شهادات عن «الأنفال»

ناجون من مذابح النظام السابق يروون حكاياتهم

TT

صدر عن الجمعية الثقافية والاجتماعية في مدينة كركوك مؤخرا كتاب مترجم إلى اللغة العربية يحمل عنوان «شهود عيان عن الأنفال» من تأليف الصحافي الكردي المعروف عارف قورباني رئيس تحرير «ئاسو ـ الأفق» الكردية اليومية المستقلة التي تصدرها مؤسسة «خندان» للبث والنشر.

والكتاب كما هو واضح من عنوانه يضم في طياته شهادات مجموعة من الضحايا الناجين من حملات الأنفال الدموية التي نفذتها قوات النظام العراقي السابق على ثماني مراحل في كردستان العراق بدءا من ربيع عام 1987 وانتهاء بصيف عام 1988، التي أسفرت عن مقتل نحو 200 ألف قروي كردي معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، إضافة إلى تدمير أكثر من 4500 قرية وقصبة كردية في محافظات كركوك والسليمانية وأربيل ودهوك.

ويؤكد المؤلف في بداية الفصل الأول من كتابه أن حملات الأنفال هي أكبر مجزرة بشرية شهدها العقد ما قبل الأخير من القرن الماضي في عموم أرجاء العالم قاطبة، ويوضح بالتواريخ والأرقام والوثائق طبيعة التخطيط الجهنمي الذي وضعه رئيس النظام السابق صدام حسين لتلك الحملات الشرسة التي نفذتها قواته المدججة بالسلاح تحت إشراف مباشر من قبل علي حسن المجيد ابن عم صدام، الذي كان وقتذاك مسؤولا عن الجهاز الحزبي لحزب البعث في المناطق الشمالية من العراق.

كما يشير المؤلف إلى الدور التخريبي والمحوري الذي مارسه آمرو أفواج المرتزقة الكردية التي كانت تعرف بـ«الأفواج الخفيفة» على صعيد استمالة الشباب الكرد الماكثين في القرى والهاربين من صفوف قوات النظام السابق التي كانت منشغلة بالحرب ضد إيران، وإيقاعهم في شرك النظام هم وعوائلهم في العشرات من القرى الكردية عبر نشر إشاعات مفادها أن النظام وافق على السماح لهم بالانخراط في صفوف مرتزقته وإعفائهم من عقوبة الإعدام التي كانت تنفذ بحق الهاربين من الخدمة في صفوف قواته.

وفي فصل آخر يبين المؤلف مراحل تنفيذ حملات الأنفال في مناطق بهدينان التابعة لمحافظة دهوك ويعرض بالأرقام والوثائق والمستمسكات الرسمية الصادرة عن أجهزة النظام السابق الأمنية والعسكرية، أعداد الضحايا الذين طالتهم تلك الحملات في بهدينان.

وفي الفصول الوسطى من الكتاب المكون من 350 صفحة، يستعرض المؤلف شهادات عدد من الضحايا الناجين الذين أجرى شخصيا مقابلات مفصلة معهم، وهم يوضحون فيها كيفية اعتقالهم وعوائلهم من قبل قوات النظام السابق وكيفية سوقهم إلى معتقلات ومعسكرات النظام التي أعدت لذلك الغرض قبل تسفيرهم إلى صحارى المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق تمهيدا لإعدامهم رميا بالرصاص ثم طمرهم بالجرافات في قبور جماعية تحت الرمال في صحارى السماوة والنجف والناصرية.

ويروي الناجون، وبينهم عدد من الذين كانوا يافعين أو صبية وقت حدوث الكارثة ومعهم نساء عجائز أفلتوا من الموت المحتم بقدرة الباري، قصصا مرعبة تقشعر لها الأبدان ويشيب لها الولدان عن عمليات التعذيب النفسي والجسدي التي تعرض لها الضحايا في معسكرات النظام ومعتقلاته الشهيرة قبل سوقهم إلى ميادين الإعدام الجماعي.

فضلا عن استعراض كل شاهد لكيفية نجاته من قبضة قوات النظام والموت الأكيد. ولعل أغرب تلك الشهادات هو ما يرويه الناجي «تيمور» الذي كان في العاشرة من عمره حين اعتقل وعائلته في إحدى القرى التابعة لبلدة كلار والذي نجا من عملية الإعدام الجماعي التي نفذت بحق مجموعة من الضحايا في صحراء السماوة بعد إصابته بطلق ناري بإحدى ذراعيه، وتمكن من الخروج من القبر الجماعي الذي طمر فيه الضحايا، بعد رحيل فريق تنفيذ الإعدامات، واستطاع الوصول إلى خيام عدد من بيوت العرب البدو الرحل الذين كانوا على مسافة قريبة من موقع القبر الجماعي وعلى دراية بما يحصل للمعتقلين الكرد، فاحتضنوه لعشرات السنوات ولقنوه العربية وغيروا اسمه من فرج إلى تيمور، قبل أن يعيدوه إلى أقاربه في بلدة كلار بعد انتفاضة مارس (آذار) عام 1991 حيث رحل بعدها تيمور إلى الولايات المتحدة ليستقر هناك بعد أن سجل شهادته على هول وفظاعة ودموية عمليات الأنفال.

ويتناول المؤلف في فصل آخر من كتابه سلسلة من الوثائق الرسمية والسرية جدا والمحررة من قبل ديوان رئاسة الجمهورية والقيادة العامة للقوات المسلحة وأجهزة حزب البعث في العهد السابق والمتعلقة بعمليات الأنفال، والتي تتضمن أوامر من كبار المسؤولين البعثيين تقضي باعتقال جميع القرويين الكرد وتدمير قراهم وسوقهم جماعات تلو جماعات إلى ميادين الإعدام الجماعي في عمق صحارى الجنوب العراقي. وكانت تلك الوثائق التي عرض المؤلف عددا منها في هذا الكتاب قد تم الاستيلاء عليها في أثناء انتفاضة مارس (آذار) بإقليم كردستان داخل مقرات حزب البعث ومقرات قيادات قوات النظام وأجهزته الأمنية.

وفي الفصل الأخير من الكتاب هناك صور لأكثر من 300 ضحية من الأطفال والشيوخ والنساء من مختلف الأعمار الذين قضوا خلال عمليات الأنفال بعد اعتقالهم في العشرات من القرى التابعة لمناطق كرميان بمحافظة كركوك، مرفقة بتواريخ اعتقالهم ومعلومات موثوقة عن أسمائهم ومواليدهم.

كما صدر للمؤلف قورباني كراسا مماثلا يحمل عنوان «شاهد على جريمة العصر» ويتضمن مقابلة خاصة أجراها المؤلف شخصيا مع المواطن العراقي ـ العربي «عبد الحسن موحان مراد» الذي كان يعمل سائق جرافة في أحد تشكيلات قوات النظام السابق وقد أوكل إليه طمر جثث ضحايا الأنفال في مقابر جماعية بصحارى الجنوب، التي استدل المعنيون على موقعها بعد سقوط النظام السابق إثر عمليات تحرير العراق عام 2003، ويروي السائق مراد قصصا فظيعة ولا تصدق عن كيفية إعدام أولئك الضحايا وجلهم من النساء والشيوخ والأطفال الكرد بلا رحمة ولا شفقة ومن دون ذنب أو جريرة قبل طمرهم بملابسهم الكردية الممزقة تحت رمال صحارى الجنوب.

إلى ذلك، فإن الصحافي عارف قورباني يعتبر أحد أبرز المختصين بشؤون ملف حملات الأنفال المصنفة عالميا في خانة حملات الإبادة الجماعية ضد الكرد في العراق، وله كثير من المؤلفات في هذا المضمار، أهمها.

ـ «شهود عيان في حملات الأنفال» الجزء الأول ـ الجزء الرابع الصادرة خلال الأعوام 2001 ـ 2006.

ـ «الأنفال في حلبجة» عام 2005

ـ «فرج ـ تيمور» الضحية الذي خرج من القبر الجماعي ووصل إلى واشنطن 2004.

ـ «عزير» الشاهد الناجي من حملات الأنفال 2006.

ـ «شهود عيان الأنفال» 2008.

ـ «من طوبخانة إلى عرعر» 2005.