فاتح المدرس يعود مع ابنه فادي بأعمال نادرة

لوحته هي الأغلى ثمنا بمزاد في دبي

لوحة بريشة فادي المدرس
TT

عشر سنوات مرت على رحيل فاتح المدرّس، أحد أبرز رواد الفن التشكيلي في العالم العربي. وخلال عقد من الزمن، شهدت الحياة التشكيلية السورية ما يشبه الفورة، وبالأخص في السنوات الخمس الأخيرة، فبرزت أسماء وغابت أخرى، إلا أن اسم فاتح لم يفقد سحره على الرغم من الغياب، وفي معرض استعادي أقامه ابن فاتح، الفنان التشكيلي فادي المدرّس في «صالة السيد» في دمشق، تحت عنوان «فاتح وفادي المدرس» كان «بمثابة تحية من الابن لأبيه، ومن التلميذ لأستاذه»، عاد فاتح ليحضر في وقفة تأمل لحياة فنان اعتبره النقاد علامة فارقة. وبحسب ما قاله أدونيس عنه «إن إبداع فاتح المدرس في تاريخ الحركة التشكيلية السورية، يمثل معيارية كلاسيكية عالية يؤرخ بها ويقاس عليها».

فادي المدرس العائد من أميركا بعد غياب ثماني سنوات يشعر بوجود والده إلى جانبه، في كل بقعة لون يشكلها، ويقول: «إن علاقتي مع الألوان والرسم، التي وجدت بسببه في المنزل، كانت مميزة. لم يحاول أن يوجهني تجاه أي خط فني. يسألونني: ما هي نقاط التشابه بيني وبين والدي، وبماذا أثر بي؟، أقول: من الصعب إيجاد التشابه، مع أنه أعطاني أشياء جوهرية وأساسية».

تضمن المعرض ثلاثة أنواع من الأعمال، 11 لوحة لفاتح من مقتنيات العائلة، تضمنت أعمالا نادرة مثل لوحة (والدة فاتح) وهي الوحيدة المنتمية للواقعية التعبيرية، وأعمال مشتركة لفاتح وفادي قام الأب بالإشراف عليها، و15 لوحة رسمها فادي خلال وجوده في أميركا، استخدم فيها تقنية مرت بعدة مراحل وطبقات، فظهر بعضها خادعا. إذ تبدو وكأنها مشغولة بالأكواريل، أو الإكريليك، أو اللصق، كنوع من اللعب باللون والضوء معتمدا على الألوان الترابية المركبة تركيبا زيتيا.

على الرغم من العلاقة الفنية التي ربطت الابن بالأب، فإن فادي حرص منذ بداياته على أن يكون مختلفا عن والده، من حيث الأسلوب والتقنيات والألوان والمواضيع. وما بين المعرض المشترك الذي أقيم عام 1997 لفاتح وفادي والمعرض الاستعادي المشترك الذي أقيم الأسبوع الماضي، يلاحظ أن لوحات فادي أصبحت أكثر نضجا في وضوح موضوعاتها، وولعه بانكسارات الضوء زاد توهجا، وخطوطه أكثر ليونة. أما لوحات فاتح، وتحديدا، الاسكتشات التي تعرض لأول مرة كنافذة على الفن الياباني المشهور (الكمايو) المعروف بشفافية اللون المائي ـ وهي مرحلة غير معروفة عند فاتح ـ فهي تؤكد على أن الرؤية الفنية للابن لم تلتق مع رؤية الأب في أي من المراحل.

ويقول فادي إن والده كان يصر على «أن أي عمل فني يجب أن يحمل شخصية صاحبة وروحه بعيدا عن التقليد». ويتابع فادي: «وذلك انعكس إيجابا على لوحاتي. كان اسم والدي الكبير يشعرني بالفخر، وبنفس الوقت يحملني مسؤولية. فغالبا ما كان يعتبرني زملائي في المدرسة رساما بحكم عمل والدي، ولطالما طلبوا مني مساعدتهم بهذه المادة. وبتخرجي من كلية الفنون الجميلة راح الوسط الفني يبحث عن رؤية والدي في أعمالي، مما حفزني على إيجاد خطي المستقل. وقد قدمت في معرضي الأول بمعهد غوته الألماني تكنيكا جديدا، وألوانا جديدة، وعملت خلال السنوات التالية على تطوير هذا التكنيك وقدمت عدة معارض وتعرضت للمديح والانتقاد. لكني خشيت أن يكون المديح مجاملة لوالدي، وهو ما حرضني على السفر. ذهابي إلى أميركا شكل التبلور الفعلي لأعمالي، هناك تعرفت على ثقافات أخرى ساعدتني على تطوير أدواتي. وعندما حصلت على المركز الثالث في المعرض السنوي للفنانين المحترفين الذي أقيم بولاية تكساس، شعرت بثقة أكبر بعملي، سيما أن الجائزة لا تعتمد على المحسوبيات، فلجنة التحكيم لا تعرفني ولا تعرف والدي».

فاتح المدرّس لم يكن رساما فقط، وإنما حاول في الشعر والقصة والنقد، وسجل بصمة في الأدب، وإن لم تكن على مستوى ما حققه في التشكيل، إلا أنها أغنت لوحاته بحمولات فكرية انطلقت من تجربة بائسة عاشها في الطفولة. وفي ندوة عقدت بالتزامن مع المعرض، قال الناقد عبد العزيز علون إن فاتح في عيشه مع أصدقائه تجاهل فقر السنين الأولى، وعناد الأهل تجاه فنه، كما تعايش مع طفليه اللذين كان قدرهما أن يكونا من ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب زيجة الأقارب وأقبل على الحياة والفن بنفس منفتحة. لكن الدخول في تفاصيل حياته بقي صعبا، وصارت اللوحة هي المعبر الوحيد إليها. ومن هنا كانت لها خصوصيتها، إذ «لم يقلد فاتح أحدا، وإنما أبدع الجديد، ويعد من أغزر الفنانين العرب؛ فقد ترك خلفه آلاف اللوحات، ولا يوجد متحف فن حديث في الوطن العربي إلا وفيه لوحات له. والعام الماضي سجلت لوحة المدرس أعلى سعر للوحة عربية في المزاد العالمي الذي أقيم في دبي».

فاتح المدرّس ولد في حلب 1922 ودرس فيها، وفي الكلية الأميركية في (عاليه) و«أصبح علامة فارقة في الفن الحديث، حتى غدا بالإمكان الكتابة عن اللوحة قبل المدرّس وبعده».