الرواية النسائية السعودية.. رحلة بحث مضنية عن الذات

ناقدات سعوديات يقيّمن تجربة الأعمال السردية النسائية

TT

خلال السنوات العشر الماضية، برزت مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية لمجموعة من الروائيات السعوديات، بعض هذه الأعمال حمل بصمة نوعية في مسيرة الرواية، كأعمال رجاء عالم، وأميمة الخميس، وليلى الجهني، وزينب حفني، وأخريات تمكنّ من إنضاج تجربة العمل الروائي السعودي، لكن الكثير من الأسماء النسائية، وبعضها كانت تحمل أسماء مجهولة، على الرغم من أنها قدمت عملا ثريا في اللغة والرواية مثل رواية طيف الحلاج «القِران المقدس»، أو «الآخرون» لصبا الحرز، قاربت الممنوع واتخذت من المكبوت الجنسي عنصرا ترتكز عليه، مما أعاد النقاش في حقيقة هذه التجربة السردية وإمكانية نموها بعيدا عن افتعال الصدمة تجاه المجتمع.

التحقيق التالي، يستطلع آراء أربع أكاديميات وناقدات سعوديات حول التجربة السردية النسوية، وبعض المشارِكات في هذا الاستطلاع سبق أن قدمن دراسات حول الأعمال الإبداعية النسوية، خاصة في مجال الرواية.

* د. سعاد المانع:

* الجرأة لا تعني التميز

* ترى الدكتورة سعادة المانع، أستاذة النقد الأدبي في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، أن السرد النسائي السعودي، شهد تطورا ملحوظا، حيث توجد هناك كتابات بارزة ومهمة، وتميزت بعض الروائيات السعوديات بتقنيات عالية.

ولاحظت المانع أن روايتي أميمة الخميس «البحريات»، و«الوارفة»، تميزتا بدرجة عالية من السردية المتقنة، مشيرة إلى أن الكاتبة حاولت في هاتين الروايتين تصوير المجتمع السعودي بطريقة واضحة. كما أن الروائية السعودية رجاء عالم استطاعت، هي الأخرى، في بعض أعمالها الروائية، التي اتسمت بتقنيات محكمة، أن تصور بيئة مكة التي عاشت فيها، وتصور من خلال روايتها مرحلة تاريخية مهمة في حياة المدينة.

وتقول المانع إن السرد النسائي السعودي يحتفظ في بعض منه بكثير من المعايير الإبداعية السردية الجيدة في ظل وجود أعمال نسائية أخرى ذات مستويات متدنية. لكنها ترى، في الوقت نفسه، أن ثمة تحديات تواجه تطوير الأعمال السردية النسائية، تأتي في مقدمتها وجود مناطق حساسة في المجتمع، معتبرة أن ذلك يشل قدرة الكاتبات المحليات في تسليط الضوء حول تلك المناطق الاجتماعية المحظورة، على الرغم من وجود محاولات في الرواية والقصة تمكنت من أن تقتحم هذه المناطق بجرأة، وإن كانت الجرأة في حد ذاتها لا تكفي، خاصة إذا كانت لمجرد جلب الإثارة أو لفت الانتباه من خلال لمس مناطق محظورة، بعيدا عن أهمية السمة الفنية لهذه الأعمال الروائية.

* منى المديهش: ليس تطورا

* من ناحيتها تعتقد الأكاديمية السعودية منى المديهش، المحاضرة في كلية اللغة العربية بجامعة الملك سعود، التي سبق أن حصلت على ماجستير في النقد الأدبي للرواية السعودية، أن وجود أسماء نسوية جديدة على ساحة السرد، يشير إلى تنامي حضورهن في المشهد الإبداعي من حيث العدد، لكن ذلك لا يعني بالضرورة زيادة في حجم المنجز السردي الذي ينتمي للمرأة.

وقالت المديهش: «ما حدث في العشر سنوات الأخيرة، أن الرواية السعودية تضاعف عددها، وشهدت موجة كبيرة من دخول أسماء متعددة من الجنسين؛ لكن دخول اسم نسائي جديد يصاحبه دخول عدة أسماء من الرجال، وعلى هذا ظلت النسبة كما هي!

ومن حيث المستوى قالت المديهش: «قد يبدو رأيي في تطور السرد النسوي مخالفا لكثيرين؛ لكن لا مناص من القول إنه في مجال الرواية ـ وهي الفن الذي سأتخذه نموذجا ـ لا أعد الإنتاج النسوي المعاصر تطورا. ونستطيع القول إنها نوعت بعض أدواتها الفنية فحسب. إن التطور في نظري هو ما يحدث نقلة في صعيدي الفن والموضوع، ولا أعد المحاولات التي نشأت مؤخرا تشكل تطورا في الرواية السعودية. وعلة ذلك أن أغلب المشتغلات حديثا على الكتابة الروائية أعدن منظور «سميرة بنت الجزيرة» نفسه قبل ما يزيد على الثلاثين عاما، وهو الاتكاء على المخالف والمتجاوز اجتماعيا، في حين لم يكن للطرح الثقافي بأفقه الأوسع، والحضاري بنظرته الأشمل، أي وجود في النصوص الروائية».

وأضافت: «إن مستويات البناء وطرائق السرد لم يطرأ عليها تطور مشهود، حتى إن أجادت إحداهن في ناحية، أخفقت في نواح أخرى مما يمنع تكون النص القوي أو المنافس عربيا، في المقابل تجد أن الاشتغال الكتابي المحترف يتوفر في الساحة الآن، في فن المقال أكثر من الرواية، فزوايا مثل التي تكتبها الدكتورة لطيفة الشعلان، وإيمان القويفلي، أجدها شكلت نقلة على صعيد كتابة المقال الفنية في السعودية، ونافست عربيا، وهي لم تصل إلى منافسة الآخر إلا حين نافست ذاتها، وتخلصت من إنشائيات الطرح النسائي السائد وبكائياته».

هيفاء الفريح: السرد السعودي أثبت جدارته

وبرأي هيفاء الفريح، وهي باحثة في السرد السعودي، إن واقع السرد الروائي السعودي من حيث الموضوعية والتناول والالتزام التكنيكي والفني أثبت جدارته على عدة أصعدة، وقالت: «لدينا روايات ناجحة، وممثلة لأشكال تكنيكية مختلفة، منها روايات رجاء بعالمها الأسطوري، وروايتي أميمة الخميس بعالمهما الواقعي، وروايات مها الفيصل بعالمها الخرافي».

وهي ترى أن «أغلب الروايات مرايا عاكسة للمجتمع، وهذه المرايا تختلف من روائية لأخرى، فمنهن من كانت مرآتها مستوية، فصورت المجتمع السعودي كما هو، وبالتالي عكست الحالة النسائية فيه بشكل صادق، ومنهن من قعرت مرآتها أو حدبتها، فكانت إما مضخمة لوضع المرأة السعودية في المجتمع، أو مصورته مثاليا أفلاطونيا».

وتعتقد الفريح أن السرد النسائي السعودي في السنوات العشر الأخيرة يسير جنبا إلى جنب مقارنة بالسرد العربي، مؤكدة في الوقت نفسه أنه لا يمكن أن نطلق على كل نتاج عنوان «رواية»، وهو ليس له نصيب منها سوى حكايات المجالس.

* نورة القحطاني: البحث عن حقوق

* من جانبها تؤكد نورة القحطاني، وهي باحثة في الرواية المحلية، وحاصلة على الماجستير في الأدب الروائي السعودي عن بحث بعنوان «صورة المرأة السعودية في الأدب الروائي السعودي»، على الفكرة التي نادى بها رولان بارت وهي أنه «لا يستطيع أحد الكتابة من دون أن يتخذ موقفا انفعاليا مما يحدث في العالم». ولذلك فهي ترى أن الروائية السعودية صورت رؤيتها لقضيتها عبر لغة انفعالية حادة أحيانا، وهجومية أحيانا أخرى، لتعري الحقيقة وتنتزع اعترافا بأهمية وجودها في المجتمع.

وقالت القحطاني: «إذا أخذنا بعين الاعتبار الأوضاع الاجتماعية التي تمارس ضغطها بشكل مباشر وغير مباشر على الكاتبة السعودية، فإن رواياتها جاءت إثباتا للذات أمام البعض ممن جعلها تبحث عن وسيلة تواصل مع الآخر تسجل فيها ما يجيش في نفسها من تناقضات وأحلام مكبوتة، ورغبات مخبوءة، حيث استحوذت الشخصيات النسائية على اهتمام الكاتبة، فصورت لنا صراع المرأة مع تحولاتها النفسية الداخلية، وما يضطرم به المجتمع النسائي من قضايا وهموم. وتوحدت الروائية مع بطلاتها للتعبير عن رؤيتها، وغضبها وموقفها من التقاليد الاجتماعية السائدة في مجتمعها، فأحاطت بطلاتها بهالة ساطعة مؤثرة من الصبر والصمود أمام ظلم الرجل، الذي غاب صوته في معظم رواياتها كشخصية إيجابية. وتضيف القحطاني: «ترجع لتلك الأسباب فقدان الكاتبة الموضوعية في معالجة معظم المواقف، فتحيزت للمرأة التي سيطرت على الفضاء الروائي، واتسمت لغتها بطابع التقريرية والهجومية، وعجزت عن النهوض ببنائها الفني، الذي عبر عن ضعف التجربة لدى بعض الروائيات، أو ضعف نضجها كفكرة وموقف، ما أدى إلى فقد بعض الروايات للألق الفني في كثير من المواقف التي تحولت فيها الرواية إلى مقالة وعظية طويلة».

وتعتقد القحطاني أن الروائية السعودية ترمي إلى تحريك المسكوت عنه، وتغيير بعض النظم الاجتماعية، لتنفي صحة النظرة السلبية التقليدية لها، كمجرد كائن هامشي، ما أمكنها إلى ذلك سبيلا، ولذا اندفع الجيل الجديد من الكاتبات إلى تفجير المكبوت والمتراكم عبر الزمن لتعلن عن تمردها على عزلتها وعلى الصورة التقليدية المعروفة عن المرأة التي لا تبوح ولا تصرح بما يموج بداخلها من آلام وحسرات. وقالت إن من ينظر إلى الرواية كمرآة عاكسة للواقع تماما هو من يعتقد إساءة هذه الروايات إلى المرأة السعودية واختزالها في صورة واحدة، لأن الرواية فن يعنى بقضية تشغل الكاتبة وتضغط عليها لتخرج في النهاية في قالب فني يحتوي في مضمونه على قضايا المرأة وأحلامها.

وترفض القحطاني القول إن بعض هذه الروايات كانت سببا في تشويه صورة المرأة السعودية، لأن كثيرا من القراء يعي تماما أنه يقرأ نصا خياليا وليس نصا تاريخيا ينقل الحقائق ويسجل الواقع بحرفية، وإن كان هناك خروج عن المألوف في بعض الروايات التي تناولت الجنس بصورة مكشوفة، فمرد ذلك إلى ضعف تجربة الكاتبة وعدم وعيها بتقنيات الرواية، خاصة التجارب الأولى، وهي في ذلك لا تختلف كثيرا عن نظيرتها العربية في قضاياها النسوية ومضامينها، إلا أنها تختلف في حصر تجربتها في حدود ضيقة يحصرها المجتمع داخل دوائرها. وهي تعتقد أن المستقبل سيحمل لنا كثيرا من التألق للرواية النسائية في ظل الانفتاح الثقافي والمعرفي للمجتمع.