن واقع المسرح في السعودية واعد، فهو يأخذ دوره بتأن، وقد أخذ الآن شرعية وجوده بتأسيس جمعية المسرحيين السعوديين، على الرغم من أن جهود المسرحيين كانت سابقة لهذا التأسيس، من خلال قسم المسرح في جمعيات الثقافة والفنون في مختلف المناطق. وبرأيها، أن أبرز التحديات التي تواجه المسرح تكمن في القدرة على المواءمة بين ثنائية الأصالة والمعاصرة، وبشأن مشاركة المرأة في المسرح تشير تونسي، إلى أنه تتوالى في الآونة الأخيرة أسئلة كثيرة عن دور مسرح المرأة في مجتمع اعترف للمرأة بإسهامها الفعال.

* عبد الله با حطاب

* وبحسب عبد الله با حطاب، مدير الأندية الطلابية بجامعة الملك عبد العزيز، ومدير جمعية الثقافة والفنون بجدة، وأحد المشتغلين بالحركة المسرحية، فإن المسرح السعودي تطور بشكل متواصل وخصوصا خلال الخمس سنوات الماضية، وبشكل خاص شهد المسرح في الغربية بمدينة جدة انطلاقة في حجم العروض المسرحية.

وأوضح أن التحديات التي تواجه المسرح تنحصر في افتقاده للبنية التحتية من حيث بناء دور العرض المتخصصة، وتجهيزها فنيا وتقنيا، ووجود فريق العمل الفني المتخصص للإشراف على التشغيل والصيانة. مضيفا، أن الحاجة ماسة لتنظيم دورات متخصصة في داخل السعودية وخارجها للشباب السعودي، في مجال إعداد الممثل، الإخراج، كتابة النص المسرحي، الاستخدام الفني والتقني، وتنظيم عروض مسرحية مستمرة لجميع شرائح المجتمع، وتنظيم مهرجانات مسرحية محلية منتظمة مع إمكانية استضافة عروض خليجية وعربية، وتكثيف الدعم المادي للمشاركين في مجال المسرح وتشجيعهم.

* السعيد

* الكاتب والمخرج المسرحي علي بن عبد العزيز السعيد، وهو أيضا عضو مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين، يرى أن غياب الإستراتيجية المؤسساتية للمسرح في السعودية، يعد أبرز ما يتسبب في تذبذب مستويات العطاء المسرحي في مختلف مناطق السعودية منذ أكثر من 15 عاما، وما زال، مشيرا إلى أن المسرح السعودي نشأ وقام ولا يزال على الاجتهادات الفردية، على الرغم من وجود جمعية الثقافة والفنون منذ عام 1973، معتبرا أن الجمعية لم تستطع أن تنهض بالمسرح بالشكل المأمول، حيث لا توجد حتى الآن بنية تحتية تتمثل في قاعات العروض المسرحية، ولا يوجد أكاديميون مسرحيون إلا قلة يعدون على الأصابع، ناهيك عن عدم وجود بعثات لتعلم الصناعة المسرحية، بالإضافة إلى إلغاء التعاقد مع مسرحيين متخصصين من قبل وزارة التربية والتعليم، مما جعل النشاط المسرحي في مدارسها يعاني من التشويه بسبب غياب المعلم المدرب، وغياب المشرف المسرحي المتخصص، أو المدرب على أقل تقدير، وأيضا توقف الأندية الرياضية عن ممارسة النشاط المسرحي، الذي قلص بدوره من انتشار الممارسة الفنية المسرحية في المدن والمحافظات، التي لا توجد فيها جمعيات للثقافة والفنون.

وأضاف السعيد، أن «تأسيس جمعية المسرحيين السعوديين في العام الماضي، كان بمثابة خيط الأمل الذي يتعلق به المسرحيون لحل جميع مشكلاتهم، وإنهاء أزماتهم المتلاحقة، إلا أننا يجب أن نعطي هذه الجمعية الوليدة الفرصة الكافية لتأسيس نفسها تأسيسا فعليا من حيث المكان والأعضاء والإمكانات ورسم الخطط». ويرى السعيد أن أبرز التحديات التي تواجه المسرح تتلخص في غياب الإستراتيجية، بالإضافة إلى عدم وجود البنية التي تسهم في قيام نشاط مسرحي كالمنشآت (المسارح) وقاعات التدريب، والمدربين الأكفاء، بجانب ضعف النشر والتوثيق للأعمال المسرحية. ويعتقد السعيد، أن المسرح في المنطقة الشرقية أكثر تطورا وتقدما من بقية مناطق السعودية، مشيرا إلى نشاط مسرحي محموم من خلال جمعيات الثقافة والفنون في الأحساء والدمام، وكذلك نشاط الفرق المسرحية الخاصة، وفرق مسرح الشباب، حيث احتضنت قاعة مسرح جمعية الثقافة والفنون بالأحساء العام الماضي تدريبات لثلاث مسرحيات، تمثل ثلاثة أجيال مسرحية قدمت عروضها المسرحية، ناهيك عن المسابقات المسرحية التي تنظم في المنطقة الشرقية، مثل مسابقة مسرح الشباب في الأحساء، ومسابقة العروض المسرحية القصيرة، التي حققت نجاحا كبيرا كان له أثره الكبير في تقديم العديد من الطاقات المسرحية، وإتاحة الفرصة لها، في حين أن فرقة عنيزة المسرحية في منطقة القصيم تسعى لتأصيل الحركة المسرحية.

* صالح إمام

* المخرج المسرحي صالح إمام، يرى أن المسرح السعودي يعيش حاليا في عز تألقه بوجود جمعية المسرحيين، داعيا الجمعيات إلى استقطاب أكبر عدد من المهتمين بالمسرح لتفعيل التنافس وإثراء الساحة بأعمال إبداعية، مؤكدا أن جدة تتميز بوجود أعداد كبيرة من المبدعين سواء الفاعلين أو المبتعدين، ثم أن موقع جده ساهم في تبادل الثقافات المتعددة، التي ساهمت في تنوع المدارس المسرحية المتنوعة.

وقال إمام: «في ظل الوضع الحالي لا جدوى من المسرح ولن يكون له تأثير إلا بوجود العروض التنافسية والانتشار المكثف لصالات العرض، وإنشاء الفرق المسرحية المدعومة من الدولة ومن رجال الأعمال، وعمل دورات في جميع الفنون المتعلقة بالمسرح).

* تراوري

* الكاتب والمهتم بشؤون المسرح محمود تراوري، يرى أن الحركة المسرحية في السعودية شهدت في تاريخها مراحل من النهوض تمثلت في التجارب، التي نفذها أدباء ومسرحيون بينهم أحمد السباعي، الذي كون أول خشبة مسرح سعودي أواخر الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، تلت ذلك تجارب متنوعة في المسرح والتأليف والنقد، لكن أهم ما واجه التجربة المسرحية سواء في تاريخها أو في حاضرها هو دخول الأيديولوجيا على الخط المسرحي، ونشوء أجيال لم تمارس مسرحا حقيقيا، فهي أما محولة إياه إلى ما لا علاقة له بالمسرح، أو وقوعها تحت وطأة وتأثير المسرح التجاري، الذي انتشر في كل العالم العربي مع السبعينيات الميلادية.

ويرى تراوري، أن المسرح انغلق مابين التهريج أو التعاطي السطحي مع فكرة التجريب المسرحي، ولم تنج من هذا الفخ إلا محاولات محدودة مثل تجربة ورشة الطائف، التي تعمل بدأب وطموح لتقديم تجارب مسرحية منذ حوالي عقدين، ولكن دونما رؤية صارمة ومحددة، وبعض المحاولات الفردية هنا وهناك، كبعض أعمال فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة مثلا، كما أن المسرح الجامعي خاصة في جامعة الملك عبد العزيز، كانت له بصمة طيبة في محاولات تكريس فعل مسرحي حقيقي، مستدركا، أنه تبقى الإشكالية كامنة في عدة مسائل منها، أن جميع العاملين في المسرح هواة، لهم انشغالاتهم الأخرى، التي قد تصرفهم عن التجويد، إضافة إلى عدم وجود بنى تحتية، ناهيك عن المشكل الرئيس، وهو عدم وجود التأهيل الأكاديمي المعرفي.