هل تتسع الهوة بين الأجيال الثقافية في السعودية؟

التحديث السريع قطع الصلة بين الأجيال وضيع التراكم المعرفي

فهد العتيق
TT

تمثل العلاقة بين أنماط التفكير القديم والجديد مساحة من التشابك الدائم بين المثقفين السعوديين، لكن العلاقة بين الأجيال التي تمثل المشهد الثقافي ظلت على الدوام مبتورة وغير موثوقة الصلة. فالجيل الأدبي يشتد وينمو عوده بمعزل عن التراكم الأدبي والخبرة التي يخلفها الجيل السابق، ولذلك ضعفت أواصر العمل الأدبي والثقافي لانعدام الاتصال والبناء على التراكم المعرفي السابق.

بعض الكتاب يقر أن انقطاع الوصل بين الأجيال ثقافيا وفكريا، نجم عنه هوة ثقافية حملوها مسؤولية خلق تيارات متباينة المشارب لا تؤمن ولا تطمئن إلى الأجيال الماضية. هنا بعض الآراء:

* العدواني: هوة واسعة بين الأجيال

* يقول الناقد السعودي معجب العدواني: «هناك هوة واسعة تفصل بين الجيل الحالي من الأدباء والمثقفين السعوديين، والجيل السابق، قد تصل إلى حد قطيعة بين جيلين. لقد مارس الأدباء السعوديون أنواعا من التمرد الكتابي في الأشكال والمضامين ولعل أهم ملمح هو استلهام الأجناس الأدبية الحديثة في الكتابة كالرواية والقصة القصيرة جدا.

لكن ليس هناك تواصل معرفي يربط الجيلين، ذلك أن نمو حركة التحديث في الكتابة قد أوجدت تيارات متباينة المشارب لا تؤمن ولا تطمئن إلى الأجيال الماضية بل تحاول أن تمد جسورها إلى خارج الوطن لتستلهم النظريات والمناهج في النقد أو الأعمال الإبداعية شعرا أو نثرا».

واعتبر العدواني العلاقة بالتراث تمثل وضعا مختلفا عن العلاقة مع جيل الأدباء والمثقفين، معتبرا أن بعض التجارب الكتابية لاسيما النقدية منها التي تصل الماضي بالحاضر من التجارب النقدية الرائدة في الساحة الثقافية السعودية، وعلى رأس هذه القائمة تأتي دراسات الدكتور عبد الله الغذامي الناقد السعودي المعروف، الذي خصص معظم مشاريعه النقدية لممارسات نظرية على التراث. وبالنسبة لتواصل الحركة الإبداعية مع الموروث الشعبي، وفي واقع الكتابة الإبداعية السعودية، نجد رجاء عالم الروائية التي تصل الماضي بالحاضر في تجربتها في إطار إبداعي خلاق».

 

* العتيق: لا وجود لحدود صارمة

* من جانبه يقول الروائي السعودي فهد العتيق: «لا وجود لحدود صارمة بين الأجيال ولكن الأدب يعبر دائما عن مراحل فنية وموضوعية تكمل بعضها بعضا، والدليل أن مشاكل اللغة مازالت تعاني منها النصوص السردية منذ نصف قرن وحتى الآن.

إن بعض الأدباء الجدد يتحدثون كثيرا عن مسألة الأجيال الأدبية ويتحدثون عن الجيل السابق لهم بطريقة سلبية مبالغ فيها رغم أنهم لم يقدموا شيئا مهما، وكأن الجيل يتم تفريخه كل عشر سنوات بملامح خاصة». ويعتقد العتيق أن الجيل الأدبي قبل أكثر من نصف قرن أسس لأدب تميز بالالتزام والصدق وكان يتقدم فنيا في مرحلة. لكن سؤال كل المراحل الأدبية قد يكون: هل لابد أن يكون النص الأدبي مجرد لعبة فنية للمتعة والتسلية أو أن يتحول إلى منشور سياسي أو منشور وعظي. ويجيب: «الكتابة يجب ألا تكون مجرد لعبة فنية وأن تتجاوز فكر الإرشاد والغضب والنضال والموعظة. والفيصل هنا في مستوى اللغة ومدى تحققها وتثبيت نفسها وقدرتها، وقدرة الكاتب وموهبته وأفقه وثقافته ووعيه».

د. ميساء خواجه:

* الحاجة لعمل مؤسسي

* أما الناقدة السعودية الدكتورة ميساء خواجه أستاذة الأدب الحديث بجامعة الملك سعود، فطالبت بتحديد مفهوم تواصل الأجيال، متسائلة: هل يعني ذلك التماثل الثقافي والإبداعي ضمن منظومة واحدة متصلة لها أهداف ثابتة ومحددة؟.

وتضيف: «إن الإبداع حركة مستمرة وتجاوز دائم، وما يحدث في الأدب منذ القدم هو في جوهره تجاوز مستمر من المبدعين لما قام به سابقوهم، وهو تجاوز في الآليات والرؤى ومن ثم إبداع أشكال ونصوص جديدة».

وتعتقد خواجه أن الإنتاج الأدبي السعودي لا يخرج عما يحدث في غيره من الآداب الأخرى، وهو لم يعدم محاولات التجديد والتغيير. لكن لعل ما أحدث هوة أو فجوة بين جيلين أو نمطين من التلقي هو ظهور ما عرف بحركة الحداثة على مستوى الإبداع والنقد، مؤكدة أن هذه الحركة أوجدت منذ بداية ظهورها فجوة معرفية وأعلنت بداية تحول في أنماط الكتابة ومن ثم المطالبة بآليات جديدة للتلقي، غير أن الإشكالية الكبرى أنها، في النهاية، ظلت في إطار جهود فردية قابلة لانقلاب بعض أفرادها ضد بعضهم الآخر أو تراجع بعضهم عن مفاهيمه، أو صمت بعضهم عن الكتابة. ولعل هذا ما يفسر عدم حصول تراكم معرفي يتابع فيه جيل تطوير رؤى من سبقوه أو مناقضتها أو تجاوزها.

وبحسب خواجه فإنه من الصعب تعميم رأي نقدي واحد حول إنتاج جيل الشباب والشابات، بل إنه يصعب أحيانا تعميم الحكم حول أعمال مبدع واحد نظرا لتفاوت المستوى أو صمت المبدع بعد إصدار وحيد. في النهاية إبداع الجيل الجديد والحديث يتفاوت قوة وضعفا، فبعضهم يصدر عن رؤى فكرية ووعي وإدراك عميقين وحس لغوي عال، في حين لا يتجاوز إنتاج بعضهم الآخر رصف الكلمات سواء كان ذلك على مستويات الشعر أو الرواية أو القصة القصيرة.

وعن التواصل بين الأجيال الأدبية وتقدير مساهمتها، قالت إن هذه العلاقة متفاوتة فعلى سبيل المثال لا ينكر علي الدميني أستاذية محمد العلي والشاعرة فوزية بو خالد تهتم كثيرا بتشجيع المبدعات الشابات. لكنها ترى أن حركة التواصل غالبا ما تقع ضمن الأطر الفردية وذلك في ظل عدم وجود مؤسسات مرجعية ينضوي الأدباء في إطارها كاتحاد الكتاب على سبيل المثال، بالرغم من أن الأندية الأدبية تقوم بدور مقارب في دعم المبدعين الشباب ودعم حركة التواصل بين الأجيال لكنها في النهاية تظل مختلفة ما بين ناد وآخر ومنطقة وأخرى.

وتعتقد خواجه أن عددا من الأدباء الجدد مارسوا تمردهم على الأجيال السابقة بوعي ورؤية مختلفة انطلقوا منها، ولم يكن ذلك نتيجة واقع فرض عليهم آلية التمرد والاختلاف. وقالت إن عددا من الكتاب الآن يتجه صوب قطيعة معرفية مع الموروث، ولعل قصيدة النثر تشكل مثالا واضحا على خرق المألوف على مستويات الإبداع وآليات الكتابة وأنماط التلقي المتوقعة والمطلوبة. وهذا ينطبق أيضا على بعض الروايات الجديدة لاسيما الروايات النسائية التي تمارس بدورها خرقا وتجاوزا للأنماط المألوفة، وبالتالي تمثل هي الأخرى خروجا عمليا عن السياق الذي كان سائدا لدى جيل سابق من الكتاب والكاتبات. وتختتم د. ميساء خواجة رأيها بالقول: «فيما أرى تعتبر تلك مسألة صحية مادامت تمارس بوعي وسيطرة على آليات الإبداع. وفي النهاية ما أراه مطلوبا من الأجيال على اختلافها هو قبول الآخر وقبول اختلاف الرأي والحوار الواعي».

* القرشي: الأجيال كالدوائر

* إلى ذلك يقول القاص صلاح القرشي إن الحديث عن تواصل أو انقطاع الأجيال الثقافية ليس سوى تصنيف إعلامي لا مضمون له، (فلا يمكن التعامل مع كل جيل باعتباره فريقا واحدا منسجما، لأن الأجيال تتداخل وتتقاطع وهي أشبه بدوائر لا يمكن فصلها، وهنالك كتاب محسوبون على أجيال أسبق هم بالنسبة لي أقرب كثيرا من بعض الذين ينتمون إلى جيلي).