عبد الله المعيقل: طفرة الروايات السعودية نتاج طبيعي وليست نبتا شيطانيا

يرى أن «سوق عكاظ» مرشح لاحتلال الصدارة الثقافية سعوديا وعربيا

عبد الله المعيقل: مناهج النقد عندنا مفتوحة على كل التيارات («الشرق الأوسط»)
TT

يرى الناقد السعودي الدكتور عبد الله المعيقل، أستاذ الأدب العربي الحديث والأدب السعودي في جامعة الملك سعود في الرياض، أن الروايات السعودية الشبابية التي عرفتها البلاد منذ خمس سنوات، تأتي ضمن سياق التدرج الطبيعي الذي شهدته الرواية، وهي مؤشر إيجابي، ورفض التقليل من دورها.

وكشف المعيقل أن موعد انعقاد مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث الذي تتبناه وزارة الثقافة والإعلام سيكون في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، وسيصدر بالترافق معه «قاموس الأدب السعودي» عن دارة الملك عبد العزيز.

من جانب آخر، تحدث المعيقل عن (سوق عكاظ) آخر المهرجانات الثقافية السعودية الذي تلقى هذا العام جرعة من النشاط، معتبرا أنه (مرشح لأن يكون أهم حدث ليس في المملكة فحسب، ولكن في العالم العربي)، وقال إن المثقفين السعوديين يتوقعون من هذا المهرجان (أن يستعيد روح التسامح والانفتاح التي كانت من سمات هذا السوق تاريخيا)، مشيرا على نحو الخصوص إلى مكانة المرأة وحضورها الثقافي في سوق عكاظ، داعيا للنظر (في إمكانية حضور النساء ومشاركتهن بدون القيود التي تفرض عليهن في المناسبات المشابهة وحتى لا يظل الإقصاء يلاحق المثقفة أينما ولت وجهها).فيما يلي الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» في الدمام مع الدكتور عبد الله المعيقل

* بعد نحو خمس سنوات من طفرة الروايات الشبابية في السعودية.. كيف تقرأ هذه التجربة؟

ـ كلمة «طفرة» تتكرر دائما في وصف ظهور عدد من الروايات الكثيرة في المملكة في فترة زمنية قصيرة، وفي ظني أنها طفرة صحية ومحمودة، وليت لنا طفرات مشابهة في مجال المسرح والسينما وغيرها من الفنون، لأنها وضعت الرواية السعودية فنيا في مستوى الكثير من الروايات العربية والعالمية، ويجب أن يسعدنا ذلك.

* ألا ترى أنها كانت مجرد «فقاعة»؟

ـ أرى أن استعمال كلمة « فقاعة» يراد منه التقليل من شأن هذه الأعمال، خاصة إذا ما قرنت كذلك مع كلمة «طفرة» بما تعنيه هذه الكلمة من استعجال أو ما يسمى «سلق» في كتابة العمل الروائي وطرحه في الأسواق قبل أن يتهيأ له النضج الفني، إنها في رأيهم لا تلبث أن تكون طفرة محدودة بزمن معين.

* عودا إلى الروايات، كيف تفسر ظهور هذا العدد في وقت قياسي؟

ـ الذين يستغربون كثرة صدور الروايات يغفلون تدرج الرواية السعودية وتطورها تاريخيا على عدد من المراحل، وكأن ما حصل يأتي من فراغ دون أن يكون له جذور سابقة، فروايات (التوأمان) و(الانتقام الطبيعي) و(فكرة) و(البعث) كانت بدايات كتابة الرواية بالرغم من تواضعها الفني وتركيزها على الجانب التربوي والإصلاحي، فإنها تمثل للدارس البذرة الأولى كمرحلة من مراحل الرواية لا يمكن التقليل من دورها في التعريف بأهمية هذا النوع من الأدب والتنبيه على مكانته واستغلال دوره في توجيه رسائل إصلاحية هادفة في وقت مبكر من تاريخنا الأدبي.

تلت هذه المرحلة روايات واكبت حياة الاستقرار في المدن وانتشار التعليم والنمو الاقتصادي وبروز المجتمعات الحديثة في بلادنا، وبداية الانفتاح والتواصل مع المجتمعات الأخرى، وصورت الصراعات بين الأجيال وبين القديم والحديث. ويمكن هنا أن نشير إلى روائيين على سبيل المثال هما حامد دمنهوري وإبراهيم الناصر.

* وماذا بشأن الروايات المعاصرة؟

ـ ما نعيشه الآن ومنذ صدور روايات «شقة الحرية» و«ثلاثية» تركي الحمد ومرورا بروايات عبده خال، ورجاء عالم، وليلى الجهني، ورجاء الصانع، وأميمة الخميس، وبدرية البشر، وصبا الحرز، وعبد الله التعزي، ومحمود تراوري، والدويحي، والشمري، والبخيت، والبلوي، يمثل في نظري تطورا للمراحل السابقة، إذ استمر معهم تصوير الواقع وإعادة صياغة معطياته وتصوير البيئة المحلية ونقدها في أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية. ولكن هذه المرة بشيء من الجرأه في الحديث عن الجنس وما كان ينظر إليه سابقا على أنه من الممنوعات أو المسكوت عنه. ورافق هذا كله تطور في لغة الرواية فظهرت اللغة الشعرية والرمزية المكثفة واستخدم التوظيف الأسطوري وتقنية الكتابة الروائية الحديثة، وأصبحت الرواية بوتقة تصهر ما يجتمع فيها من شخصيات وأفكار وأمكنة وأزمنة وتخرجه لنا في عالم حي من المتعة والفائدة.

* هل تتواصل في اعتقادك تجربة الجيل الجديد من الروائيين مع التجارب السابقة؟

ـ أرى أن عددا كبيرا من الروايات، الذي قد ظهر في السنين الأخيرة، كان امتدادا طبيعيا للتطور الزمني في هذا الفن ولا يمكن أن يكون نبتة شيطانية.

* على ماذا يعتمد هذا العدد من الروايات؟

ـ هذا الكم من الروايات يواكب التحولات في المجتمع السعودي، ويرصد تفاصيلها وهي تحولات سريعة على كل الأصعدة في المملكة بما تحتله من مساحة وما تضمه من مناطق عديدة، وما تمثله هذه المناطق من سكان وثقافات وعادات وتاريخ وفنون، ضمن هذا التحول والتطور الذي تشهده المملكة، مما يشكل منجما ثريا لا ينضب للمبدع الروائي. ودعوني أستشهد هنا بما تقوله مليحة شهاب: «في ظل مجتمع يهجس بمحرماته تأتي الرواية السعودية وكأنها الطريق الأقصر والأسلم أمام ذوات واعية تعبت من صمتها حتى كادت أو بالفعل نسيت الكلام مشافهة فقفزت إلى الكتابة».

* كأنك ترى أن الأعمال الروائية التي صدرت تمثل سياقا واحدا؟

ـ الكلام عن الرواية لا يعني عدم وجود روايات ضعيفة فنيا أو روايات بالغت في التركيز على الجنس وتوظيفه بطريقه فجة، لكن هذا لا يقلل من أهمية الروايات الأخرى. والواقع أن الإصدارات الشعرية الرديئة الآن تفوق الإصدارات الجيدة ومع ذلك لا أحد يشير إلى هذا، فالأنظار كلها تتوجه إلى الرواية فحسب، ولا يخامرني شك في أن الرواية في المملكة الآن تؤسس لمرحلة مهمة في تاريخها وتاريخ الأدب السعودي.

* هل ترى أن النقد الأدبي يتواكب في مساره مع حركة الإبداع المحلي؟

ـ أرى أن النقد الأدبي في المملكة يواكب الإبداع المحلي ويتفاعل معه، وذلك ظاهر للعيان في ملتقيات الأندية في الصحافة الثقافية وفي إصدارات أخرى. ويبدو أن من لا يرى هذه المواكبة يفكر في غياب صدور دراسات مستقلة تعنى بإنتاج أديب واحد، وهذه مرحلة انتهت، لدينا الآن دراسات تركز على الظاهرة الواحدة أو الظاهرتين عند أكثر من كاتب. ويبدو أن بعض الأدباء لا يرضيهم إلا أن يكتب عن الواحد فيهم منفردا، ومن هنا صرنا نسمع مقولة إهمال النقاد للإبداع الجديد، وقد يعكس هذا أحيانا ما تقوله من عدم الثقة أو من توتر العلاقة وعدم التواصل بين المبدع والدارس.

* لكن الأدباء لديهم عتب دائم على النقاد؟

ـ أرى أن المبدع ينبغي أن يكتب وفي ذهنه إتقان صنعته وليس الاهتمام بالنقد، ومتى كان العمل جديرا بالتفاتة الباحث والناقد فإنه سيجد طريقه إليه، كما أن المسألة ليست بكثرة الأعمال فأحيانا عمل واحد كاف للفت الانتباه.

* لِم لَم نشهد تطورا في سياق النقد يخرجه من النسق الكلاسيكي لينفتح على كافة المدارس الأدبية والثقافية؟

ـ لدينا نقد خارج النسق الكلاسيكي والانطباعي ومنفتح على كافة المدارس النقدية، لكن السؤال هو كيف فهم بعض نقادنا هذه المدرسة أو تلك وكيف تم توظيفها في دراساتهم، فالبعض منهم لا يعرف لغة أجنبية ومعرفته بهذه المدارس والنظريات الغربية تعتمد على الترجمات. والواقع أن استيعاب هذه النظريات حتى في لغتها الأصلية يحتاج إلى خلفية ثقافية معينة، فما بالك بقراءتها مترجمة من لغة إلى أخرى، فقد تكون الترجمة غير دقيقة مما يقود إلى فهم مغلوط لهذه النظرية ومن هنا يحدث الخلل.

* هل ترى أن كليات الآداب في الجامعة تؤهل طلابها للتعاطي مع الأطياف الإبداعية الحديثة أم ما زالت متسمرة في مناهج نقدية قديمة؟

ـ إذا كان السؤال عن مناهج النقد في جامعة الملك سعود، فنحن ندرس النقد الأدبي القديم والحديث، العربي والغربي وتعليمنا مفتوح على كل المناهج والتيارات.

* أين وصل مشروع موسوعة الأدب السعودي، هل هناك محاولات لتلافي ما اعتبر وقتها نقصا في فروع وأجزاء الموسوعة؟

ـ موسوعة الأدب السعودي صدرت منذ مدة ولا يوجد عمل كامل من كل نقص، وهي مصدر مهم وأساسي لكل دارس للأدب السعودي منذ الربع الأول من القرن العشرين وبكل فنونه، فإلى جانب المقدمات النقدية لكل جنس أدبي هناك نصوص تمثل كل مراحل تطور هذا الجنس، وقد صدر مجلد باللغة الإنجليزية يحتوي على مقدمة تعريفية ونماذج من كل الأجناس الأدبية، وقد احتل هذا المجلد مكانه في مكتبات الجامعات الأجنبية والمؤسسات الثقافية ولا يزال استمرار الطلب عليه جاريا من مؤسسات تعليمية أخرى.

* هذه السنة يشهد «سوق عكاظ» حركة أدبية وفنية، كيف ترى تأثير ذلك على الثقافة المحلية؟

ـ «سوق عكاظ» حدث ثقافي كبير ومرشح لأن يكون الحدث الأهم والأكبر في المملكة بما يحمله من عمق تاريخي فقد كان أكبر أسواق العرب في الجاهلية وبما كان يجري فيه من لقاء بين القبائل العربية وما يتبع ذلك من تنافس في النشاط الشعري والخطابي والتجاري وحتى على مستوى العلاقات بين القبائل، لكون السوق مكانا مهما للتجمع حيث تسود روح التسامح وتناسي الأحقاد والتنازل عن الثارات بين الخصوم والأقران.

وأشير إلى أنه مرشح لأن يكون أهم حدث ليس في المملكة فحسب ولكن في العالم العربي لأسباب كثيرة أولها تزامن إحيائه مع تعيين الأمير خالد الفيصل أميرا لمنطقة مكة المكرمة، فهو صاحب التجربة الثقافية البارزة والمذهلة في منطقة عسير، وهو المثقف والشاعر الذي يملك من الرؤية والحماس وحساسية الفنان ما يحقق لهذا السوق المكانة التي تميزه عن كل الملتقيات، وثاني الأسباب هو تاريخ هذا السوق والروح المتسامحة التي كانت ترافق ما كان يحدث فيه من نشاط في زمن ماض والتي يمكن أن تكون بمثابة المثال الذي يحتذى للمنظمين والمشرفين على أنشطة السوق في وقتنا الحاضر.

* كمثقف وناقد، ماذا تطمح أن ترى في مشروع سوق عكاظ الثقافي؟

ـ ما نريده للسوق هو هذا الاختلاف الذي أشار إليه الأمير خالد الفيصل أكثر من مرة. ينبغي أولا أن نستعيد روح التسامح والانفتاح التي كانت من سمات هذا السوق تاريخيا، وأن تنعكس هذه الروح على ما يجري فيه من أنشطة، ولنبدأ أولا بالبرنامج الثقافي، ففي هذا المجال يجب أن ينظر في إمكانية حضور النساء ومشاركتهن بدون القيود التي تفرض عليهن في المناسبات المشابهة وحتى لا يظل الإقصاء يلاحق المثقفة أينما ولت وجهها وتجربة الأندية لا تزال ماثلة في الأذهان. وأذكر هنا أن منى المالكي «أديبة وكاتبة ومسؤولة في نادي الطائف والسوق» كتبت عمودا في نشرة السوق للعام الماضي حمل نقدا ساخرا جاء على لسان الخنساء التي استغربت من حفيداتها وجودهن في خيمة يتابعن الحدث الثقافي عن طريق التلفزيون.. وما حدث هذا العام يعتبر خطوه جيدة إذا تبعتها في العام القادم خطوات تعجل بهدم بقية الحواجز.

* كيف تقيم تجربة هذا العام؟

ـ تابعت هذا العام الأوراق من خلال بث قناة السوق ولست بصدد تقييم ما جاء فيها، لكنني أظن أن مثل هذا النشاط بالصفة التي قدم فيها لا يمثل روح السوق التي أشرنا إليها من قبل والذي قام أصلا على عنصر المنافسة. الندوات التي رأيناها تشبه ما تقوم به الأندية في مؤتمراتها وملتقياتها وكذلك الأمسيات الشعرية هي مجرد تكرار لأماسينا الكثيرة على مدار العام في شكلها وطريقة تقديمها. وإذا كان لابد من الإبقاء على هذا النوع من الفعاليات، فإني أقترح أن يضاف إليها أنشطة تتمشى مع الروح التنافسية التي عرف بها السوق في شكل مبارزات أو مسابقات في إلقاء الشعر وفي حفظ الشعر، في الخطابة، في المساجلة الشعرية، يقوم بها عدد من طلاب المدارس في مدينة الطائف بناء على ترشيح مدارسهم وتقوم لجنة تحكيم فوري بإعلان الفائز أمام الجمهور بعد أن تستمع إلى المتسابقين، ويمكن أن يضاف أيضا مسابقات أخرى في المسرحية وغيرها من الفنون، وحتى «جائزة شاعر سوق عكاظ» يجب أن يفكر في آلية تحكيم جديدة بعد الذي حصل هذا العام والمهم أن يختلف نشاط السوق عن ما عرفناه وألفناه.