إدارة أوباما.. من ستفاوض في إيران؟

أحد أشهر مراسلي بريطانيا في الشرق الأوسط في كتاب عن «شبح الخميني»

شبح الخميني: الثورة الإيرانية وظهور الإسلام المسلح ـ المؤلف: كون كوغلين ـ الناشر: إيكو، نيويورك، 2009
TT

في الوقت الذي تستعد فيه إدارة أوباما لإشراك الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حوار دبلوماسي، يُطرَح سؤال واحد على فكر العديد من الناس: من هم الرجال الذين تأمل القيادة الأميركية الجديدة في التوصل معهم إلى تسوية؟

ألّف كون كوغلين كتابه الجديد «شبح الخميني: الثورة الإيرانية وظهور الإسلام المسلح» من أجل الإجابة عن هذا السؤال. يبدأ الكتاب بسرد لسيرة آية الله الثوري الراحل، ولكن سرعان ما ينتقل بالقارئ إلى مراحل حديثة من تطور نظامه. ويستند كوغلين، وهو من أشهر مراسلي بريطانيا في الشرق الأوسط، إلى أعوام من الاتصال المباشر مع تحركات الخميني، وخاصة في لبنان، حيث كان يغطي أخبار حزب الله لعدة أعوام. والأمر الأكثر أهمية هو أنه يظهر كيف أثّر مذهب الخميني، وهو مذهب راديكالي قائم على الإسلام الشيعي، على الحركات المسلحة داخل الإسلام السني أيضاً، بل وأسهم في إحيائها في بعض الحالات. وفي شيء من التفاصيل، يعارض كوغلين ادعاء العديد من خبراء إيران المزعومين بأن المذهب الشيعي المسلح لا يمكنه أن يدخل في تحالف تكتيكي مع الراديكاليين السنة. ويذهب كوغلين إلى ما هو أبعد من ذلك ليؤكد على أن الحرس الثوري الإسلامي، وهي قوة شبه عسكرية شكلها الخميني لحماية نظامه، كان مسؤولا عن تدريب مقاتلي «القاعدة» التابعين لأسامة بن لادن في معسكرات خاصة أقيمت في السودان. وأشار تقرير اللجنة المحققة في أحداث 11/9 بالفعل إلى وجود اتصالات بين طهران و«القاعدة» دون ذكر أية تفاصيل محددة.

ويتوسع كوغلين في سرد هذه الإشارات بتقديم رواية مفصلة عن التحالف المميت الذي تكوّن ضد الولايات المتحدة.

ويصف كوغلين «الخمينية» على أنها حركة كانت ولا تزال في حرب ضد الولايات المتحدة منذ اليوم الأول لحكم الملالي في طهران منذ 30 عاماً. وفنّد المزاعم بأن المساعي الدبلوماسية تستطيع أن تقنع نظام الخميني بتغيير سلوكه في أي من القضايا المهمة التي أدت به إلى الخوض في صراعات مع جميع جيرانه، ناهيك عن الدول الغربية. الطريقة الوحيدة لاسترضاء النظام الخميني هو الإذعان له. وحتى مع حدوث ذلك، من المؤكد أن العناصر الأكثر راديكالية في طهران، من أمثال الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي يحلم بغزو العالم باسم الإسلام، سيطلبون المزيد.

وعلى الرغم من أن الخلفية التاريخية للنظام الخميني تستغرق أكثر من ثلثي الكتاب، إلا أن الجزء المتعلق بالقضايا الراهنة يستحق أن نولي له عناية خاصة. (وفي الحقيقة، لديه الكثير من التفاصيل الخاطئة عن حياة الخميني. على سبيل المثال، لم يكن الخميني «طالباً فقيراً من منطقة نائية في جنوب إيران»، ولكنه ينحدر من أسرة ثرية في خمين، البلدة الصغيرة الواقعة في شمال وسط إيران وتبعد 120 ميلا عن طهران). ويفنّد كوغلين بعض المفاهيم الخاطئة المنتشرة عن جوانب مهمة في سياسات النظام الخميني. على سبيل المثال، يدعي المدافعون عن الجمهورية الإسلامية أنها لم تملك على الإطلاق استراتيجية لصنع أسلحة نووية أو أنه حتى لو كانت الجمهورية الإسلامية لديها هذه الاستراتجية، فقد بدأ البرنامج برمته بعد وفاة الخميني. ولكن، يوضح كوغلين أن الخميني شخصياً أمر ببدء البرنامج النووي بعدما قال عدد من قادته، بدعم من هاشمي رافسنجاني رجل الأعمال والملا الذي كان مستشاراً لآية الله في ذلك الوقت، إنهم يحتاجون إلى القنبلة للفوز في الحرب ضد العراق كمرحلة أولى من خطة كبرى لإخضاع الشرق الأوسط.

ولا يساور كوغلين شك في أن طهران مصممة على صنع ترسانة نووية، ولن تتردد في استخدامها عندما ترى أنها ضرورية من أجل تنفيذ استراتيجيتها في الوصول إلى السيادة العالمية. والرسالة الموجهة للرئيس أوباما واضحة: لن يتخلى الملالي أبداً عن طموحاتهم النووية في مقابل أية «جزرة» قد يتخيلها دينيس روس، مستشار الرئيس المعين حديثاً لشؤون إيران.

وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها المدافعون عن الخميني من أجل تبرئة ساحته باللجوء إلى «الإنكار المعقول»، فإن كوغلين يصور آية الله، على أنه الأب الروحي للإرهاب الإسلامي وأنه يتحمل مسؤولية مباشرة لعشرات حوادث الخطف والاغتيال والهجمات الانتحارية وعدد من «العمليات قليلة الكثافة» التي ارتكبت ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

ويربط كوغلين بين النظام الخميني وجميع العمليات الإرهابية التي تورط فيها مسلمون في الأعوام الثلاثين الماضية. وربما يكون هذا في مجمله صحيحاً فقط إذا كانت الثورة الخمينية وأساليبها، خاصة العمليات الانتحارية، ألهمت الإسلاميين الراديكاليين من جميع الطوائف. ولكن في بعض الحالات، تورط إيران غير مؤكد. وإحدى هذه الحالات هي مأساة لوكيربي التي تحطمت فيها طائرة ركاب أميركية بسبب انفجار قنبلة أثناء طيرانها فوق اسكتلندا، مما تسبب في مصرع ما يزيد على 200 راكب وأفراد الطاقم. ويؤكد كوغلين تأكيداً تاماً على أن العملية كانت «بتكليف» من الملالي في طهران. ولكن بعد أعوام من التحقيقات البريطانية والأميركية، تبعتها محاكمة استغرقت أعواماً أيضاً، تم التوصل إلى أن ليبيا هي الطرف المذنب. ستستفيد الإدارة الأميركية الجديدة أيضاً من حديث كوغلين عن تدخل نظام الخميني في قيام حركات التمرد في كل من العراق وأفغانستان. ويوضح كوغلين أن السؤال الحقيقي ليس «هل نخوض حرباً ضد إيران أم لا؟»، ولكن «كيف ننهي الحرب التي تشنها إيران ضد الولايات المتحدة منذ ثلاثة عقود؟».