ميلودي حمدوشي: الرواية البوليسية لا يمكن أن تزدهر في البلدان الدكتاتورية

الروائي البوليسي المغربي لـ«الشرق الأوسط»: من حق القارئ العربي في هذه الظروف أن يكون له أدبه البوليسي

TT

ميلودي حمدوشي، كاتب روائي باللغة العربية والفرنسية، صدرت له حوالي عشر روايات باللغتين، وهو متخصص في علم الاجرام، ناقش اخيرا رسالة دكتوراه الدولة في فرنسا في موضوع «جرائم الصحافة في القانون الفرنسي»، ويعمل الآن استاذا جامعيا بجامعة الحسن الثاني للعلوم القانونية والاجتماعية بالدار البيضاء. وهو من الروائيين المغاربة والعرب القلائل الذين كتبوا الرواية البوليسية، وتحولت روايته «الحوت الاعمى» الى شريط سينمائي في القناة التلفزيونية المغربية الثانية، كما تصدر له قريبا مجموعة قصصية بوليسية. في ما يلي نص الحوار:

* يقال عادة بأن ظهور الرواية البوليسية يرتبط بشكل وثيق باتساع فضاء الحريات، الى أي حد يعتبر ذلك صحيحا بالقياس لتجربتك وتجربة روائيين آخرين في مجتمعات أخرى؟

ـ الحرية شرط اساسي لكل ابداع، ولا يمكن للابداع ان يزهر إلا في مناخ الحرية. وبالنسبة للقص البوليسي أو ما يعرف بالادب الاسود، تكتسي هذه الحقيقة اهمية خاصة، لان هذا الادب هو ملتصق بالوجه الكالح الذي تتحاشى المجتمعات المنغلقة الحديث حوله لانها غالبا ما تكون مسؤولة عنه اجتماعيا واقتصاديا على الاقل.

في باقي الاجناس الادبية والفنية يمكن للرمزية ان تصبح بديلا ومتنفسا للمبدع في البلدان المنغلقة سياسيا، ولكن لا يمكن تصور هذه الرمزية في ادب يتعامل مباشرة مع ارتداد المرء عن انسانيته، ويحلل احيانا الاسباب الموضوعية لذلك من خلال وقائع معيشة.

ولذلك فان هذا الادب لم يعرف في البلدان التي ساستها الدكتاتوريات، وأنظمة الحزب الوحيد التي تعادي الحريات وترفض الرأي الآخر.

* تنطلق في كتابتك من واقعة مخصوصة، وهي واقعة الجريمة، هل تعتقد ان الجريمة هي المسافة الاقرب لفهم البناء النفسي للافراد وردود افعال المجتمع بمختلف طبقاته وتشكيلاته؟

ـ غالبا ما أنطلق في كتاباتي من الجريمة، التي لا تعني القتل دائما، لان لفظ الجريمة هو وصف عام لكل ما هو مخالف للقانون، سواء كان جناية او جنحة أو مخالفة، ولكنني لم أكتف في كتاباتي بالانطلاق من جناية القتل التي هي ازهاق روح بشرية بدون وجه حق، ذلك انني وظفت اكثر من مرة في اعمالي جنحا عادية، على غرار «مجتمع الصدفة» التي انطلقت فيها من جريمة نصب عادية وقعت احداثها في مدينة فاس.

اما لماذا المنطلق من الجريمة، فلأنها تكشف المستور وترفع القناع عن الوجه الحقيقي للمجتمع الذي لا يمكن للرتوش ولا الاصباغ ان تخفي حقيقته الانسانية سواء في قوتها او ضعفها.

وكما ان الجريمة انواع، فالمجرمون انواع، ولا بد المهتم بهذا النوع من الادب ـ كاتبا او قارئا متميزا ـ من ان يلم بعلم الاجرام، ويدرس نظريته التكوينية والسوسيولوجية والسيكولوجية.

* لمن ينحاز كاتب الرواية البوليسية: هل لسلطة الاخلاق، ام لسلطة القانون، ام لسلطة المجتمع؟

ـ ليس للرواية البوليسية وظيفة أخلاقية بالمفهوم العام، لانها تحكي فقط عن ظواهر اجتماعية وتصفها بدقة تاركة للقارئ ان يستخلص منها ما يريد. عندما نقول ان لهذه الرواية وظيفة اخلاقية وتهذيبية فأعتقد اننا نحملها فوق ما تحتمل، ولا ينفي ذلك ـ على أية حال ـ مسؤولية الكاتب في ان يستخلص ـ بأدواته الابداعية، واسلوبه الفني ـ الحقيقة التي ينبغي ان يبشر بها اي ابداع بوليسي، كون الغلبة ينبغي ان تكون دائما للقانون، لا للجريمة والمجرمين.

* اذا جاز ان نتكلم عن وظيفة الرواية، فما هي وظيفة رواياتك البوليسية التي تربو على العشر، بمعنى هل انت صاحب مشروع مجتمعي واخلاقي يتخذ الرواية شكلا لذلك؟

ـ قد لا نملك احصائيات دقيقة عن عدد المهتمين في العالم العربي بالادب الاسود فيلما أو رواية او قصة، ولكن من المؤكد ان زبناء هذا الادب وهواته كثيرون، لننظر الى شبابيك السينما عندما تستورد فيلما بوليسيا جديدا، ولنستحضر صور جيل الخمسينات والستينات في العالم العربي الذي كان قارئا لدرجة الادمان للروايات البوليسية المترجمة التي كانت تجتر نسخها مطابع القاهرة وبيروت. اعتقد من حق القارئ العربي في هذه الظروف ان يكون له أدبه البوليسي الذي ينطلق من واقعه، ويسجل خصوصياته. ومشروعي الروائي هو خطوة في هذا الاتجاه.

* الجريمة في روايتك، كما أرى، هي شيء نسبي، فأنت تشتغل على مستويات اخرى: مستوى تعليمي ومستوى بلاغي ولغوي، هل يمكن القول ان التضمينات المتوازية هي احدى خصوصياتك ككاتب رواية بوليسية؟

ـ لا بد لكاتب الرواية البوليسية، على غرار باقي الابداعات الاخرى، من قاعدة لغوية وثقافية تسند عمله، وتمنحه طابعه الادبي. بالنسبة لي فإن اهتمامي بهذا النوع من الحكي قد استفاد بالتأكيد من السنوات التي قضيتها متأملا في مشكلة الجريمة والمجرمين، وهو اهتمام اذا كانت الملكة قد بلورته في ما صدر لي من اعمال، فانه وجد قاعدته العلمية في اعتباري استاذا مختصا في القانون الجنائي بصفة عامة وعلم الاجرام على الخصوص.

* رواية «الحوت الاعمى» تحولت الى شريط تلفزيوني، الا ترى ان اعمالا ادبية كتبت اصلا للقراءة يصعب تحويلها الى لغة الصورة ألا يفقدها ذلك احدى نقاط قوتها الجمالية؟

ـ يصعب بالفعل تحويل عمل كتب اصلا للقراءة الى لغة الصورة، ولكن اذا توفر لهذا العمل المخرج المبدع، والممثل الموهوب، فقد يحقق هذا المجموع المتضافر ابعادا تتجاوز قيمتها قيمة النص المجرد والدليل على ذلك ان هناك نصوصا روائية عادية ما كانت لتحقق ما حققته من واسع الانتشار لو لم يتوفر لها هذا «الربيرتوار».

* اخترت ان يكون كتابك المقبل مجموعة قصصية بوليسية، لماذا هذا الانتقال العكسي من الرواية الى القصة، وهل تصلح الرواية لان تكون شكلا للكتابة البوليسية؟

ـ لا يتعلق الاصدار الجديد بانتقال عكسي من الرواية الى القصة القصيرة، بل يتعلق الامر بمجموعة من القصص القصيرة كتبت في مراحل زمنية متفرقة منها ما نشر ومنها ما لم ينشر وعنَّ لي جمعها واصدارها في كتاب وهو تنوع محمود باعتبار ان لكلا النوعين قراءه وهواته.