دعوة في السعودية لضبط الإعلام البديل

بعد تحول مواقع إلكترونية إلى حاضنات لمقالات الشتائم وإثارة الكراهية ووصول الأمر إلى تهديد بالبصق وتشهير بصحافيات

TT

لم تكن الصدمة التي أصيب بها السعوديون نهاية الشهر الماضي حين فاجأهم موقع إلكتروني بمقال ينال من أعراض صحافيات سعوديات ويقذفهن باتهامات مخلة بالآداب، هي الأولى من نوعها، فمنذ وعى السعوديون الانفتاح عبر الفضاء الإعلامي المفتوح، وبخاصة عبر الإنترنت، وبعضهم يمارس تحويل هذه المنتديات والمواقع إلى خنادق يطلق من خلالها النار على كل من يختلف معه في الرأي، ويحولها إلى حاضنات لنشر الكراهية داخل المجتمع. في الشهر الماضي كذلك خرج كاتب إلكتروني عُرف بالدفاع عن المواقف المتشددة عبر قناة فضائية موجها عبارات خارجة عن اللياقة وخادشة للكرامة ضد إعلامي وكاتب بارز، موزعا سيلا من الشتائم على كتاب آخرين. وخلال الشهور الماضية تعرض عدد من رؤساء التحرير ومن الكتاب والمثقفين السعوديين لحملة تشهير وتسقيط بعضها عشوائي، والآخر منظم، تنال من كرامتهم ومن شرفهم الأدبي والوطني بسبب تعبيرهم عن آرائهم في قضايا عامة. وتحولت مواقع إلكترونية إلى متاريس لمهاجمة الكتاب والمثقفين بسبب آرائهم، وتباينت الاتهامات من رجمهم بالعمالة إلى قذفهم بالخيانة، ولم يتورع آخرون عن حياكة أدلة وشواهد تبرهن على مثل هذه الدعاوى. مجتمعات محلية تعرضت هي الأخرى لحملات تشويه وتحريض، مما عزز مطالب المثقفين وبينهم هيئة الصحافيين السعوديين لفرض ضوابط قانونية تنظم عمل الإعلام الإلكتروني وتخضعه لسلطة رقابية وقضائية تمنع انحرافه واستغلاله. التحقيق التالي يناقش هذه الظاهرة، ويحلل أسبابها.

* السديري: أين ضوابط النشر؟

* تركي السديري رئيس تحرير جريدة «الرياض»، ورئيس هيئة الصحافيين السعوديين، قال لـ«الشرق الأوسط» إن وضع ضوابط لما يبث عبر وسائل الإعلام التي تخضع لقانون النشر أو عبر شبكات الإنترنت، يمثل ضرورة لمصلحة أي فئة في المجتمع، مضيفا: «لا بد من إيجاد ضوابط ومن تحديد المسؤوليات».

السديري الذي وجه سؤالا إلى هيئة الاتصالات ووزارتي الداخلية والثقافة والإعلام عن بقاء «الباب مفتوحا لأي شخص محدود الثقافة والتعليم لكي يستحدث وسيلة تأثير على معلومات المجتمع ولا يطالب بضوابط النشر التي يخضع لها طالب امتياز الصحيفة الورقية»، طالب أيضا بإيجاد تراخيص لأصحاب المواقع الإلكترونية لوقف التعديات التي تبث عبر هذه المواقع، وتسهم في رفع مستوى الكراهية داخل المجتمع، أو الإساءة إلى شخصيات عامة أو خاصة. وقال السديري لـ«الشرق الأوسط» إن بعض ما يُنشر في المواقع الإلكترونية يسهم في «تدنيس البيئة البشرية التي نعيش فيها».

منتقدا قيام بعض «المتطرفين الموالين لنظام القاعدة بإطلاق إساءات بالغة البذاءة تصل إلى حد القول باستخدام الحذاء والبصق» ضد شخصيات من خصومهم الفكريين.

كما انتقد السديري قيام أحد المواقع الإلكترونية بنشر مقال ينال من سمعة صحافيات سعوديات، وهو المقال الذي حرك هيئة الصحافيين السعوديين لإدانة المقال والمطالبة بوضع ضوابط لحماية سمعة الصحافيات السعوديات، وقال السديري إن المقال تناول الصحافية السعودية لكونها امرأة من حيث عملها، وبالتالي فهو يمثل اعتداء لا يمكن تبريره. كما انتقد ما أسماه «تحول الفضاء الإلكتروني إلى مساحة لبث الكراهية ضد فئات من المواطنين أو ضد مثقفين وشخصيات عامة». ويقول تركي السديري إن التخفي خلف شعار حرية التعبير والرأي، لن يجدي، نفعا لأن هذه المواقع لا علاقة لها بموضوع الحرية، «فما يبث هناك ليس سوى اعتداء»، مضيفا أن الأطراف تستطيع مقاضاة أي صحيفة ورقية بتهمة القدح أو التشويه، ولكن من يستطيع أن يقاضي موقعا إلكترونيا غير مسجل أو موثق؟

* الخريجي: تقنيات ذات وجهين

* في حين قال الدكتور فهد الخريجي رئيس قسم الإعلام بكلية الآداب في جامعة الملك سعود إن التقنيات المعاصرة أسهمت في توفير فضاء يستوعب خطابا منفلتا من القيود القانونية والأخلاقية، مشيرا إلى أن هذه التقنيات تعتبر «وسيلة عداوة وصديقة في آن واحد»، وإن «لغة الخطابات المنفلتة لم تمنع أنها أسهمت في صناعة أكبر حملة في نجاح رجل أسود أن يكون رئيسا لأكبر دولة في العالم». ويقول الخريجي إن تحول وسائل الإعلام البديلة، كالإنترنت، إلى مسارب لإثارة الأحقاد والكراهية يأتي كظاهرة «طبيعية، وسوف تزداد شراستها كلما زادت مقاومتها».

ويضيف: «إن طبيعة التقنيات المعاصرة هي الانتشار، والقيود المفروضة عليها مجرد قوانين وأنظمة، وأعتقد أن من يواجه هذه التقنية، بدلا من استثمارها، سوف يحقق خسائر إضافية، فهي كخلية النحل التي يتجمع حولها النحل، وقد يتحول فعله إلى لذعات مؤلمة».

وفي حين لاحظ الخريجي أن للإعلام «دورا محوريا في التواصل بين الشعوب وطبقات وفئات المجتمع من خلال المعالجة الجادة للقضايا الوطنية المصيرية وحفز الناس للمشاركة فيها»، لاحظ أن من يتحمل مسؤولية تدني لغة الخطاب بين المختلفين عبر وسائل الإعلام هم الفرقاء أنفسهم.

وقال الخريجي: «في العرف الإعلامي والقانوني لغة الخطاب مسؤولية القائم بها، وتقع الإشكالية في الحديث عن لغة الخطاب في العمل الإعلامي بسبب عدم وجود محددات لمفهوم هذه اللغة، ومن يتكلم مع من، وعن ماذا، وخلفيات كل من أصحاب الخطاب الآيدولوجية».

وقال إنه عند تنوع لغة الخطاب، يجب أن ندرك أن مساحة الحرية يجب أن تتسع وفق قواعد الأدب الإنساني العام بعيدا عن السعي لتحقيق مكاسب من خلال الشتم والتحقير وغيره من الوسائل غير المشروعة.

مضيفا أن إشكالية الأغلبية والأقلية وشعور الضحية الدائم يعيق الارتقاء بلغة الخطاب، وعليه يمكن قياس مسؤولية تدني لغة الخطاب. وقال الخريجي إن «الحل في التسامح النبيل، والتنازل عن صناعة الإرباك التي تحقق الفشل دائما في بناء حوار بنّاء ذي ثمرة ونتائج».

* المزيني: الوضع إلى أفضل

* الكاتب السعودي الدكتور حمزة المزيني، الذي كان واحدا من أكثر الكتاب إثارة للجدل، وتلقى سيلا من الهجوم عبر مواقع الإنترنت، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يعتبر الوضع الحالي أفضل بكثير عما كان عليه قبل سنوات، إلا أنه لم يُخفِ أن شيئا من بقايا الحدة ما زال موجودا.

المزيني، الذي قال إن واحدا من مقالاته سبب له صداعا تمثل في تلقيه مئات الرسائل المهاجمة، ومثلها رسالة عبر الهاتف الجوال تلهج بالدعاء عليه، كما رُفعت ضده دعاوى عبر القضاء بسبب آرائه، وتلقى تهديدات بالقتل، يرى أن الوضع اليوم تغير إلى الأفضل، «فما زلت أكتب على طريقتي، وتمر آرائي دون الضجيج الذي كان يحدث في السابق». وقال إن ما يفتقده المشهد الثقافي والإعلامي هو غياب الحوار بين الأطياف المختلفة، لكنه أكد أن الوضع تحسن إلى الأفضل على الرغم من أن الناس ما زالوا غير معتادين على لغة حوارية تراعي الاختلاف بينهم.

* حسناء القنيعير: التنوع الفكري سُنّة كونية

* تُعتبر الدكتورة حسناء القنيعير، رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود، وأستاذة اللسانيات المساعدة، إحدى أبرز الأكاديميات السعوديات اللاتي يتعرضن باستمرار لحملة «تجريح» متواصل عبر شبكة الإنترنت بسبب مقالاتها وأبحاثها.

وتقول القنيعير أن حملات التشهير «نالتني مثلما نالت غيري من الكتاب والمبدعين، من قِبل الذين يعجزون عن الحوار فلا يجدون أسهل من التهجم على شخص الكاتب، وذلك لغة العاجزين، لكن حسبي أن الشجر المثمر هو الذي يُرمى بالحجارة، وأنك عندما تُطعن في الظهر فهذا يعني أنك في المقدمة، وهؤلاء لا أبالي بهم لأني لا أكتب لهم».

وقالت إنه «تورط في المنزلق الأخلاقي عبر وسائل النشر الإلكترونية كثير من كتاب، ومرتادي مواقع الإنترنت، حتى الذين يدعون الليبرالية تجدهم في منتدياتهم يصبون جام غضبهم وأحقادهم على الآخر الذي لا يعجبهم طرحه من الكتاب والكاتبات، مما يؤكد أن لدى أولئك أمراضا مزمنة، لم يفلح ادعاؤهم الحرية والمناداة بحقوق الإنسان التي تضج بها منتدياتهم، في طمسها، بل تظهر أمراضهم بقوة عندما يستغلون مواخير الإنترنت لينفسوا عن أحقادهم ويكشفوا عن أنفسهم المريضة». ولاحظت القنيعير أن نزول الخطاب إلى هذا المنحدر حالة ذهنية تعبر عن نزعة سلطوية متشددة ومغالية، وعن أنفس قلقة متوترة تتعمد إهمال تعاليم الدين في هذا الخصوص إهمالا واضحا، كما أن تراكم حالات الاحتقان الناتجة عن مشاعر الكراهية وسوء الفهم، هي التي تؤجج مشاعر العداء تجاه الآخر، وعندما يتنامى ذلك الاحتقان، يصبح كل المختلفين ـ أيا كانت درجة اختلافهم ـ داخل دائرة النفي، أهدافا مشروعة للذين لا يقرون بحق الاختلاف ولا يرون للآخر إلا ما يرونه هم.

وفي تحليلها لظاهرة اللجوء إلى وسائل إعلامية بديلة كالإنترنت لتهشيم صورة الآخرين بسبب الاختلاف معهم، تقول الدكتورة حسناء القنيعير إن السبب هو استسهال الكتابة بسبب غياب الرقابة، والتمتع بالحرية المطلقة، حيث لا تخضع تلك المواقع للقوانين التي تخضع لها الصحف، وليس فيها مسؤول مسؤولية مباشرة أمام الجهات الأمنية والرقابية.

وتضيف أن معظم القائمين على تلك المواقع يستخدمون حرية التعبير عن الرأي استخداما سيئا، حيث يعدون ما ينشر في مواقعهم حرية رأي، بينما هو تعدّ واجتراء يجب أن لا ينجو مَن يكتبه، ومن يساعده بتهيئة المساحة له، من العقاب، وأقله حجب تلك المواقع ومعاقبة أصحابها ماديا ومعنويا، ذلك أنهم جميعا مجرد خفافيش تعيش في الظلام وتتمترس خلف أسماء مستعارة، ولو كانوا يملكون مثقال ذرة من الشجاعة لكتبوا بأسمائهم الصريحة.

وتشير القنيعير إلى إن «الثقة من عدم المحاسبة والنجاة من العقاب، واستخدام أسماء مستعارة في كثير من المواقع، كل هذا يسهل الاجتراء على الآخرين وطعنهم في ذواتهم، وهو دليل فشل في مقارعة الحجة بالحجة، وكلنا يعلم أن من يلجأ إلى الصراخ أو طعن الآخر أو تشويهه هو من يفتقد القدرة على التحاور البنّاء أو مناقشة الآخر في أفكاره وطروحاته، فلذلك يسهل انزلاقه إلى ذلك الأسلوب الرخيص». وتتحدث القنيعير عن الحوار باعتباره وسيلة للتعبير عن الرأي، وأسلوبا للحياة لتحقيق التعايش من خلال منهجية شاملة تلتزم الأصول والقيم.

وقالت إن الاختلاف والتنوع الفكري سُنّة كونية وحقيقة تاريخية لا يمكن إلغاؤها أو تجاوزها، ولا ريب أن العنف، بأي أسلوب كان، هو ظاهرة عدمية محضة تستند إلى المغالطة في وجهات النظر والإمعان في تدمير الآخر المختلف فكرا أو منهجا أو مذهبا أو دينا أو انتماء، حيث يجد العنف، قولا أو فعلا، أرضا خصبة في الذوات المنغلقة على نفسها الكارهة للآخر أيا كان.

وقالت إن من أهم أسباب تفشي الانحدار في مستوى الحوار، غياب ثقافة الحوار الحقيقي بين أطياف المجتمع وإساءة فهم حرية الرأي، فالحرية لا بد أن تكون مقيدة ومنضبطة، ولا تعني أبدا الإساءة للآخر تحت أي ذريعة، ثم استغلال الدين واستخدامه سيفا مصلتا على الآخرين والوصاية عليهم، فباسمه يستطيع بعضهم الطعن في الآخرين دون خوف من مساءلة أو محاسبة، كذلك استغلال منابر المساجد لسب الآخرين وشتمهم، الأمر الذي يشرعن ذلك الأسلوب فيحتذيه الصغار والمتحمسون، ثم عدم نجاح مناهج التعليم الدينية في ترسيخ القيم الإسلامية في أنفس الطلاب، تلك القيم التي تحرم الغيبة والنميمة والبهتان والاعتداء، فنحن من أكثر شعوب المنطقة تدريسا للدين، لكنه للأسف لا يظهر في سلوك بعض الناس، وهذا يؤكد تركيز المناهج ومن يدرسها على المظهر الديني لا على الجوهر في ذات المسلم.

وقالت القنيعير إن بعضا من المثقفين والكتاب نزلوا بلغة الحوار إلى الحضيض، حيث أصبحت الريب والشكوك والاستعداء ونبذ الآخر والطعن في دينه وخلقه سمة بارزة في سلوك بعضنا تجاه الآخرين.

* القحطاني: غياب مفاهيم الحوار البنّاء

* الكاتب والاكاديمي السعودي الدكتور مسفر بن علي القحطاني رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، قال لـ«الشرق الأوسط» إن انحدار مستوى التخاطب والحوار بين الأطياف المختلفة «يعود إلى أسباب عديدة خلقت هذا الجو المتوتر من الاختلاف، كما خلقت فضاء خانقا لا يتفق مع طبيعة الحوار بين الأطياف السعودية التي تنطلق في الغالب من مشكاة واحدة من الثوابت الدينية والمسؤولية الوطنية».

ولاحظ القحطاني أن «غياب مفاهيم الحوار البنّاء ووجود أحكام مسبقة عن الآخر ومحاولة إثبات الخطأ قدر المستطاع واعتبار الحوار الفكري نوعا من النزال المقدس بين الحق والباطل، كل ذلك وغيره أسهم في تشكيل حالة من التباين بين أطياف المجتمع».

وقال القحطاني إن «مما أخشاه أن كثيرا من تلك الأجواء المتوترة بالصراعات والتراشقات المتبادَلة بين التيارات لا تحسب على أنها صورة قاتمة للمشهد السعودي في نظر أصحابها، بل أحيانا تكون مسوغا دائما للبروز الثقافي الذي لا يمكن أن يحظى بالإثارة الإعلامية والتفاعل الإلكتروني عبر الإنترنت إلا من خلال هذا النوع من الخصوم المتطرفين في الأفكار، والذين يغذون نزعات التفرد والتخندق على الذات وتحويل الخلاف السائغ إلى افتراق عن الملة والوطن».

مضيفا أن «الليبراليين والإسلاميين شركاء في تثوير النزاع لأن له تغذية راجعة في وجود الأنصار والمصفقين المتفرجين على ساحات المعركة».

ويضيف القحطاني أن الجدل الفكري الذي حدث في المشهد السعودي خلال العقدين الماضيين كان أكثره خصومات شخصية تسعى للنيل من الرموز أكثر من التعامل مع الخلاف الفكري بموضوعية تتمحور حول الآراء والأفكار مجردة عن لوازمها المشخصة، كما أن هناك مساحات واسعة للجدل الفكري قد تؤدي إلى حراك إيجابي نحو قضايا النهضة وفقه التقدم ومعالجة صور الانحطاط في التنمية، لم يُلتفت لها إلا من قليل جدا من الباحثين والمفكرين السعوديين، وهذا يكمن في الاستجابة السريعة للمثيرات الحادة من قِبل متطرفي الاتجاهات الفكرية وعدم وجود رؤى فكرية وأطروحات كبرى وغايات إصلاحية تتجاوز وحل الإغراقات في التهم حول الاجتهادات الشخصية والآراء الفردية لكل فريق.

وردّا على سؤال عن الحاجة إلى تعزيز هوية جامعة واعتبار غيابها سببا في الصراع الدائم بين الهويات، قال الدكتور القحطاني، إن العلاقة بين الأطياف الفكرية ما زالت تمر بمرحلة التخندق على الذات، والبحث عن إيجاد فرص العداوات أكثر من جسور التوافق على الأمور المشتركة، بالإضافة إلى وجود إطار مصلحي ونفسي هو الذي يحدد طبيعة فكر الانتماء لا العكس.

وقال إن الانتماء الفكري والثقافي يؤدلج الإنسان نحو علاقته بكل ما حوله، فهو يأتي أولا، وليس كغطاء ختامي يحجب التوترات النفسية، أو المصالح الاجتماعية، أو الأفكار المسبقة التي يُراد لها العودة والبروز من جديد.

ولاحظ الدكتور القحطاني أن الأزمة تدل في صور منها على انكفاء ذاتي مهما كان حجم الانفتاح، وتقاطعات فكرية يستحيل أن توجِد في المجتمع نوعا من الانتماء والتعددية الإيجابية، ولذلك هي كامنة تحت السطح الاجتماعي، ولكنه كمون البارود القابل للاشتعال عند وجود الفتائل المحرضة للانفجار.

مشيرا إلى أن أحد مظاهر تلك الأزمة هو تراشق التيارات الفكرية بالاتهامات المتبادلة، من خلال كل منبر يصعد عليه أحد هذه التيارات، سواء كان منبرا إعلاميا بأنواعه كافة، المرئية والمقروءة، أو منبرا للتوجيه والإرشاد، سواء كان رسميا كخطب الجمعة والنوادي الأدبية والمحافل الثقافية، أو مدنيا كالديوانيات الخاصة ومواقع الإنترنت ومنتدياته المختلفة.

وقال القحطاني إنه من أجل أن لا تكون المعالجة دائما سطحية وشكلية أو تعالج العرض دون القضاء على المرض، فإن هناك وعيا غائبا لدى نخبنا المثقفة التي لا تتلمس حال الواقع وسبل النهوض به بقدر ما تتحسس مواقع الغلبة والمناكفة مع خصوم قد يكونون حقيقيين، وقد يكونون مجرد وهم صنعته تخيلات الحرب الفكرية التي توجد تُجّارا للشعارات، ومكاسب يستحيل أن تتحقق في أجواء الأمن والتسامح، وللأسف أن الدور الرسمي للجهات الثقافية والإعلامية بات مفقودا ومنعدم الجدوى في بناء الجسور المشتركة بين مختلف التيارات، من خلال دعم الأطروحات التي تركز على بناء الوعي الحضاري في المجتمع وتقعيد الانطلاقة الفكرية للتنمية الشاملة للوطن، وفتح الأفق لكل صاحب فكر أن يطرح رؤيته في البناء بغضّ النظر عن خلفياته المسبقة وتصنيفاته الفكرية.