مهرجان «دمشق السينمائي» أخرج العفريت من القمقم

إنتاج قليل وجوائز دولية

مشهد من الفيلم السوري «مرة أخرى» («الشرق الاوسط»)
TT

أثار «مهرجان دمشق السينمائي» في دورته السابعة عشرة جملة من الأسئلة، بدءا بواقع السينما السورية التي تعاني قلة الإنتاج (فيلمان في العام)، وتراجع مستوى الأفلام التي تنتجها «المؤسسة العامة للسينما» المنتج الوحيد للأفلام في سورية، وانتهاء بمقاطعة عدد من السينمائيين السوريين للمهرجان بسبب خلافات شخصية أو اختلافات في الرؤية. وبات البعض يطالب بإلغاء «المؤسسة العامة للسينما» التي عمرها نصف قرن اعتمادا على النجاح الذي حققه القطاع الخاص أخيرا، عبر محاولاته الخجولة لإنتاج أفلام نالت جوائز عالمية، منها «الليل الطويل» للمخرج حاتم علي و«نصف مليغرام نيكوتين» للمخرج محمد عبد العزيز.

وبرر المدير العام للمؤسسة محمد الأحمد مؤخرا قلة الأفلام المنتجة من قبل «المؤسسة العامة للسينما» بالميزانية القليلة التي لا تتجاوز 3 ملايين دولار، منها مليون دولار فقط لإنتاج الأفلام (الطويلة والقصيرة وأفلام المناسبات)، مشيرا إلى أن ميزانية المؤسسة لا تكفي لإنتاج مشهد واحد في فيلم أجنبي. وفي رده على سؤال حول جدوى قيام مهرجان سينمائي في سورية رغم قلة الإنتاج قال الأحمد: «المهرجان هو الذي يؤسس لوجود صناعة سينمائية، أي أننا إذا ألغينا المهرجان لن يكون هناك ميزانية خاصة للإنتاج السينمائي» فيما قال الأمين العام لمهرجان دمشق رأفت شركس، إن المؤسسة العامة للسينما هي الجهة الوحيدة في العالم العربي التي تُقدم ميزانية كاملة للمخرج، مشيرا إلى أنه في بقية الدول تقوم مؤسسة السينما بتمويل جزء من العمل، ويتكفل المخرج بالباقي. وأضاف: «في مصر وتونس ألغوا مؤسسة السينما التي أنتجت أهم الأفلام في تاريخ البلدين، وبات المخرج يلجأ إلى شركات غربية لتمويل فيلمه، وتقوم الأخيرة بفرض جملة من الشروط يضطر للخضوع لها».

ويرى شركس أن السينما السورية شهدت تطورا كبيرا في العقد الأخير «حيث استوردنا أحدث التقنيات، من كاميرات ديجيتال وآلات تحميض ومونتاج ومعامل طباعة. وأصبحت الأفلام تصنع بالكامل داخل سورية، فضلا عن أن الأفلام باتت أكثر جرأة في طرح القضايا الاجتماعية وغيرها». لكنه يؤكد أن السينما السورية ما زالت تحتاج إلى تمويل جيد وصالات حديثة وتنوع في المواضيع. ويضيف: «نحن منذ 30 عاما نقدم أفلاما تتحدث عن الهموم والسير الذاتية ونغفل جوانب هامة. فعلى سبيل المثال الدراما التلفزيونية التركية، رغم عيوبها الفنية، نجحت في استقطاب المشاهد العربي لأنها تطرح موضوعات الحب التي نفتقدها في أعمالنا». فيما يعتقد الناقد السينمائي منصور الديب، أن المشكلة الرئيسية تتعلق بالمؤسسة العامة للسينما، لأنها غائبة عن دراسة مزاج الجمهور وعدد الأفلام الذي تنتجه قليل. ويؤكد الديب أن المؤسسة تضطر في كل تظاهرة لاستئجار صالة عرض لعدم وجود صالة سينمائية خاصة بها، وغالبا ما تكون شروط العرض غير جيدة ولا يتجاوز عدد الجمهور 20 شخصا في صالة تتسع لأكثر من 600، في مدينة دمشق التي تحوي 5 ملايين نسمة. من جانبه يؤكد المخرج نضال الدبس أن هناك اتهامات للسينما السورية بأنها لا تخرج عن إطار سينما المؤلف لكنه يعتبر تلك سمة جيدة لأن العالم يتجه اليوم نحو سينما المؤلف. ويضيف: «نحن مطالبون بإنتاج سينما جماهيرية، وأعني بمصطلح «جماهيرية» على الطريقة الأميركية «أكشن» أو على الطريقة المصرية «مشاهد ساخنة». وهذا ناتج عن وجود ذائقة لونية أحادية تشكلت لدى الناس عبر سنوات طويلة». ويطالب الدبس بضرورة زيادة الدعم الحكومي، وإشراك القطاع الخاص، مع وجود نوادٍ سينمائية وصالات عرض مجانية. غير أن المخرج نبيل المالح يعتبر أن السينما السورية فقدت ألقها وتنوعها بتحولها إلى «سينما مخرجين»، مشيرا إلى أنها عاشت عصرها الذهبي في سبعينيات القرن الماضي، حيث دخلت في «مغامرة إنتاج» ضمن ظروف سياسية وفكرية متقلبة سادت تلك الفترة. ويضيف: «فقدنا قدرتنا على الإنتاج الأجمل والأكثر حرية، فقدنا الفيلم السوري الذي يحمل رسائل حضارية وفكرية وجمالية». فيما يدعو الناقد السينمائي بشار إبراهيم إلى وجود سينما مستقلة تبتعد عمّا هو سائد، من حيث آليات التفكير وزاوية الرؤية والتعبير، مشيرا إلى أن هذا النوع قد يكون «في سياق سينما القطاع الخاص أو العام. ويعتقد إبراهيم أن السينما المستقلة تتضمن طيفا واسعا من الحقول، تبدأ من الأفلام السينمائية الاحترافية التي أنتجها مخرجون محترفون بشكل مستقل، ولا تنتهي عند أفلام الشباب. ويرى أن هذا النوع من السينما يتميز بالجرأة وموضوعات تذهب نحو التفاصيل الصغيرة وتبتعد عن القضايا والشعارات الضّاجّة». ويضيف: «السينما السورية بحاجة لدم جديد، وهذا لن يكون إلا بفتح الآفاق أمام مخرجين شباب، وبإطلاق حرية التعبير، والتنوع. ففي سورية الكثير مما هو كامن، وكل ما نحتاجه هو إفلات الطاقات من عقالها».

من جانبه يؤكد المخرج علاء عربي كاتبي مدير «مؤسسة بيت الفن لسينما الشباب»، أن أبرز ما يميّز السينما المستقلة أو سينما الموجة الجديدة، وجود إمكانية كبيرة لتطويرها على مستوى الصورة والمضمون من خلال ابتكار أفكار جديدة وفق تقنيات سينمائية بسيطة. ويشير إلى ضرورة وجود جمعية خاصة بالسينمائيين الشباب في حال تعذر وجود معهد سينمائي، داعيا المؤسسة العامة للسينما إلى إيجاد تجمعات سينمائية خاصة تقدم الدعم المادي لعدد من السينمائيين الشباب من خلال تمويل مشاريعهم. ويعتقد عربي كاتبي أن السينما المستقلة في سورية تحتاج إلى 10 سنوات لتمتلك هوية واضحة، مشيرا إلى أن هذا يحتاج لجهة راعية (حكومية أو خاصة) تقدم جميع الخبرات والتمويل في مجال الإنتاج والإدارة.