أفلام الرعب تقوي الثقة بالنفس والفردانية

بدأت أدبا يواجه سلطة القساوسة وصارت تقليعة تجارية

TT

يقبل الشبان الأميركيون بتزايد ملحوظ على مشاهدة أفلام الرعب، وهذه ظاهرة لها أسبابها الوجيهة. فأفلام الرعب الأميركية لها جذورها التاريخية في الأدب منذ ما يزيد على 200 سنة، ولها أبطالها الطالعون من عمق المجتمع، وأحداثها الملتقطة من لا وعي شعبي متراكم. وتنامي عدد متفرجي هذه الأفلام في أميركا، إن ينم عن شيء، فعن أصالة أميركية، ربما لا يفهمها الآخرون، الذين يظنون أنها مجرد تقليعة هوليوودية تجارية، فيما هي تستحق أن ترى بمنظار أعمق بكثير.

بدأ في أميركا، عرض فيلم «مونسترز آند ايلينز» (وحوش وأغراب)، وهو فيلم رعب من النوع الذي يحبه الأميركيون، وخاصة الشبان. وقالت «ماريا»، طالبة في مدرسة «ليك برادوك» الثانوية، ضاحية من ضواحي واشنطن العاصمة، لـ«الشرق الأوسط» إنها شاهدت الفيلم، وإنه مخيف، «لكنه لم يخيفني بالقدر الذي أوصلني إليه «تكساس جينسوا ماساكير» (مذبحة منشار تكساس). عرض فيلم مذبحة المناشير هذا، للمرة الأولى قبل أكثر من ثلاثين سنة، وفي وقت لاحق، صدرت نسخ أخرى منه، ويعتبر واحدا من أكثر الأفلام الأميركية إرعابا.

لماذا يحب الأميركيون، وخاصة الشباب والشابات، أفلام الرعب؟ هل هذه شجاعة أم نوع من التحدي؟ وهل الدافع هو الانتصار على الخوف؟ وهل لهذا صلة بالخوف من الإرهاب؟ ولماذا يخاف الأميركيون الإرهاب، ويعشقون الرعب؟ وما الفرق بين الرعب والإرهاب؟

قبل أفلام الرعب وحرب الإرهاب أيضا، وفي سنة 1826، فرقت آن رادكليف، كاتبة بريطانية، بين الاثنين: «هورور» (رعب) و«تيرور» (إرهاب). واعتبرت رادكليف أن الكلمة الأولى تعني التقزز من شيء مخيف، مثل منظر جثة متعفنة، أو صوت هادر مفاجئ، أو تجربة مخيفة. وتعني الكلمة الثانية توقع شيء مخيف. أي أن الإنسان يرتعب عندما يمر بتجربة مخيفة، ويرهبها. وأحيانا، يجتمع الرعب والإرهاب معا، كأن يمشي إنسان وحيدا في غابة كثيفة، مع مطر غزير، وصوت رعد صاخب ولمعان برق يخطف الأنظار، يرعبه الرعد والبرق، ويرهبه توقع أن يصعقه برق. وقالت رادكليف: «لو كان هذا الإنسان متأكدا أن البرق لا يصعق، وأنه يبقى في السماء، لما أحس بالإرهاب. لكنه، طبعا، أحس بالرعب بسبب ما حوله«.

شرحت آن رادكليف هذه الموضوعات باعتبارها من أشهر كاتبات روايات الرعب في القرن السابع عشر. وتوصف هذه الروايات بأنها «غوثيك» (قوطية). يعني هذا أنها من الثقافة الأوروبية التي تمردت على رجال الدين المسيحيين المتطرفين في ذلك الوقت، وانعكست على الروايات، والمعمار، والسلوك، والأكل، والشراب.

قبل ذلك، خاصة خلال القرون الوسطى، سيطر القساوسة المتطرفون على كل جوانب الحياة تقريبا، وقسموا كل شيء إلى خير وشر، وقالوا إن الشيطان هو عدو الإنسان الأول، ووصفوا الأشباح والخرافات بأنها شياطين أو من عمل الشياطين. لهذا، تمردت بعض الروايات، وركزت على قصص الأشباح والخرافات وكل ما يرعب الناس.

* روايات مرعبة لمواجهة القساوسة

* وكما هو الحال اليوم، لم يكن هدف الروايات إرعاب الناس، بقدر ما كان الهدف إدخالهم في تجارب لم يتعودوا عليها ليثبتوا الآتي:

أولا: الاستقلال عن رجال الدين المتطرفين.

ثانيا: التمتع بالحرية الجديدة.

ثالثا: السيطرة على النفس من دون واعز خارجي، ديني أو غير ديني.

ومثلما ابتعدت روايات الرعب عن الدين، ابتعدت عنه أيضا الروايات الرومانسية. كانت أغلبية هذه عن الفارس الشجاع الذي يحب الأميرة الجميلة سرا، ثم يخطفها من خارج قلعة عائلتها، ويحملها على ظهر حصانه الأبيض، ويعيشان في سعادة أبدية. وأيضا، كانت عن الخيانة الزوجية وسط الملوك والأمراء والأرستقراطيين، مثل رواية «دون كيشوت» والأميرة دولسينيا (سنة 1615).

بعد مائة سنة من آن رادكليف (سنة 1897)، كتب البريطاني برام ستروكر «دراكيولا»، واحدة من أشهر وأقدم روايات الرعب. وسنة 1930، تحولت إلى فيلم بالأبيض والأسود، وسنة 1958، إلى فيلم ملون.

كان «دراكيولا» أرستقراطيا يعيش في قلعة جبال «كاربيثيان» (الآن رومانيا)، وكان إنسانا وشيطانا (مصاص دماء) في الوقت نفسه. وعاش مع ثلاث فتيات حسناوات شيطانات أيضا، وعندما أحب زوجة المحامي البريطاني باركر، عضها، ليخلط دمه بدمها، ويضمن حبها له. لكن، في وقت لاحق، انتقم المحامي البريطاني، بمساعدة قسيس بريطاني، وحول دراكيولا إلى رماد. وهكذا أعلنت الرواية انتصار رجال الدين على الشيطان. وانتصار المرأة على غدر الرجال.

* تغذية مصادر الخوف

* ماذا يرعب الناس في أفلام الرعب؟

أولا: اختراعات علمية مخيفة. مثل: فيلم «فرانكنشتاين» (نشرت الرواية سنة 1818، وصورت فيلما 1931). ويحكى قصة د. فكتور فرانكنشتاين، والمعمل الذي كان يصنع فيه مخلوقات مثل الرجال، لكنهم أكبر وأقوى. واعتبر الفيلم تمردا ونقدا للثورة الصناعية في أوروبا في ذلك الوقت.

ثانيا: خرافات مثل: فيلم «انيفشن اوف بودي سناتشررز» (غزاة وخاطفو الناس) سنة 1956، ويحكي قصة سكان سانتا ميرا (ولاية كاليفورنيا) حيث اشتكى أناس أن بعض جيرانهم عندهم أرواح شريرة، تخرج بالليل وتجوب شوارع المدينة، وزاد عددهم، واستعدوا للزحف على المدن المجاورة.

ثالثا: الحبيب الغادر، مثل فيلم «سايكو» (سنة 1960). ويحكي قصة «ماريون» التي سرقت أربعين ألف دولار من المكتب الذي تعمل فيه في ولاية أريزونا، لتنضم إلى حبيبها، الذي لا عمل له في ولاية كاليفورنيا، ويتزوجا. لكن، في فندق في الطريق، قابلها «نورمان» الذي أحبها بين يوم وليلة، وطلب منها نسيان حبيبها، وعندما رفضت، قتلها وهي تستحم في حمام غرفتها في الفندق.

رابعا: الشياطين. مثل فيلم: «اكسورسست» (طارد الأرواح الشريرة) من سنة 1973. ويحكى قصة البنت «ميغان» التي، في البداية، اعتقدت والدتها أنها مصابة بإحباط وتوتر عصبي. لكن، في وقت لاحق، عرفت أنها بنت «ديمونك» (سكنها شيطان). وقال لهما القسيس كاراس إن ساكن البنت شيطان اسمه «بازوزو»، وعندما أخرج «بازوزو» من البنت، أسرع وسكن القسيس نفسه.

خامسا: الأعداء، خاصة غزو الدول الأجنبية. لكن، لأن أميركا، ظلت قادرة على الدفاع عن نفسها، صارت هذه أفلام انتصاراتها عبر تاريخها. مثل أفلام: «إغراق الباخرة بزمارك» (الانتصار على ألمانيا)، و«رمال ايوجيما» (الانتصار على اليابان)، و«غرين بيريت» (الانتصار في حرب فيتنام).

وعن هذه قالت «ماريا»، طالبة ثانوية «ليك برادوك» في ضاحية بيرك، من ضواحي واشنطن، إنها أفلام فخر واستعلاء. وقالت: «أنا أميركية، وأميركا هي أقوى دولة في العالم، ولا تقدر دولة على الانتصار علينا». وقالت إنها تخاف من مناظر القتل والدمار وهي تشاهد أفلام الحروب هذه، لكنها «متأكدة أننا، في النهاية، سننتصر على الأعداء».

بالإضافة إلى أفلام الرعب السابقة، هناك أفلام أخرى:

مثل «كاندي مان» الذي يغري فيه رجل شرير بنات بالحلوى. و«رنغ» الذي يحكي عن مجهول يرسل شريط فيديو مخيفا إلى أولاد وبنات، ويبدأ بقتلهم، واحدا تلو الآخر، مثلما في الفيديو. وهناك «نايتمير ايلم ستريت» الذي يرمي فيه فريدي كورغر الرعب في قلوب أولاد وبنات في شارع ايلم. أما فيلم «يوم الجمعة 13»، فيحكي قصة أولاد وبنات يذهبون إلى بحيرة ويغرق فيها أحدهم ويباغتهم مجهول ويقتل بعضهم.

* الفكاهة إما سوداء أو زرقاء

* وهناك أفلام رعب، نصفها مخيف ونصفها فكاهي، وهي التي يطلق عليها «بلاك كوميدي» (فكاهة سوداء). وهي تختلف عن الـ«بلو كوميدي» (فكاهة زرقاء)، ذات الموضوعات الجنسية في قالب فكاهي. وهي ليست مثيرة، لأن الهدف الأساسي منها هو الضحك، وهي أشبه بنكتة عن الجنس، فيها تهكم أكثر مما فيها من إساءة، وقد تكون عن امرأة أو رجل أسود.

يوجد في أفلام الكوميديا السوداء قتل، واغتصاب، وانتحار، وحرب، وموت، لكنها لا ترعب بقدر ما تضحك: مثل «غودوت» الذي يروي حكاية رجل أراد أن ينتحر بأن علق نفسه من حزام بنطلونه، لكن البنطال سقط، وبقي الرجل معلقا وعاريا. وفيلم «دكتور ستريغلاف»، عن عالم ذرة، بدل أن يضغط على زر لمنع وقوع حرب نووية، ضغط على زر أشعل الحرب. وكذلك فيلم «غوستباستر» (قاهر الأشباح)، عن ثلاثة أطباء تخصصوا في هزيمة الأشباح.

ثمة من يفسر حب الأميركيين لأفلام الرعب بالعودة إلى تفسيرات سيغموند فرويد، مؤسس علم النفس، الذي يتحدث عن «سايكلوجيكال هورور» (علم نفس الرعب)، ويتلخص تفسيره في أن هناك فرقا بين «هورور» (رعب) و«تيرور» (إرهاب). لكن الاثنين يهددان ثقة الإنسان بنفسه، ويشككانه في هويته، ويؤثران على استقلاليته.

في الجانب الآخر، يزيد الرعب والإرهاب من ثقة الإنسان بنفسه حين يقدر على مواجهتهما، مما يجعله يحس بأنه يتفوق على غيره، هذا بالإضافة إلى أن تحدى مثل هذه الأشياء يزيد فردية واستقلالية الإنسان، ويشعر حينها أنه مختلف عن غيره. ربما تعني تفسيرات فرويد أن الميل نحو الفردية والاستقلالية عند الأميركيين، لا سيما الشبان منهم، هو سبب حبهم لأفلام الرعب، أو أن حبهم لمثل هذه الأفلام يزيد فرديتهم واستقلاليتهم.

* جورج بوش أحد أبطال أفلام الرعب

* وفي هذا قالت «ماريا»، طالبة الثانوية في ضاحية بيرك: «تخاف أختي من أفلام الرعب، لكني لا أخاف منها، أعتبر نفسي أكثر شجاعة منها، وأقول لها: هذه كلها أفلام ومسرحيات وتمثيليات، وليست أشياء حقيقية، لكنها لا تصدق ذلك. مسكينة. ستظل خائفة كل حياتها».

بالإضافة إلى فيلم «مونسترز آند ايلينز» (وحوش وأغراب) الذي بدأ عرضه في واشنطن الأسبوع الماضي، ظهرت منذ بداية السنة أفلام رعب أخرى، مثل، «ديث ميوزيام» (متحف الموت) و«ديث دانس» (رقصة الموتى). وفي السنة الماضية، صدرت أفلام رعب مثل، «باغ هيد» (رجل رأسه من كيس ورق) يظهر لأولاد يزورون غابة ويرمي الرعب في قلوبهم. وفيلم «زومبي ستريبرز» عن بنات جميلات، في ولاية نبراسكا، يرقصن عاريات ويأكلن لحوم البشر. يرقصن أمام الرجال، ثم يغرينهم، ثم يأكلونهم. لكن، قصة هذا الفيلم أكبر من ذلك، وبطلها الحقيقي هو الرئيس السابق بوش. ومختصر الحكاية أن بوش يعود رئيسا للمرة الثالثة، مصمما على ضرب الدول التي لم يهاجمها في ولايتيه السابقتين. فيضرب سورية، وإيران، وفنزويلا، وأيضا لبنان، ثم فرنسا وولاية ألاسكا الأميركية. لكنه يواجه مشكلة، وهي رفض الأميركيين التطوع في القوات المسلحة. فيرسل مستشاره إلى ولاية نبراسكا، مكان «زومبي ستريبرز» (الراقصات العاريات آكلات لحوم البشر)، ويحصل منهن على فيروس يحيي الجنود القتلى، ويحولهم إلى أكلة لحوم للبشر، ليأكلوا أعداء أميركا. لكن، حتى هذه، فشل فيها بوش.