إشكالية التجريب والحداثة في الرواية العربية

روائيون ونقاد عرب في حوارات حول واقع الرواية العربية وآفاقها

TT

افتتح محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، يوم الإثنين الماضي، ندوة حوار الرواية العربية بالحديث عن التحديات التي يواجهها هذا الجنس الأدبي على مستوى الانتشار والتلقي. وقال: «إن مقارنة ما يطبع ويوزع من روايات عندنا بأرقام الطبع والتوزيع في الدول الأخرى يثير الإحساس بالخجل».

ولخّص الإشكالية المطروحة على أنظار النقاد والروائيين العرب اليوم في كونها إشكالية قراءة وتواصل ونشر وإيصال الرواية العربية إلى الجمهور العريض. واضاف أن الأمل من عقد ندوة حوار الرواية العربية بأصيلة هو الخروج بتصورات واقعية لتفعيل آليات نشر ودعم الروائي العربي.

بعد ذلك أعطى مدير الجلسة الدكتور صلاح فضل الكلمة للكاتب المغربي محمد شكري الذي قدم، على عادته، شهادة صريحة حول تجربته الروائية المتميزة (ونص الشهادة منشور في مكان آخر) مركزا على أشكال العلاقة بين الرواية واللغة.

وقدم الناقد المصري صبري حافظ، مداخلة نقدية تحت عنوان «جماليات الرواية العربية الجديدة من خلال الكتاب الشباب ـ جيل التسعينات». تناول فيها بالتحليل الروايات التي ظهرت في هذا العقد وتميزت بحساسية فنية جديدة تحبل بتحول كبير في علاقة الإنسان بالمكان، حيث أثر التمدد الهندسي العشوائي اليائس لفضاء المدينة في ظهور نصوص تحاكي هذا التمدد، تطغى عليها التفاصيل والتجاورات العشوائية وتغيب فيها الاعتبارات الهندسية التقليدية، كما لاحظ حافظ أن التشوه الجمالي الذي طال المكان قد انعكس على هذه النصوص، فطغى عليها الإحساس بالهشاشة والوعي بفقدان الترابط. وقد عكست هذه الظواهر النصية التحول الفكري الكبير الذي طبع الرواية في هذا العقد، الذي انتهت فيه مرحلة الوعي بإمكانية معرفة العالم وتغيره. وأصبح الهاجس الأساسي لهؤلاء المبدعين هاجساً وجوديا نظرا لانهيار القناعات ولطغيان التناقضات على وعي الروائي العربي في هذه المرحلة، كما يتجلى ذلك في أعمال كل من ميرال الطحاوي، نورا أمين، محمد حسان، إبراهيم الفرغلي.

أما الناقد والروائي المغربي مبارك ربيع فركز على علاقة الرواية بالتحول وعلاقة الجماليات بالواقع في ظل ظروف عالمية تجعل كل أطراف العالم تتأثر ببعضها بعضا وتدفع الروائي ليتحرر من الواقع ليبني واقعه الخاص.

وانتقد المحاضر بعض التوجهات الايديولوجية التي قادت الرواية العربية إلى الطريق المسدود، لكنه استدرك بقوله إن الرواية تغتني الآن بالعلوم الإنسانية وإن هناك عودة قوية للوعي الجمالي الإيجابي في النصوص الحالية.

الروائي والناقد محمد عز الدين التازي، قدم مداخلة حملت عنوان «أسئلة للحوار في إطار الرواية العربية»، قدم فيها مجموعة من الأسئلة مست الإشكاليات الكبرى للرواية العربية وتمحورت حول النظرية الروائية والخصوصية ومدى وضوح المدارس الأدبية، التي ينتمي إليها الكتّاب العرب، ومدى وجود ملامح مشتركة بين النصوص المنتمية إلى أقطار عربية متباعدة.

كما طرح التازي سؤال الرواية المكتوبة بلغات أجنبية من طرف كتاب عرب وانطلاقا من متخيل عربي، وأشار إلى إشكالية تصنيف هذه الكتابات. وتطرق كذلك لمشكلة التلقي والتأويل النقدي في زمن عربي أصبح البعض يقيم فيه محاكمات للشخصيات الروائية.

سؤال مستقبل الرواية طرحه كذلك الروائي السوري نبيل سليمان، الذي قدم مداخلة تحت عنوان «التجريب وحقوق الإنسان كأفق روائي»، وذكر سليمان ان التجريب قد دشن الحداثة ثم أوصلها إلى أزمتها، لكنه سيظل دائما الأفق الوحيد الممكن للرواية، معتبرا أن التجريب لا يعني غياب المعنى أو تغييبه.

وركز الناقد المغربي عبد الرحيم العلام مداخلته على «تحولات المشروع السير ذاتي عند نجيب محفوظ»، وقد استهل كلمته بملاحظة الحضور القوي للسيرة الذاتية وتزايد إقبال الكتاب العرب على هذا الجنس الأدبي في العقود الأخيرة بشكل لافت، في حين ظلت علاقة نجيب محفوظ بهذا الفن علاقة إشكالية تثير الكثير من الأسئلة.

وعدد العلام مراحل كتابة السيرة الذاتية عند نجيب محفوظ، التي تنقسم إلى ثلاث مراحل، أولاها مرحلة الكتابة النصية الضمنية من خلال نسبة بعض جوانب سيرته الشخصية لبعض شخصياته، خاصة في كتاب «المرايا». أما المرحلة الثانية فتجلت في جوانب من السيرة الذاتية أنتجها الكاتب في إطار تصريحات خارج نصوص أو في إطار كتب ـ حوارات، أجراها معه نقاد وكتاب مثل صبري حافظ وجمال الغيطاني.

أما المرحلة الثالثة فتجلت في جوانب سير ذاتية قدمها نجيب محفوظ في إطار برامج تلفزيونية أو إذاعية.

بعد ذلك تناولت الكلمة الناقدة الجزائرية رشيدة بن مسعود التي قدمت قراءة لرواية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد)، وقد ركزت المداخلة على جانبين في هذا النص، هما التفاعل النصي ودلالة الشخصيات، ولاحظت حضور الاستشهادات النثرية والشعرية بقوة في نص مستغانمي، كما اشارت إلى البنية المرآوية للعلاقة بين الشخصيات وللتجاذبات التي تنشأ بينها.

وقد اختتمت الجلسة بقراءات شعرية قدمتها الشاعرة فيرا دوارتي الحائزة جائزة تشكايا اوتامسي لهذه السنة واهدتها للروائي البرازيلي الكبير جورجي امادو الذي رحل قبل أيام.