مهتمون سعوديون بثقافة الطفل: أطفالنا يعيشون تحت خط الفقر الثقافي

تدهور معدل القراءة لديهم.. والمسرح الخاص بهم ما زال غائبا

تنمية مواهب الأطفال تحتاج إلى برامج مدروسة («الشرق الأوسط»)
TT

أشار ثلاثة من الباحثين السعوديين المهتمين بأدب الطفل، وبالأنشطة الثقافية الموجهة إلى الأطفال، إلى أن نسبة النمو الثقافي لدى الأطفال تتراجع يوما بعد يوم، وخصوصا في مجال القراءة التي سجلت أدنى مستوياتها، وكذلك المسرح المكون الآخر للثقافة البصرية للطفل والمسؤول عن دعم ملكات الخيال لديه.

ولاحظ المشاركون أن القراءة لا تتراجع في السعودية فقط، بل هي تتراجع في كل الأقطار العربية، وبحسب التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي صدر العام الماضي فإن مجموع الكتب التي نشرت في العالم العربي في عام 2007 بلغت 27809 كتب، ولا تمثل الكتب المنشورة في العلوم والمعارف المختلفة من هذا الرقم سوى 15%، بينما تصل نسبة الكتب المنشورة في الأدب والأديان والإنسانيات إلى 65%. وهناك كتاب يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما هناك كتاب لكل 500 إنجليزي، ولكل 900 ألماني، أي أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراءة في إنجلترا على سبيل المثال.

في حين يُجمع المشاركون على أن القراءة الحرة تنمي قدرات الطفل اللغوية والتعبيرية وتوسع مداركه المعرفية وتغني مخيلته الإبداعية، وتساهم إلى حد بعيد في بلورة شخصيته من واقع التوازن الذي تحدثه لبنيته النفسية والاجتماعية، ودعم تحصيله المدرسي ونجاحه المهني والحياتي، وتعزز ثقته بنفسه وتساهم في تطوير نموه النفسي والسلوكي بشكل طبيعي.

* د. إيمان تونسي: ثقافة استهلاكية

* وتقول الدكتورة إيمان تونسي، المحاضرة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وإحدى المهتمات بمسرح وثقافة الطفل، إن ثقافة الطفل في العالم بأكمله متنوعة المصادر وسريعة التغير بحسب قوة المؤثر وبراعة المخططين وذكاء المنفذين لتلك المصادر, مؤكدة أنها في الغالب ثقافة استهلاكية تزيد وتطغى في مناطق دون أخرى بحسب وعي الأسرة وحكمة الهيئة التعليمية في التعاطي مع فكر ونفسية الطفل، مشيرة إلى أنه في بعض الأسر والمناطق محليا وعربيا وعالميا أمكن تطويع الاستهلاك التقني والغذائي إلى استهلاك ثقافي، فتم وضع برامج لتشجيع القراءة وبرامج أخرى تحفز المشاريع الإنتاجية والعمل الجماعي.

وقالت تونسي إن ميزة تلك البدائل أنها تغرس في النفوس بواعث الاستمرارية، فتسري في النفوس عدوى المثابرة والبحث عن إجابات شافية لما يجول في النفس وما يفرضه الواقع من أسئلة واستفسارات.

وعن دور المسرح في بناء ثقافة متكاملة لدى الطفل تؤكد تونسي أن المسرح يساعد في تنمية قدرات الطفل التعبيرية فيما يفرضه من حالات التقمص وتجسيد الشخصية، يدرك عندها نقاط الاختلاف بين البشر ومعظمها يعتبر جينيا، بمعنى أن الإنسان يحمل صفات معينة دون أن يدركها كلها، ولكن المواقف والتحديات بالإضافة إلى الإرادة التي يتمتع بها الإنسان تساعد على صقلها واحدة بعد الأخرى، فالمسرح يساعد على النضج الاجتماعي والأخلاقي المبكر.

وبالنسبة إلى الناحية اللغوية ترى تونسي أن المسرح يساعد الطفل على البعد عن السطحية في تعبيراته اللغوية عندما يبحث في مستويات المعنى عن أدق العبارات وصفا لحالة شعورية أو موقف إنساني معين، وتبرز أهمية المخيلة الإبداعية في موضوع توليف المشاهد المسرحية واستخدام أبسط عناصر السينوغرافيا لإيصال الفكرة بوضوح تام إلى المتلقي.

* السليمان: عن أي ثقافة نتحدث؟

* في معرض تعليقه عن مسألة ثقافة الطفل تساءل عبد الرحمن السليمان رئيس جمعية التشكيليين السعوديين عن «أي ثقافة للطفل نعني؟»، متسائلا: «هل نبحث عن الثقافة التي يوفرها التلفزيون والإنترنت أم عن ثقافة المدرسة وحشو المواد وثقافة الحفظ والتسميع؟».

وقال السليمان: «في فترات سابقة لم يكن هناك سوى الكتب، وكانت ثقيلة علينا، وشيء من محطات التلفزة البسيطة في موادها الموجهة إلى الأطفال لا تتعدى أفلام الكرتون المسلية ولفترات محددة، ومع الفارق فالمسليات الآن تعدت أفلام الكرتون. أما المكتبات فلم تعد ملاذا للتزود بالثقافة, فمع حشوها بالكتب فإن روادها قلة قليلة من المهتمين ومن كبار السن فقط وحضور الطفل يعدّ نادرا».

وأضاف السليمان: «لعلنا بالمقابل عندما نتحدث عن إعداد المكتبات المركزية أو الفرعية, فإن مدننا تخلو إلاّ من مكتبات التربية والتعليم، ولا أعلم مصيرها حاليا.. أتذكر أنني مررت منذ أعوام على إحداها فلم أجد إلاّ أتربة تغطيها, فلا رواد ولا قراء إلا من صحف يومية يقرؤها الموظفون).

واستطرد السليمان قائلا: «إن الطفل يعيش حالة من التوهان بين البيت والمدرسة ومركز الحي إن وجد.. فكيف إذن يمكن أن تتشكل لدى الطفل ثقافة متوازنة تحقق اندماجه وعلاقته بالمحيط؟ فالمعلومات والتوجيهات والمعارف هي ما يتلقاها من المدرسة, وهذا غالبا يعتمد الحفظ أو (الحشو)، فهو، أي الطفل، من السنة الدراسية الأولى وهو يتلقى المعلومات وعليه أن يحفظها سواء فهم أم لم يفهم».

* البطحي: أطفالنا مغيبون

* وفي هذا الجانب يرى عبد الله بن عبد العزيز البطحي المدير العام لمكتبة «العبيكان» في السعودية، أن هناك تباطؤا في الاهتمام بحمل الأطفال على ممارسة حب القراءة والتطلع إلى التثقيف المتكامل، تصل درجة ظاهرة ترجع إلى عوامل كثيرة، أهمها عدم إدراك المغزى والهدف من القراءة ومعرفة أنها الوسيلة المثلى لتغذية ميول الشباب وتنمية عقولهم وتلبية حاجاتهم النفسية، وزيادة وسائل الإعلام والفضائيات، حيث أصبح الكثيرون يقضون الساعات الطويلة أمام شاشات التلفاز كي يتابعوا الأفلام والبرامج والمسلسلات، وعدم غرس عادة القراءة في نفوس الأطفال منذ الصغر، وقلة توجيه المدرسة للطلاب نحو القراءة، وتشابه الكثير من الأعمال والعناوين.

ويرى البطحي أن مجموعة من الأسباب تشترك في تحييد القراءة والتزود الثقافي من برنامج الطفل، بينها ما هو عائد إلى رغبة الأطفال في قراءة الكتيبات الصغيرة ذات المعلومات المبسطة وعدم الاهتمام بقراءة الكتب الجادة، ومعاناة الأطفال في قراءة الكتب المدرسية وما بها من حشو في المعلومات تجعلهم يعزفون عن القراءة عندما يكبرون، أو عدم وجود المرشدين الذين يوجهون الناشئة إلى قراءة الكتب الجيدة، فبعض أمناء المكتبات لا يحبون القراءة ولا يعرفون محتويات المكتبة التي يعملون بها، أو ميل الطفل إلى أمور التسلية والألعاب واللهو واختيار بعضهم لأقران السوء الذين لا يحبون القراءة، في ظل عدم وجود حوافز تشجيعية لقراءة الكتب وفهمها.

ويشير البطحي إلى أن الأثر الذي خلفه انصراف الطفل عن القراءة كان في تحويل العقول العربية من طريق البحث والتحري عن العلوم والمعارف إلى طريق الركود والبقاء ضمن دوامة الترفيه والتسلية اليومية، مؤكدا على أن تعويد الطفل على القراءة في سن مبكرة يساهم في إثراء قدراته اللغوية في التعبير، ويطور مداركه المعرفية، إضافة إلى أنها توطد علاقته بوالديه، فالأم أو الأب حين يضع أحدهما طفله في أحضانه في أثناء القراءة له، فهو يشعره بدفء عاطفته وحنانه، الأمر الذي يعزز ثقته بنفسه ويساهم في تطوير نموه النفسي والسلوكي.