مستنسخو الكتب في العراق.. وراقون معاصرون أم محتالون؟

مثقفون عراقيون يدلون بآرائهم المتضاربة حول ظاهرة الاستنساخ التي تجتاح بغداد

TT

وجد المثقف العراقي نفسه، في ظروف الحصار، مقطوعاً عما يجري في العالم ثقافيا وعلمياً. وحاول هذا المثقف في سنوات الحصار الأولى أن يتحايل على هذه القطيعة بالاستعانة بالاصدقاء في الخارج. ولكن مع استمرار الحصار ولدت ظاهرة جديدة في العراق وهي ظاهرة استنساخ الكتب بواسطة الكومبيوتر والماسح الضوئي، مختارين أهم الاصدارات الثقافية والعلمية في الاسواق العربية.

واستقبل قسم من المثقفين هذه الظاهرة بارتياح، بينما اعتبرها آخرون سرقة صريحة للمؤلف والناشر معاً.

هنا آراء عدد من المثقفين العراقيين اسماعيل: ظاهرة صحية يقول الكاتب الصحافي محمد اسماعيل:

* انها ظاهرة حسنة، تعوض المثقف العراقي عن اصدارات كثيرة، لا تصل باعداد تجارية، فيكتفي (الناسخ) أو (الناشر) بنسخة، تصير اعدادا. وبدل ان ينوشها فرد واحد، تدخل الى مكتبات كثير من المثقفين، أما الذين يتحدثون عن (حقوق المؤلف) فالأحرى بهم أن يتحدثوا عن حقوق الانسان في التعلم والمعرفة والوصول الى كل مبتكرات التكنولوجيا.

* محمود: سموم فكرية أما الناقد والمترجم غانم محمود، فيقول:

* أعد ظاهرة استنساخ الكتب جريمة لأن (الناسخين) يلغون حق الناشر والمؤلف، أي ان استنساخ أي كتاب هو سرقة لجهد آخر، وللأسف، فإن ظاهرة الاستنساخ روجت لافكار ومطبوعات يمكن ان نربأ عنها، لأنها تفرز سموما فكرية وتنشر افكارا مغايرة، بل ومعادية لمناهجنا التربوية والوطنية والثقافية والقومية، وفيها تمرير لبعض المقولات الفكرية الاجنبية التي تتقاطع مع واقعنا، وهي بالتالي محاولات لتشويه الواقع بشكل او بآخر. على القارئ ان يكون حذرا، بل اذهب الى اكثر من هذا فادعو الجهات الرقابية الى وضع رقابة شديدة على هذه المستنسخات، خاصة ان للمستنسخين دوافعهم التجارية البحتة، ولا يبالون ان يضعوا بين ايدي القارئ أي كتاب، ولو كان ذا نهج عدائي واغراض مبيتة سلفاً.

* الصفار: إنها سرقة أما حسام الصفار رئيس جمعية الناشرين العراقيين، عضو ادارة اتحاد الناشرين العرب، فيقول:

* اننا أمام جريمة حرمتها القوانين الوضعية كما حرمتها الأديان السماوية، فكيف يمكن الدفاع عن سارق؟.. لقد شملت هذه السرقات التي يسمونها (الاستنساخ) جهودا كبيرة ومضنية لمبدعين ومؤلفين ومفكرين بذلوا اضافة الى ذلك الكثير من المال من اجل ان تتحول عصارة هذه الجهود الى كتاب، ثم يأتي (السارق) ليتاجر بجهود غيره دونما وازع من ضمير.

لقد شملت هذه (السرقات) جهود مؤلفين وكتاب واساتذة عراقيين عانوا ولا يزالون من الحصار وضغوطه الكثيرة فوقعوا بين رحى الحصار و«الحرامية» لذلك فاننا ندعو الى تحريم هذه الظاهرة و(تجريم) مرتكبيها.

* الشرع: خدمة كبيرة ويرد حافظ الشرع، صاحب مكتب استنساخ، على هذه الاتهامات بقوله:

* استنساخ الكتب يقدم خدمة كبيرة للقارئ والمثقف والطالب، ويوفر لنا جهدا ومادة، ويؤمن اطلاعا سريعا على ما يحدث في العالم بشكل يؤمن للمثقف والقارئ العراقي خرق منظومة الحصار الجائرة. انا ارى ان كل رأي مناقض لهذا هو دعوة غير سوية وتحتاج الى تصحيح.

* سلمان: عودة جديدة للوراقين

* ويرى القاص والناقد التشكيلي محمد خضير سلمان ان المستنسخين هم وراقو الطرق المعاصرون، منذ كانت الحضارة البغدادية مركزاً للعلوم، والتي يؤمها العالم آنذاك، كان الوراقون هم رسل الطباعة والتأليف والتوزيع، كما بلغ من اهتمام او عناية أهل ذاك الزمان الى حد صناعة (الكاغد) وتدبير الاحبار من خلال الاسفار البعيدة، وكتم الاسرار في الرقاع والاوراق، وانتشار مراسلات الامراء بنسخ الكتب وبعثها الى الثغور والحواضر والأمصار. ولكن بحلول الطباعة الحديثة وذيوع المطبوع (الكتاب) تحولت المخطوطات من مسارها الوظيفي الى صورتها الجمالية، ومن الاستخدام الى التأمل، واستطاع الكتاب كنموذج متكرر للآلة ان يخترق الواقع للمخطوطة في الاستخدام، الى الفاعلية في النموذج الواحد المتكرر، وانتهت بذلك مهمة الوراقين، وانحسرت مهنتهم، ولكن حين انتفى الكتاب وانحسر بسبب محنة الحصار، صارت مهمة الاستنساخ تمثيلا لذلك الوراق القديم الذي ينعم ريشته في تدبيج الرقاع والاوراق، فالحصول على كتاب من الخارج تصير حالة انتشاره على وفق (الاستنساخ) شيئا بالامكان، وافضل من ان تظل مسافة القطيعة بين الثقافة المحلية والمنجزات العالمية طويلة.

ان ما نسميها بثقافة الاستنساخ ليست اكثر من عودة جديدة للوراق، ولكن على شكل جديد.

* المجر: صيغة دفاعية وهجومية ويقول القاص عبد الأمير المجر:

* في هذا المقام سأستعير جملة لعالم اقتصاد لا يحضرني اسمه يقول (ان الطبيعة بخيلة في انجاب المواهب، لذا ابتكر الانسان النظام المدرسي)، وهذا القول يحيلنا الى تصور شكل العالم لو ان (نيوتن) و (اينشتاين) و (اديسون) ماتوا من دون ان تحتفظ البشرية بنظرياتهم المنجزة في ما بعد، والتي غيرت وجه التاريخ البشري. وهذه المقاربة سقناها لنؤكد ان جذوة الثقافة في أي بلد تكمن في النخبة المثقفة فيه، وان هذه النخبة تعرضت في العراق ومن خلال الحصار الشامل الى الاطفاء أو القتل، بتعبير اكثر مناسبة ان لم نقل اكثر قسوة، ومن هنا، وكنوع من انواع الدفاع عن الذات في معركة تأكيد تواصله الثقافي، ابتكر المثقف العراقي صيغة استنساخ الكتب التي تصل الى العراق بشكل او بآخر، وهي صيغة دفاعية بحتة من جهة، وهجومية بمعنى من المعاني من جهة اخرى.

* نجلاء عبد الصاحب: ظاهرة حضارية أما الدكتورة نجلاء عبد الصاحب فترى ظاهرة استنساخ الكتب كما يلي:

*انها ظاهرة حضارية تتجاوز، بل وتحطم، قضبان الحصار، وتديم للمثقف العراقي اتصالا مع المنجز العلمي الجديد في العالم، على الرغم من الاثمان المكلفة التي يبيع بها المستنسخون ما استنسخوا، لكنها تظل اقل من القيمة العلمية التي تحتويها.

وعلى الرغم من ذلك ـ تضيف ـ على المستنسخين ان لا يستغلوا الظرف فرصة للاثراء الفاحش، بل ان عليهم في ظرف الحصار ان يؤكدوا وجودهم الانساني والوطني، والا يرفعوا من اسعار ما يستنسخون الى الحد الذي يتجاوز المعقول.