الجزائر تلتفت جنوبا وتكتشف وجهها الأفريقي

200 عنوان أدبي للاحتفاء بكبار كتاب القارة السوداء

TT

المهرجان الثقافي الأفريقي الثاني الذي احتضنته مدينة الجزائر وبعض المدن الجزائرية الكبرى، كان فرصة حقيقية لاكتشاف الآداب الأفريقية المتنوعة، التي ظلت غائبة عن المشهد الأدبي الجزائري على الرغم من قربها الشديد منه وتشابه التجارب في كثير من الوجوه. ومع التظاهرات والمنشورات المتعددة، اكتشف الجمهور الجزائري تلك الصورة الغائبة للأدب الذي يصفه البعض بـ«الأسود» نسبة إلى تلك القارة، وبعضهم يعتبر تلك التسمية استعمارية. وفي كل الحالات حضرت الآداب الأفريقية إلى الجزائر بشكل غير مسبوق مع هذا المهرجان الذي أثار الجدل الثقافي وحتى السياسي.

الجزائر التي تقع في شمالي القارة الأفريقية، كثيرا ما تنازعتها نظرتان، الأولى إلى الشمال حيث لا يفصلها عن أوروبا إلا البحر الأبيض المتوسط، والثانية إلى الشرق حيث محيطها العربي. وكانت الجزائر قد جربت نظرة أخرى، إلى الجنوب حيث امتدادها الأفريقي، قبل أربعين سنة عندما استضافت المهرجان الثقافي الأفريقي الأول في صيف 1969 بعد سنوات قليلة من استقلالها، وكاد الجميع يعتقد أن تلك هي الدورة الأولى والأخيرة للمهرجان، قبل أن يتقرر تنظيم دورة ثانية في المكان نفسه وفي الوقت نفسه من السنة. بعد أربعين سنة، ومع أن التركيز يبدو كبيرا على فنون الرقص والفلكلور والأغاني الطقوسية، فإن الملاحظ هو الحضور الأدبي الأفريقي الجديد وبشكل غير مسبوق حتى غدت مدينة الجزائر عاصمة حقيقية للأدب الأفريقي، ويتمنى الكل ألا يكون ذلك بشكل مؤقت.

«منشورات البيت» التي يديرها الشاعر أبو بكر زمال، أصدرت بالمناسبة سلسلة من الأنطولوجيات الأدبية الأفريقية، أولها «ألوان الأدب الأسود» للكاتب والمترجم الجزائري إدريس بخاري، الذي تمكن من جمع نتاج 25 كاتبا أفريقيا ومن هاييتي من الكتاب الناطقين باللغات الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية والبرتغالية. وعن المنشورات نفسها صدر للكاتب الصحافي الإريتري محمود أبو بكر «مرايا الصوت». وهي أول أنطولوجيا من نوعها للأدب الإريتري المعاصر المكتوب باللغة العربية ذي الامتداد الأفريقي من جهة والعربي من جهة أخرى نتيجة لقربه الشديد من شبه الجزيرة العربية. كما صدرت أنطولوجيا عن الأدب السوداني بعنوان «غابة صغيرة»، إضافة إلى أنطولوجيات أدبية أفريقية أخرى صدرت تباعا خلال أيام المهرجان.

وتستضيف الجزائر على مدى أسبوعين تقريبا نخبة من الأدباء والشعراء الأفارقة فيما عرف بـ«إقامات إبداع» على غرار ما حدث قبل سنتين في إطار تظاهرة «الجزائر عاصمة للثقافة العربية». فقد حضر بعض الكتاب الأفارقة المشهورين عالميا على غرار تانيلا بوني من ساحل العاج، وسامي تشاك من الطوغو، وأوجين إيبودي من الكاميرون، وإبراهيم آيا من مالي، كما يحضر بعض الكتاب الجزائريين المشهورين على غرار أنور بن مالك وحميد سكيف وسيكون الروائي رشيد بوجدرة ضيف شرف «إقامات الإبداع» هذه، التي ستتحول بؤرة للنقاش الأدبي والثقافي عموما، وستسفر عن نصوص أدبية جديدة ينتجها هؤلاء الأدباء، ثم يطبع النتاج في كتاب ضخم، ويصدر كتاب آخر يلخص صور المهرجان مطعما بالنصوص التي كتبت في إطار هذه التظاهرة.

ولا تتوقف استضافة الجزائر للأدب الأفريقي عند هذا الحد، فمن المقرر أن يصدر 200 عنوان أدبي خلال هذه التظاهرة بحيث يعاد نشر أعمال أدباء كبار من أفريقيا والكراييب، بينهم كتاب من الجزائر وجنوب أفريقيا والمارتينيك والكونغو وساحل الحاج وبوركينا فاسو وغيرها من الدول. ولا يقتصر أمر النشر على الدور الجزائرية، فقد تم التعاقد مع سبع دور أجنبية أشهرها «غاليمار» و«آكت سود» بعد شراء حقوق إعادة نشر 115 عنوانا ثقافيا.

أخيرا التفتت الجزائر جنوبا لتكتشف وجهها الأفريقي الضارب في التاريخ والجغرافيا، ويأمل محبو «وجه الجزائر الثقافي الأفريقي» ألا تكون تلك الالتفاتة عابرة. فالجزائر المنفتحة دوما على الجهة الشمالية، والمفتخرة ببعدها العربي، لها وجه أفريقي لا يمكن نكرانه، ولا تكتمل الصورة الثقافية في هذا البلد مترامي الأطراف إلا به.