شخصيات أدبية وفكرية و«ايروتيكا سياسية»: في مخيلة المسرات

خرافات الحشاشين من ابن رازم ووليم الصوري إلى ماركو بولو ودوساسي نتاج مخيلة أوروبية ملتبسة تسقط عقدها على الآخرين

TT

* محيي الدين اللاذقاني ضع بعض القنب الهندي على فكر عربي باللغة الفارسية، وسوف ترى العجب العجاب، فهذه الوصفة التي تم تجريبها في القرن الثاني عشر غيرت موازين القوى، وأرهبت السياسيين الصليبيين والمسلمين على حد سواء، وأوجدت نهجاً للتغيير يقوم على أسلوب الاغتيالات السياسية، لكن هل كان شيخ الجبل في سورية، والحسن الصباح في إيران، يقومان فعلا بالتأثير في اتباعهما ودفعهم لخسيس الأعمال، وجليلها باستخدام الحشيش؟

الجواب بعيد ويحتاج إلى رحلة أطول من المسافة بين كتامة في المغرب، وبعلبك في لبنان، حيث ما زال مزارعو القنب الهندي يصارعون للبقاء منذ عدة قرون، ويمدون السياسيين بالأفكار، فالسياسة العربية في بعض وجوهها وبعض مناطقها سياسة «مساطيل» ويصعب تفسيرها وفهمها إلا بمؤثرات الدخان الأزرق الذي يزعم الإخباريون والرحالة الأوروبيون أن راشد بن سنان والحسن الصباح سيطرا سياسياً على مناطق شاسعة بوساطته، أما كيف؟ فلنسمع القصة النموذجية التي صنعتها المخيلة الأوروبية في القرون الوسطى على لسان الرحالة الإيطالي ماركو بولو الذي يخلط القنب الهندي بالنساء والبخور لتكتمل حكاية الحديقة السرية بكل ما فيها من «ايروتيكاسياسية» سيطرت على المخيلة الأوروبية منذ الحروب الصليبية ولا تزال.

وقبل رواية ماركو بولو يستحسن أن نتذكر انه أملاها في سجن جنوى حين كان أسيراً، وفي السجن تنطلق أوهام الكبت معربدة دون قيود، أما لمن يبحث عن التدقيق التاريخي، فقد أمليت هذه الرواية ثم نقحت قبل ثمانية قرون وبضعة أشهر بالضبط، أي في أغسطس (آب) من سنة 1300 ميلادية وهي من كتاب «وصف العالم».

يقول الرحالة الإيطالي خالطاً أخبار قلعة «الموت» الفارسية بحكايات حصون الفرق الغالية بسورية:

«شيخهم كان يدعى علاء الدين بلغتهم، وقد أقام في واد عميق بين جبلين مرتفعين جداً، حيث أمر بإقامة حديقة غناء من أكبر ما يكون وأجمل ما رأته الأبصار. وفيها أمر ببناء أجمل المنازل والقصور مما لا عين رأت، ذات تنوع رائع، طلاها باللازورد وزينها بأجمل الأشياء في العالم من الوحوش والطيور على السواء، والمتدليات جميعها من الحرير، كما أمر بإقامة الكثير من النوافير الجميلة المتناظرة على مختلف جوانب تلك القصور. وكانت هناك سواق يفيض بعضها بالخمر وبعضها باللبن وبعضها بالعسل وبعضها بالماء الرقراق، وقد جعل فيها جملة من أجمل النساء والعذراوات في العالم ممن أجدن العزف على جميع الآلات وغنّين بأعذب الألحان، ورقصن أجمل الرقصات حول تلك النوافير. وكان لا همّ لهن سوى توفير المتعة والسرور للنزلاء من الرجال والشباب. وقد توفرت الملابس والأرائك والطعام وكل ما تشتهيه النفس بكثرة. ولم يكن يسمح بالحديث عن أي شيء محزن هناك، ولا بقضاء وقت إلا في اللهو والحب وقضاء المسرات. أما العذراوات فكنّ يرتدين الثياب الجميلة الموشاة بالذهب والحرير، ويتخاطرن باستمرار عبر الحديقة والقصور، بينما بقيت النساء اللواتي كن يقمن بخدمتهن داخل الأسوار ولم يشاهدن في الهواء الطلق أبداً وجعل الشيخ رجاله يعتقدون أن تلك الحديقة هي الجنة، فالداخل إليها يجد كل أنواع المتع والمسرات، ويأخذ من النساء الجميلات بعدد ما يشتهي...».

والنص طويل ومتشعب وفحوى البقية النابعة من مخيلة مكبوتة يمكن أن تطلق عليها «مخيلة المسرات» تحتاج إلى اختصار، فقد كان شيخ الجبل بحسب تلك الرواية التي لا تختلف كثيرا عما سبقها ولحقها يسقي أتباعه نقيع الحشيشة، ويتركهم يتمتعون بالوجه الحسن والجسد اللدن، والمنظر الجميل، ثم يضعهم ليلاً خارج الحدائق السرية، فإن أفاقوا وراموا الدخول ثانية، تبدأ الحرب النفسية، فالشيخ لا يسمح لهم بالعودة إلى الجنة الأرضية إلا بعد أن يثبتوا شجاعتهم بالقضاء على فلان وفلان من القادة المحليين الذين ينافسونه، فينفذون عن طيب خاطر رغبة بالعودة إلى ما ألفوه من متع مقطرة في جنان الحشيش.

ويعتقد البروفيسور فرهاد دفتري المختص بأساطير الإسماعيلية وخرافات الحشاشين ان رواية ماركو بولو الخرافية عن العالم السري لشيخ الجبل هي خلاصة مطورة لعشرات الروايات التي نسجتها المخيلة الأوروبية عن الشرق أثناء الحروب الصليبية، وقد ساهم فيها المحاربون والإخباريون والقساوسة ومنهم جيمس فتري، وبوركارداوف ستراسبورغ ووليم الصوري، والمؤرخ القبطي جرجيس المكين، وغيرهم من الأشخاص الذين اتصلوا بالمشرق العربي خلال ما يزيد على مائتي عام من الغزوات الصليبية المتلاحقة.

والحقيقة ان خرافات الحشاشين لم تبدأ من المشرق العربي، فعندما استولى النزاريون وهم فرع من الإسماعيلية، على حصن مصياف والقدموس وشيزر وبانياس وصافيتا على الساحل السوري ما بين عامي 1125 و 1151 كان الرجل الذي ارتبطت به أساطير الحشاشين وهو الحسن الصباح قد مات في قلعة آلموت الفارسية في بلاد الديلم قبل أن يصبح لشيخ الجبل واتباعه في بلاد الشام كيان سياسي مرهوب الجانب، فالحسن الصباح ووفق اصدق الروايات الموثقة مات عام 518 هجرية أي 1124 ميلادية حين لم يكن نزاريو سورية قد استولوا على أي حصن من تلك الحصون التي سيطلق عليها لاحقاً اسم «قلاع الدعوة» لتدخل في تحالفات معقدة مع المسلمين تارة ومع الصليبيين تارة أخرى، وهذه المسائل تجدها مفصلة بتواريخها عند المستشرق برنارد لويس المختص بإسماعيلية فارس وحشاشي سورية الذين ألصقت بهم عشرات التهم وأخذت من خلال الاحتكاك معهم مئات التفاصيل المغرقة في عنفها وحسيتها.

وقبل أن نتهم الشام وفارس باحتضان تلك الظواهر لنتذكر أن الخراب بدأ من القاهرة في أعقاب وفاة الخليفة الفاطمي المستظهر، حين انقسم اتباعه بين مؤيد لابنه نزار ومتعصب لابنه الأصغر المستعلي، وقد حسم الأمر آنذاك الوزير الأفضل ابن الوزير الخطير بدر الجمالي، الذي أراد الاحتفاظ بالسلطة لنفسه من خلال الوصاية على الخليفة المراهق ثم ابنه الطفل وهي مسألة تتكرر كثيرا في شرقنا السعيد الذي يجري فيه شبق السلطة في الدماء ولا يحتاج إلى حشيشة مهيجة، لذا كثرت التنظيمات السرية التي أباحت لنفسها أسلوب الاغتيالات السياسية، فحين يكثر الغبن والظلم ويغيب العدل ولا تكون هناك آليات واضحة لانتقال السلطة، يتبرع المتحمسون ـ أو المتطرفون لا فرق ـ باقتراح حلولهم الجذرية التي لا تحتاج إلى فلسفة معقدة، فهم يعتقدون ان افضل وسيلة لإيقاف الظلم تتمثل في اجتثاث شأفة الظالم... (فول ستوب).

وأسطورة الحسن الصباح المؤسس النظري لخرافات الحشاشين لم تقتصر على السياسة والتاريخ، إنما دخلت الأدب، فشعراء التروبادور كانوا يقسمون لحبيباتهم في جنوب أوروبا أنهم سيكونون أكثر طاعة لهن من طاعة الحشاشين لشيخ الجبل، وفيتزجيرالد في ترجمته البديعة لرباعيات عمر الخيام يؤلف ـ نقلا عن سابقيه ـ أسطورة الاصدقاء الثلاثة نظام الملك، والحسن الصباح، وعمر الخيام، الذين التقوا في صباهم في مدرسة واحدة في نيسابور، وتواعدوا إذا نجحوا ان يساعد كل منهم الآخر، وقد صاروا جميعاً من الأعلام وكان أذكاهم عمر الخيام الذي ترك لرفيقيه الصراع السياسي، وتفرغ لمصارعة أسرار الوجود ومحاولة استكناه الجوهر الإنساني، وسكب أفكار مخيلته في تلك الروائع التي تدل على مفكر لا يأبه للتاريخ ولا يقيم كبير وزن للمستقبل:

واغنم من الحاضر لذاته فليس من طبع الليالي الأمان وما لم يتابعه فيتزجيرالد في أسطورته، ان الحسن الصباح دشن عهد الاغتيالات السياسية للحشاشين بالتخلص من زميل الدراسة نظام الملك وزير السلجوقيين، والحقيقة ان صعود نجم الصباح يرتبط بصراع الفرس والديلم مع الأتراك، وما صراعه مع نظام الملك إلا صراع إرادات سياسية بين وطني يريد التحرر من نير الأجانب ومثقف محلي متكسب يربط مصير البلاد بالغازي الأجنبي.

وعلى العموم، لم يكن نظام الملك أكبر ضحية للحشاشين، فقد وصلت سكاكينهم وخناجرهم في إيران وسورية إلى عدة وزراء وولاة، بل وإلى رأس صلاح الدين نفسه الذي يروي المؤرخ الحموي أبو الفداء محاولة اغتيال فاشلة ضده نفذها الحشاشون أثناء حصاره لقلعة اعزاز شمال سورية، وكان من ضحاياهم أيضا الخليفة الفاطمي الآمر بالله والخليفة العباسي المستنصر ووالي تبريز وعشرات القادة الصليبيين وبينهم المركيز كونراد اوف مونتغيرات ملك القدس ـ آنذاك ـ ويعتقد المؤرخ ابن الأثير ان صلاح الدين الأيوبي بعد أن تصالح مع شيخ الجبل سنان بن راشد كلفه باغتيال المركيز، وريتشارد قلب الأسد باستخدام جماعته من الحشاشين الذين حملوا ايضا اسم «الفداوية» أو الفدائيين وهو اسم لن يتكرر ثانية بعد القرن الثالث عشر إلا في الستينات من القرن العشرين الذي شهد انطلاقة الثورة الفلسطينية وفدائييها من منطقة لا تبعد كثيرا عن مواقع شيخ الجبل في سورية الوسطى.

والمهم ان تلك الاغتيالات الناجحة كلها لم تكسب للحشاشين قوة سياسية في عصرهم فحسب إنما احتلت لهم مركزاً أبدياً في المعاجم الغربية، فمنذ ذلك التاريخ البعيد صارت كلمة Assassins تطلق على القتلة المحترفين، ومنفذي الاغتيالات السياسية.

أما من أين انطلق اسم الحشاشين وكيف تطورت استخداماته عبر التاريخ، فخير من يخبرك عن ذلك كبير المستشرقين الأوروبيين البارون انطون اسحق سيلفستر دوساسي صاحب الكتاب القيم «الكشف عن ديانة الدروز». وكان هذا المستشرق الذي يعد شيخ المستشرقين وكبيرهم دون منازع قد ألقى في الكلية الملكية الفرنسية عام 1809 محاضرة بعنوان دراسة عن سلالة الحشاشين والأصل اللغوي لاسمهم طورها لاحقاً مستندا إلى مصادره الصليبية وإلى المؤرخين والإخباريين والعلماء المسلمين وقد بدأ بالمقريزي الذي يروي في أخبار القاهرة الفاطمية ظهور رجل فارسي في القاهرة كان يحضر الحشيشة بمزجها بالعسل واضافة جذور نبات تفاح الجن وعقاقير اخرى ويبيعها سراً ومعظم زبائنه من أبناء الذوات.

ومع هذا الحشاش (النخبوي) يشير المقريزي إلى أصناف أخرى يتعاطاها أبناء الطبقة الدنيا يطلق عليها اسم حشيشة الفقراء، وهناك من يسميها مدامة الشيخ حيدر نسبة إلى الرجل الذي كان يصنعها، وعند الوزير الأندلسي لسان الدين بن الخطيب نصوص عديدة عن مدامة الشيخ حيدر وعن الموقف الشرعي منها في كتاب «نفاضة الجراب في علالة الاغتراب»، فقد كان الجهلة والعوام يتعاطونها بغزارة، وهذا ما يؤكده ايضا شمس الدين محمد بن أبي السرور الذي يزعم ان قنطرة جديدة قرب القنطرة الكبرى كانت تعرف باسم قنطرة الحشاشين لأن مساطيل القاهرة كانوا يتجمعون عندها لتعاطي تبوغهم وعقاقيرهم.

وفي بحثه المشوق تعرض دوساسي لموقف العلم، فنقل عن ابن النفيس اعتقاده أن ذلك العقار يجعل متعاطيه يفقد قواه الفاعلة ويحس بالدونية، وحفظ لابن البيطار الطبيب الدمشقي المشهور نصاً يعرب فيه عن اعتقاده بوجود علاقة بين الحشيش والجنون وهو نص وصفي قبل أن يكون قرار إدانة علمية يقول ابن البيطار عن ذلك العقار:

«هناك ضرب ثالث من القنب هو القنب الهندي، ولم أشاهده في أي مكان آخر إلا في مصر، وهم يزرعونه في حدائق ويسمونه حشيشة. وهو مخدر عالي التأثير إذا ما أُخذ منه مقدار دراخما أو اثنتين، وإذا ما استعمل بكميات مفرطة فإنه يسبب نوعاً من الجنون. والناس الذين أدمنوا استعماله بشكل منتظم شعروا بهذا الأثر الضار. إنه يضعف أذهانهم ويقود إلى الجنون في النهاية، بل إنه يؤدي إلى الموت في بعض الأحيان. وقد رأيت فقراء يستعملونه بطرائق متنوعة، منهم من كان يغلي أوراق هذا النبات ثم يعجنها بيديه حتى يحولها إلى عجينة يصنع منها أقراصاً، ومنهم من يترك الأوراق تجف ثم يحمصها ويسحقها بيديه، ثم يمزجها ببعض بذور السمسم المقشور ويضيف بعض السكر ثم يتناولون هذا العقار الجاف بمضغه لفترة طويلة من الزمن، وهم في الوقت نفسه يلوحون بأيديهم في حالة معنوية عالية ويصلون بنتيجة تخدير هذا العقار لهم إلى حالة الجنون أو إلى شيء قريب جداً منها...».

ومن الصدف العجيبة، أن صحيفة «تايمز» البريطانية، نشرت في ملحقها ليوم 31/7/2001 رأيا طبيا عن الحشيش يشبه إلى حد كبير رأي ابن البيطار، ويؤكد رسمياً أن الاستمرار في تعاطي الحشيش يؤدي إلى الموت البطيء وقبله العصاب والجنون.

والمهم في بحث دوساسي ان نسبة الحشاشين إلى الحشيش ليست أكثر من رأي واحد بين عشرة احتمالات ناقشها قبله كل من ارنولد اوف لوبك ورينودو وكازانوفا وفالكونت، ودو جيبلان وغيرهم وبعض هؤلاء يعيد الاشتقاق إلى بلدة Hassa القريبة من تكريت العراقية، بينما يعود به آخرون إلى جبل السكين القريب من مصياف السورية، وهذا الربط ـ وصاحبه فالكونت ـ يعتمد على تخصص الحشاشين بتنفيذ اغتيالاتهم السياسية بالسكاكين والخناجر القصيرة، وسكين ايضا اسم شخص ظهر في القاهرة بعد غياب الحاكم بأمر الله، وزعم انه الحاكم وتبعه كما قال الاخباريون خلق كثير.

وأياً كان المصدر، فإن خرافات الحشاشين بدأت من عند ابن رازم وأخي محسن اللذين صنعا أول نص عن ليالي الإباحة والعربدة في الحدائق السرية عند المارقين. ومن ابن رازم إلى ماركو بولو ودوساسي ترسخت ـ كما يقول فرهاد دفتري ـ تلك الخرافة السوداء المتجذرة في الجهل المتوهم للأوروبيين في العصر الوسيط وكلها قائمة على المغالطات ونتف محورة من المعلومات التاريخية. أما حقيقة الأمر، فإن الحسن صباح صاحب قلعة آلموت التي انطلقت منها الأسطورة كان تقياً لا يقرب الحشيش ولا الخمر، وقد قتل ولده لأنه تعاطاها ثم تخلص من ابنه الثاني لاشتراكه في اغتيال احد الدعاة، وبذلك أثبت عملياً انه لا يبحث عن تأسيس سلالة تتوارث الحكم في (جمهورية آلموت) التي تعني (عش النسر) ومع ذلك لم تضع النسر رمزاً على راياتها. لقد استشهدت كارول هيليتبرايد التي تمثل أحدث موجة استشراقية حين تحدثت عن صراع السلاجقة مع حكام آلموت بسناء الدين مؤلف كتاب انهيار الامبراطورية السلجوقية الذي قال عن الطرفين: «إن التاريخ العام لسلاجقة العراق وخراسان هو باستثناء عهد السلطان سنجار أخبار حكام شجعان، لكنهم حمقى يفتقرون إلى الحس السياسي»، وكان المفروض أن يضيف هذا المؤرخ الشجاع عبارة «مساطيل» إلى حمقى، فالتاريخ السياسي للمنطقة يشهد قديماً وحديثاً على قرارات لا يفسرها غير تعاطي أردأ الأصناف.

إن القرار السياسي «المسطول» لا يحتاج إلى حشيش وحشاشين، فالأنانية وضيق الأفق وحب التسلط وسفك الدماء أخطر من أي عقار مخدر، لكن المخيلة الأوروبية ومع معرفتها بهذه البديهيات أصرت على اختراع العقاقير السرية لتكتمل صورة الحدائق السرية الزاخرة بالأشربة والنساء، وحين تختلط السياسة بالعقائد في حوجلة المخيلة المكبوتة التي تسقط عقدها على الآخرين، لا بد أن ينتج ذلك المزيج العجيب المزيد من الخرافات الشرقية المكرسة لتقزيم «الآخر» الذي هو «نحن» ونعته بكافة أوصاف التوحش والشذوذ والتخلف، وهل هناك ما هو أكثر تخلفاً من ساسة لم يبتكروا لمشاكلهم ومشاكل مجتمعاتهم وللحوار مع خصومهم حلولاً غير استخدام الخنجر والسكين؟