كتّاب ونقّاد يتناولون الآفاق المستقبلية للرواية العربية

دور التحولات التاريخية الجديدة في إخراج الرواية العربية الكبرى إلى الوجود

TT

خصص المحور الأخير من ندوة «حوار الرواية العربية» للحديث عن آفاقها المستقبلية وامكانيات تطورها. وكان فؤاد التكرلي قد قدم المداخلة الأولى في هذا المحور واستهلها بالحديث عن علاقة الفن الروائي بالحياة الاجتماعية والروابط اللصيقة والحميمة التي تجعل هذا الفن مشتبكاً مع الحياة، مما يدفع للتساؤل حول تأثير الأحداث التاريخية الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية على روايتنا وموقع الكاتب الروائي من هذه التحولات الكبرى التي شهدناها في العقود المنصرمة.

ولاحظ المتدخل ان الروائيين العرب وجدوا أنفسهم في الغالب عاجزين عن مواكبة الأحداث الكبرى فاكتفوا بالفتات، وان ما أنتج من أعمال روائية لا يوازي أهمية الأحداث التي شهدتها المنطقة مما يدفع لاستنتاج ان ثمة معوقات تمنع السرد العربي من الرقي الى أهمية الأحداث.

وتساءل فؤاد التكرلي عن التحولات التاريخية الجديدة التي ستشهدها بداية القرن الواحد والعشرين ومدى تأثيرها على الابداع العربي ومساهمتها في اخراج الرواية العربية الكبرى الى حيز الوجود. وحدد المتدخل مجموعة من العوامل الايجابية التي تشير الى تفتح محتمل للآفاق أمام الرواية العربية اعتبر أهمها هذا الاقبال الذي يلاحظ على كتابة الرواية وقراءتها وتوزيعها. وقال ان هذا الحماس والاندفاع يبشر بتحولات طيبة بعد ان يحدث نوع من الانتقاء الطبيعي لصالح النصوص الجيدة على حساب الروايات غير المتميزة.

وتدخل بعد ذلك د. حليم بركات فقدم عرضاً تحت عنوان «مستقبل الرواية العربية /أقنعة الهوية». واستهل عرضه بالربط بين مسار الرواية العربية والسياق الثقافي والحضاري العام الذي يعيش في ظله العالم العربي، وقال ان الرواية العربية ستزداد تميزاً وفرادة في المستقبل بسب تعمق احساسنا بهويتنا المهددة.

وربط د. حليم بركات تحولات الرواية العربية بالتحولات والتحديات التي تواجه الواقع العربي في زمن العولمة، هذا الواقع الذي يسير عكس الاتجاه المرغوب فيه وضد قيم الحداثة والتحرر. واعتبر المحاضر ان الرواية مرآة ومنارة تؤثر في المجتمع وتتأثر به وتساءل حول مدى تأثير الوضع الاجتماعي العام في العالم العربي على السرد والابداع الروائي خلال السنوات القادمة.

وللاجابة عن سؤال آفاق الرواية العربية انطلق المتدخل من ثلاث فرضيات أساسية هي تميز الرواية العربية عن غيرها نتيجة لخصوصيات الواقع العربي، وكون الرواية عملاً إبداعياً لا يعترف بتجزئة المعرفة ولا بالفصل بين الأجناس الأدبية ووجود ترابط وثيق وتأثير متبادل بين هذا الفن السردي والسياق الاجتماعي والتاريخي العام.

وحلل د. حليم بركات في سياق تدخله علاقة الرواية بالهوية على اعتبار ان اغناء الرواية اغناء للتعدد وللهوية المشتركة التي تحترم المغايرة والاختلاف. وركز على وجود الهوية في حالة تحول مستمرة ومتوثبة مما يطرح على الابداع تحديات جديدة باستمرار.

بعد ذلك قدم الناقد محيي الدين اللاذقاني مداخلة تحت عنوان «آفاق الرواية العربية في بدايات الألفية الثالثة»، واستهل عرضه بالحديث عن تأثر الرواية العربية بمجموعة من الروافد المختلفة المصادر مثل الرواية الروسية في الخمسينات والرواية الأميركية (بشكلها الفوكنري والكارثري) والرواية الفرنسية. واعتبر المحاضر ان أفق التوقع بالنسبة لأي عمل فني يجب ان يتركز على الحوار بين المبدع والمتلقي، وقدم مجموعة من الملاحظات حول الوضعية الحالية للرواية العربية تتلخص في سيطرة مفاهيم النفي والاقصاء والاغتراب وتبني فكرة موت المؤلف. كما لاحظ بأن لغة الرواية العربية حاولت الاستفادة من اللغة الشعرية لكنها لم تلجأ الى الشعر الراقي بل الى النصوص الضعيفة والى المصادر والروافد الراكدة مما أضعف ابداعيتها وأثر على علاقتها بالمتلقي.

وأكد الناقد محيي الدين اللاذقاني ان مجمل هذه الظروف أدت الى طغيان نتاج روائي ضعيف متشابه المواضيع، وانتقد التعامل النقدي غير الموضوعي مع الرواية العربية النسائية، وتأثير الرقابة الاجتماعية على الابداع الروائي في بعض مناطق الخليج ونقص أدب البوح والاعتراف لأن الشخصية العربية ما زالت تحفل بالفخفخة الكلامية وتتستر على مناطق الظل الحميمة داخل مسارب الذات. وفي ما يخص التوجهات المستقبلية المحتملة للرواية العربية توقع المتدخل ان يأتي الابداع من مناطق سيطر عليها الصمت الرصين لفترة طويلة مثل مناطق الخليج العربي، كما توقع ان يتعزز أدب البوح في المستقبل مع اكتمال نضج الشخصية العربية وتمكنها من الحديث عن انكساراتها وانتكاساتها بالصدق والجرأة اللازمتين. بعد ذلك تدخل الباحث د. أنور المرتجى الذي قدم عرضاً يعتمد على الخلفية النظرية لفكرة ما فوق التخييل استعرض فيه التقسيم الذي تطرحه هذه الفكرة للنصوص الروائية والابداعية الى نصوص يطغى عليها الاهتمام المعرفي وأخرى تحتفي بالبحث عن ماهية العالم الروائي وبنيته وأدواته. وعلى ضوء هذا التقديم النظري حاول الباحث تقديم قراءة لرواية «لا أحد ينام في الاسكندرية» لمؤلفها ابراهيم عبد المجيد فخلص الى تأثير المكان الكوسموبوليتي المتعدد الأعراق والأجناس الذي تصفه هذه الرواية على عوالمها وعلى طرحها لمفهوم الاختلاف والتعدد والتعايش الثقافي في الأرض العربية.

الناقد د. هشام شرابي قدم مقاربة للموضوع تنطلق من العلوم الاجتماعية وتطرح إشكالية تحرر المرأة في الرواية العربية. ولاحظ الباحث ظاهرة تصاعد الانتاج الأنثوي كمياً ونوعياً في حقل القصة والرواية العربية، رغم ان ثقافتنا كانت دائماً ثقافة أبوية مبنية على قمع المرأة واستعبادها وحبسها في أقفاص اجتماعية وقانونية ونفسية لا يمكن للمجتمع أن يتحرر إلا بكسرها.

واعتبر هشام شرابي ان احدى اكبر الجبهات التي يمكن ان يحدث فيها هذا التحرر هي جبهة الابداع الأدبي والروائي القادرة على فضح حالة القمع التي تطبع واقعنا الاجتماعي.

وقد كان الروائي الطيب صالح آخر المتدخلين في هذه الندوة فقدم ملاحظات حول الوضع الحالي للرواية العربية، محذراً من الافراط في التجديد الشكلي والجري وراء المدارس التقنية الحديثة في حين ان الرواية الانجليزية مثلاً تسجل عودة قوية الى الأساليب التقليدية. وحذر الطيب صالح من الحداثوية ومن إتباع مدارس وتيارات تفرط في التنويع الشكلي على حساب جمالية وأصالة اللغة العربية وانتقد محاولات احتقار الأدب والتراث الشعبي العربي.

وأضاف ان الرواية العربية تعيش اليوم ازدهاراً على مستوى الانتاج والابداع يضاهي ما هو موجود في الآداب العالمية وانتقد الاحساس السائد بمركب النقص على هذا المستوى لدى المبدعين والنقاد العرب ودعا الى تعزيز الثقة بالابداع العربي.