التسوق.. ثقافة مجتمع أم إدمان؟

جمعيات لعلاجه ومحللون يلقون الضوء على أعراضه

TT

لماذا تبتلى النساء أكثر من الرجال بمرض «الشوبنغ»(التسوق)؟ وما سر إقبال النساء على شراء أشياء معينة دون سواها، ونهمهن عليها؟ وإذا كان «التسوق» هو عماد حركة المجتمع الرأسمالي فهل انتشاره ظاهرة ثقافية لمجتمعات بعينها، تلتفت لها الدراسات الاجتماعية والاقتصادية، أم أن الظاهرة تطورت ونمت وانتقلت إلى طور آخر يثير القلق، ويحتاج إلى استنفار علم النفس قبل أن تستفحل الأعراض، ويكثر عدد المصابين؟

في مقابلة تلفزيونية، أخيرا، قالت إيلا فيشر، نجمة سينمائية في هوليوود، إنها لم تولد في دبي، ولكن في مسقط، وإنها لم تزر دبي من أجل الـ«شوبنغ» (التسوق)، لكنها تعرف أن دبي مركز تسوق رئيسي في الشرق الأوسط. جاء هذا الكلام جوابا على سؤال بمناسبة الفيلم الجديد، من بطولة إيلا فيشر يحمل اسم: «كونفيشن أوف شوباهوليك» (اعترافات مدمنة تسوق). تدور قصة الفيلم حول «ربيكا» التي كان فقر عائلتها يمنعها من شراء أشياء تريدها وهي صغيرة. وكانت تتجول في شارع «سكس أفنيو» في نيويورك، حيث توجد مجموعة من أشهر وأغلى المتاجر في العالم، وتحس بالحرمان. وفي المدرسة، كان البنات يضحكن على «ربيكا» بسبب ملابسها غير الجميلة، وبخاصة أحذيتها، أو بالأحرى حذاؤها، لأنها كانت لا تملك غيره.

لكن، بعد عشرين سنة، صارت «ربيكا» تعيش مع صديقتها «سوزي» في مكان قريب من شارع «سكس أفنيو» في نيويورك. وكانت وقتها قد تعلمت، وحصلت على ماجستير في الصحافة، وصارت صحافية في مجلة «اليتي» للأزياء النسائية (مقرها ليس بعيدا من نفس الشارع). وساعدها عملها في الحصول مجانا على فساتين وأحذية وجواهر ولآلئ تقدمها المحلات التجارية في «سكس أفنيو» كنوع من الدعاية، لتكتب عنها المجلات النسائية والأزياء ومجلات الزينة.

غير أن «ربيكا» غرقت في حب مثل هذه الأشياء، وصارت تشتري أغلى أنواعها مستعملة «كريدت كارد» (بطاقة ائتمان). وعندما وصلت ديونها إلى خمسين ألف دولار (وكان راتبها الشهري أربعة آلاف دولار، أي زادت ديونها على راتبها لمدة سنة)، قالت لها صديقتها «سوزي» إنها صارت «شوباهوليك» (مدمنة تسوق)، ونصحتها بمقابلة طبيب نفسي. وخلال جلسات نفسية، اعترفت «ربيكا» بأنها صارت مدمنة، ووافقت على بيع الأشياء التي لا تحتاج لها. وقبل نهاية القصة، شفيت «ربيكا» من إدمانها، وتزوجت، وبدأت تكتب في المجلة النسائية نصائح تحت عنوان: «كونفيشنز أوف شوباهوليك» (اعترافات مدمنة تسوق).

خلال أيام إدمانها، كانت «ربيكا» تجوب المحلات التجارية، وتغني أغاني من بينها أغنية «بيغ سبندر» (الذي يصرف كثيرا). وتقول الأغنية: «عندما دخلت النادي، عرفت أنك تصرف كثيرا على ملابسك. كم أنت أنيق وجميل. أنا بنت محترمة، ولا أريد أن أكون ضعيفة أمامك، لكن، لا بأس إذا صرفت علي قليلا مما عندك. وأتعهد بأني سأكون مرحة، وضاحكة. وأتعهد بأني سأجعلك مرحا وضاحكا».

كتبت كارين أوكونور كتابا عن هذا الموضوع عنوانه: «اديكشن تو شوبنغ» (إدمان التسوق). قالت فيه: «بداية، وأنا امرأة وصحافية وكاتبة وحالتي الاقتصادية طيبة، ووضعي الاجتماعي طيب، أعترف بأن النساء أكثر من الرجال إدمانا على التسوق، وأنا واحدة منهن. ليس ذلك فقط، ولكن أكدت ذلك أبحاث أجرتها مراكز الاستفتاء». وأضافت: «لكن، يجب ألا تحس أي امرأة بالحرج، وذلك لأن الإحساس بالحرج لن يحل المشكلة. الاعتراف بالأمر الواقع هو أول خطوة نحو حل المشكلة».

لماذا الإدمان؟ قالت مؤلفة الكتاب: «يغمرني إحساس بالسعادة وأنا أتجول وأتسوق. أحس بالتوتر، فأخرج من البيت لأتسوق، وأحيانا، أحس بالفراغ، فأخرج للتسوق».

لابد أن مؤلفة الكتاب تعرف كثيرا عن الموضوع، لأنها كتبت كتبا كثيرة عن المشاكل اليومية الأميركية، مثل: «كبر السن لن يقدر عليه الخائفون» و«ساعدني يا رب، كبرت في السن». في كتاب «إدمان التسوق»، أشارت كارين أوكونور إلى النقاط الآتية: خجل المدمنات عند اكتشاف إدمانهن. جنون المال الذي يسهل الإدمان. هل صحيح أن مكان المرأة الطبيعي هو «المول» (المركز التجاري)؟ هل صحيح أن المرأة ولدت لتتسوق؟ حياة على الحافة بسبب إدمان التسوق. اعترافات: «أنا حافية ومفلسة بسبب إدمان التسوق».

وعن موضوع «سيكريت شيم» (خجل سري)، قالت مؤلفة الكتاب إنها حصلت على معلوماتها من جلسات نفسية كانت تديرها في مكتبها لنساء مدمنات. قالت واحدة من النساء: «لم يمنعني جمالي وشهاداتي الجامعية وتحضري، وعمري 40 سنة، لم يمنعني ذلك كله من أن أصير مدمنة. لا مدمنة مخدرات، أو كحول، ولكن مدمنة تسوق».

وقالت المرأة، واسمها الرمزي «كيتي»، إن زوجها غني جدا، ويعمل في بنك استثماري في نيويورك. لكنهما تطلقا، وكبر ابنهما وهو الآن في الجامعة. خلال خمسة وعشرين سنة من زواج «سعيد»، كان زوجها ينفق عليها، ويسمح لها بشراء ما تريد. وكان لهما منزل صيفي وعضوية في نادي غولف، لكن، يبدو أن نادي الغولف هو سبب مشاكلها، لأن زوجها قابل فيه شقراء (هي سمراء)، وأحبها، وهجر زوجته، فطلبت هذه الطلاق. وأضافت أن زوجها، عند الطلاق، أعطاها أكثر من مائة ألف دولار، لكنها، وسط توتر وقلق الطلاق، والحياة وحيدة (بعد أن ذهب ابنها إلى الجامعة، وبقيت وحيدة في منزل كبير) صرفت كل المائة ألف دولار تقريبا في شراء أشياء اعترفت بأنها ما كانت تحتاج لها كلها، ثم بدأت تعتمد أكثر على «كريدت كارد» (بطاقة الائتمان)، وعندما زادت ديونها، وتعقدت حياتها أكثر، لجأت إلى حلقات النقاش النفسي التي تديرها مؤلفة الكتاب، كارين أوكونور. وقالت كارين أوكونور: «ليس سرا وسط النساء، خوفنا أكثر من الرجال، من الإفلاس، والترمل، والطلاق، والوحدة، وخاصة عندما سنكبر، ويتوفى أزواجنا. مثلي أنا، أتساءل: ماذا سأفعل؟ هل سأقضي آخر عمرى في ملجأ؟» وأضافت: «لاحظت، بعد تجربتي الخاصة وقصص النساء اللواتي جئن إلى حلقات النقاش النفسي التي أديرها، أن توتر وقلق النساء لا يجعلهن يدمن الخمور والمخدرات، ولكن التسوق». لماذا؟ «لأن التسوق، في حد ذاته، يعطي إحساسا بالضمان. إحساس أن عندي ملابس كثيرة وجواهر كثيرة، ولست فقيرة. أعتقد أنه، بالنسبة للمرأة، لا يوجد خوف مثل الخوف من الفقر، خاصة عند نهاية العمر». وأضافت: «انظروا إلى المشردين في شوارع المدن الرئيسية. ربما لا توجد مشردة واحدة. تود أي امرأة أن تموت ولا تقضى باقي عمرها على ركن شارع ما، في مدينة ما».

وكتبت كوني جاسبر، وهي أيضا متخصصة في الموضوع عن نقطة أخرى، وهي تعدد الخيارات. كتبت: «لم يحدث في تاريخ البشرية أن واجه الناس في الدول المتطورة، رجالا ونساء، كل هذه الخيارات عندما يريدون شراء شيء. خيارات في الأماكن، وفي النوع. ولم يحدث أن واجه هؤلاء الناس حملات إعلامية وإعلانية، تطاردهم صباحا ومساء، في التلفزيون والإذاعة، والشوارع». لا يمكن التقليل من تأثير الإعلانات لأنها صارت جزءا من الثقافة الأميركية. ودخلت الثقافة الأميركية عبارات روجت لها الإعلانات، مثل: «يو هاف كم الونغ» (تحضرتِ كثيرا)، و«إف يو هاف ات، فلونت ات» (إذا تملكين شيئا ثمينا، اعرضيه على الناس)، و«يو ديسيرف إت» (تستحقينه)، و«يو ويل داي» (ستموتين يوما ما) لهذا استمتعي بما عندك.

وهناك إعلانات تقول: «عندما تصير الحياة قضية، يصير التسوق قضية» و«ولدت لأتسوق». وانتشرت عبارات مثل «شوبنغ سبري» (موجة التسوق)، و«كونفينيانت» (سهل)، و«كومفارتابل» (مريح)، و«ستف» (حاجة). أي شراء حاجات كثيرة تتراكم في المنزل.

عن هذا، قال الفكاهي جورج كارلين: «المنزل هو المكان الذي نضع حاجاتنا فيه، ثم نخرج لنشتري حاجات أكثر». والرئيس السابق جورج بوش، بعد هجوم 11 سبتمبر سنة 2001، وخوف الأميركيين من السفر والتنقل، ألقى خطابا إلى الشعب الأميركي قال فيه: «اخرجوا، وسافروا، واشتروا. حافظوا على نمط الحياة على الطريقة الأميركية».

وتحدثت كوني جاسبر عن «أحب التسوق من أجل التسوق». وعن «فيشس سيركل» (دائرة مفرغة): «أشتري ملابس لا أحتاج لها حقيقة. أضعها في المنزل لأسبوع أو اثنين، ألاحظ كل صباح أنني لم أستعملها. أحس بالإحباط. أخرج لأتسوق وأشتري مزيدا من الملابس». وأضافت: «عندي أشياء لم أخرجها من حقيبتها، وأشياء لم أخلع بطاقة السعر عنها، وأشياء لم أرتدِها. أقول لنفسي: لماذا لا أعيدها؟ لكن، أحس أن هذا سيكون سخفا، أفضل الشراء، ولا أفضل الإعادة».

قبل سنة، كتبت روث انغا، أستاذة قسم الصحة العامة في جامعة انديانا (في بلومنغتون، ولاية انديانا) بحثا اسمه: «شوباهوليك» (إدمان التسوق). وبدأ البحث بتعريف الكلمة، وقالت إن من بين علاماتها:

أولا: شراء كماليات، لا ضروريات. ثانيا: إحساس بالسعادة خلال التسوق. ثالثا: تركيز على الفساتين والأحذية والعطور. رابعا: دخول متجر لشراء شيء واحد، والخروج منه بعد شراء أشياء كثيرة. خامسا: تكرار شراء نفس الشيء. سادسا: إخفاء أشياء حتى لا يغضب آخرون ينتقدون هذا الإدمان. سابعا: إنكار الإدمان. ثامنا: تزايد الديون. تاسعا: إحساس بالحرج بسبب كل هذه الأشياء. عاشرا، بسبب ذلك، إدمان أشياء غير التسوق، مثل الخمور والمخدرات.

* ما هو العلاج؟

* نصحت روث الغا بالآتي:

* أولا: مقابلة طبيب أمراض نفسية. ثانيا: الشراء نقدا وليس ببطاقة ائتمان. ثالثا: تفضيل مشاهدة فيلم سينمائي عن التسوق. رابعا: التجول في الأماكن التجارية بدون دخولها. خامسا: الشراء بالتلفون أو الإنترنت لتحاشي إغراء مشاهدة الأشياء مباشرة. سادسا: الالتحاق بنادٍ أو مكان رياضي للذهاب إليه عند الشعور بالفراغ والسأم.

وقالت روث الغا، إن هذا الإدمان ليس وسط الأميركيات فقط، ولا يعرف أوصافا وطنية أو عرقية أو دينية. (طبعا، ينتشر وسط النساء اللواتي ينتمين إلى طبقات اجتماعية واقتصادية مريحة). وقالت إن سيدة متدينة قابلتها في جلسة من جلسات النقاش النفسي، قالت إنها بدأت بشراء كتب وموسيقى وأفلام دينية، ثم صارت مدمنة عندما أخذت تشتري قمصانا عليها عبارات أو رسوم دينية، ووجدت أنها جمعت عشرات القمصان من هذا النوع. وفي كاليفورنيا توجد «اوفركوم سبيرتشوال أوتريتش» (جمعية التواصل الروحي لمواجهة إدمان التسوق)، التي تحاول الحد من هذه الظاهرة التي تنقلب من عادة ثقافية إلى إدمان مرضي، في غفلة من المجتمع.