الرواية العربية الحديثة تتسع تقنيا وتتعدد تحت خط الخطر

مشهدها بعيون نقاد وأدباء سعوديين

فهد العتيق وعالي القرشي
TT

ينظر بعض النقاد السعوديين إلى واقع المشهد الروائي العربي عامة والسعودي خاصة نظرة تفاؤلية يشوبها الحذر الناتج عن استسهال الكتابة، في ظل رغبة إبداعية جادة في إعادة صياغة علاقة الإنسان مع العالم من حوله، بعيدا عن الضجر والقلق الإنساني، للانتقال إلى فضاء أرحب من الكتابة التي تخلق مسارب للأمل ودهشة الروح بسبب اتساع دائرة تقنيات الرواية، بالإضافة إلى تعددها في نفس الوقت لكون الرواية الجنس الأدبي الوحيد الذي يمكن أن يتمثل صيغ المجتمع المدني ويقبلها.

القرشي: دائرة تقنيات الرواية تتسع وتتعدد

* الناقد السعودي الدكتور عالي القرشي ينظر إلى واقع المشهد الروائي العربي عامة والسعودي خاصة نظرة تفاؤلية يشوبها الحذر. ونظرة القرشي التفاؤلية تنبعث من «وجود استقطاب كثير من الطاقات الإبداعية على إنتاج الرواية، حيث يرى أن هناك رغبة جامحة تعمل على إعادة صياغة علاقة الإنسان مع العالم من حوله، وكذلك رغبة في مغادرة الضجر والقلق الإنساني إلى فضاء أرحب من الكتابة تخلق مسارب للأمل ودهشة الروح» كما يقول. وما يحمل القرشي على التفاؤل أيضا اتساع دائرة تقنيات الرواية بالإضافة إلى تعددها، إذ يرى أنها تتعدد؛ «من روايات تعتمد صياغة العلاقة التاريخية مع الحاضر، إلى رواية تنتج صياغة جديدة للتقنية وما يحفل به العالم من اتصال وحراك ثقافي يجعل الرواية فضاء مفتوحا للعديد من الفنون والتقنيات المختلفة مع إعادة وجودها وحركتها بما يتفق وخدمة العمل الروائي بشكل أفضل».

وهو يعتقد أن مجال الرواية فتح بوابات المسكوت عنه والمهمّش والمقصي، لكنه يحذر من استسهال الكتابة، فالرواية ليست مجرد حكي وصياغات كتابية من أجل الظهور الكتابي فقط، وليس كل الروايات التي صدرت، والتي انتهكت المسكوت عنه أجادت الصياغة الروائية من حيث البنية ومن حيث إحكام تجاور المفردات التي يستثمرها الروائي، مشيرا إلى أنه يقصد بالمفردات هنا توظيف الروائي لحدث تاريخي مع تناول القضايا المعيشة الآن، أو استثمار الروائي لوثائق أو مقولات لآخرين، موضحا أنه «في حالة لا يحسن صياغة تلكم المفردات وتجاورها وعندما تكون الرواية مجرد إعادة حكي ما يحكى وما يتحدث به عامة الناس، ففي هذه الحالة تصبح الرواية مجرد ظهور حروف مطبوعة بين دفتي غلاف».

واستدرك القرشي بأن هناك روائيين يقرأ لهم الآن مثل وليد إخلاصي والأعرج ورجاء عالم وعبده خال وإبراهيم عبد المجيد ويوسف المحيميد وعبد الحفيظ الشمري، غير أن رواياتهم لا تخرج عن كونها إعادة لصنع المحكي ليكون مكتوبا سائرا ومختلقا في شكل إنتاج كتابي.

العدواني: الرواية السعودية رواية كمية

* وأما الناقد السعودي معجب العدواني فاعتبر أن كثافة إنتاج الجنس الروائي علامة من علامات الوعي المتقدم لدى الشعوب، ونوع من أنواع تفعيل أدوار الأمم في الحياة المدنية الحديثة، ويعود ذلك برأي العدواني لكون جنس الرواية الجنس الأدبي الوحيد الذي يمكن أن يتمثل صيغ المجتمع المدني ويقبلها.

وأضاف العدواني «إن الرواية جنس مؤسس على مبدأ التعدد والحوارية التي تؤمن بالآخر المختلف في دينه أو مذهبه أو قبيلته، وأن الحوارية الشكلانية التي تتجلى لغويا في الأعمال الروائية، وتتمثل في حوار الخطابات داخل العمل الروائي، تنعكس أيضا في توجيه حواري مع بعد لغوي يتصل بكافة الخطابات الأخرى، ولهذا فإن الرواية العربية في الألفية الثالثة بصورة عامة قابلة لتمثل ذلك الاتجاه، ومن هنا تكمن أهميتها ودورها في المستقبل».

ويعتقد العدواني أن الرواية في مصر رواية نوعية وفيها كثير من المعقولية، ذلك لأنها برأيه نجحت في الألفية الثالثة في الفوز بجوائز روائية مثل رواية «واحة الغروب» لبهاء طاهر، و«عزازيل» ليوسف زيدان.

غير أنه يرى أن الرواية السعودية رواية كمية، ولكن، مع ذلك، هناك أعمال تستحق أن ترد في سياق التجربة الروائية العربية عامة، وقال، في هذا السياق، كما في بعض أعمال رجاء عالم الروائية، وكذلك عبد الله بخيت في «شارع العطايف»، «وهو عمل ناضج ومتميز يستحق الإشادة».

وأشار العدواني إلى أنه تبرز في العالم العربي أسماء من العراق مثل بتول الخضيري في رواية «غايب»، ومن الأردن بعض أعمال هاشم غرايبة، و«الآفة» لعبد الله العروي من المغرب، و«روائح ماري كلير» للحبيب السالمي من تونس، وهناك أعمال أخرى كثيرة تستحق أن تذكر في هذا السياق من سورية والخليج العربي.

ويضيف: «ينبع الضعف الأبرز في بعض الأعمال الروائية العربية، من التركيز على التجريب، وتناول « الثلاثي المحرم» بصورة غير فنية، بل اعتباطية، إذ إن التجريب ينبغي أن يتم ـ كما يشير محمد برادة ـ «عبر استلهام الروائي لتجارب الآخرين في سياقاتهم الثقافية المختلفة، ومن ثم خلقه لأسئلته الخاصة التي يسعى إلى صياغتها بما يستجيب لسياقه الثقافي ورؤيته للعالم».

العتيق: أدباء معروفون يكررون أنفسهم

* وفي هذا السياق قال الأديب والناقد السعودي فهد العتيق إن من أجمل وأهم الروايات العربية التي قرأها في السنوات الأخيرة رواية (النعنع البري) للأديبة السورية أنيسة عبود، حيث يرى فيها نصا سرديا موسيقيا عذبا وملهما وفيه أدب حقيقي، مشيرا إلى أنه نص مهموم بقضايا إنسانية عالية القيمة وعالية الفن وعالية اللغة، وأنه لا علاقة له بالأجيال أو بالزمن والزحمة وكثرة الإصدارات في الإبداع، الزمن ضد الكاتب الذي يكرر نفسه وليس ضد المبدع الحقيقي.

وأشار العتيق إلى أن هناك أدباء معروفين في العالم والعالم العربي والخليج والسعودية، أخذوا يكررون أنفسهم في روايات لا تضيف شيئا؛ حيث يراكمون روايات متوسطة المستوى أو ضعيفة، مستدلا على ذلك بما يكتبه الآن أغلب جيل الستينات في مصر وفي العالم العربي، وجيل الثمانينات والتسعينات في السعودية والخليج، من روايات متوسطة المستوى، تعبر عن لهاث من أجل الحضور على منصة المسرح الأدبي والثقافي الإعلامية بحجة أن «من لا يكتب رواية كل عام أو كل عامين، حتى لو كانت ضعيفة أو متوسطة المستوى، فهو يترك مكانه لغيره على منصة مسرح الحضور الأدبي الإعلامي، وهي منصة متوهمة وغير موجودة إلا في أذهان كتابنا».

واستثنى العتيق بعض الكتاب ومنهم الكاتب المبدع إبراهيم أصلان الذي يعتقد أنه «ما زال يكتب بروح الكاتب الفنان المهموم بقضايا جادة لكنه يحترم الكتابة كفن إنساني يفترض أن يحتفظ بجماله وعمقه إلى الأبد حيث لم ينجرف لتيار كتابة رواية كل عام فاحتفظ بقيمته كمبدع فنان وكبير وبقيمة ما يكتبه من نصوص فذة كل عام».

القحطاني: النقد في السعودية هو الأفضل

* ويرى الأديب والناقد السعودي الدكتور سلطان بن سعد القحطاني أنه أصبح للرواية العربية شخصيتها الاعتبارية، بعد منتصف القرن العشرين، وأخذ التأثير طريقه إلى الأقطار العربية منطلقا من مصر وبلاد الشام، وانتشر التعليم والإعلام، الإذاعي والمقروء، ليساعدا في تطور هذا الفن الجميل الذي لم يستطع غيره من الفنون أن يخاطب وجدان المتلقي ويعالج مشاكله بالطريقة الفنية، واليوم تقف الرواية العربية في مصاف الرواية العالمية، وأصبح كتابها من العلامات العالمية، أمثال الطيب صالح ونجيب محفوظ وغيرهما من الكتاب.

ويضيف: «في مطلع الألفية الثانية بدأت الرواية تأخذ منحى آخر في المضامين، فبرأيي وفق القليل منها وأخفق الكثير، وهذا ليس بالغريب في عالم الفن، فالفن معروف بالقليل، أو ما يسمى الخاص، أما العام فكثير وقليل بقاؤه، لكن القضية ليست بقاء من عدمه، فالأمر أكبر من ذلك. إنه متعلق بقدرة الروائي على السيطرة على أركان الرواية الفنية، والبعد عن الرصد الصحافي الإخباري، وإلا عاد الكاتب إلى القصة الخبرية عند رواة الملاحم القديمة».

ويعتقد القحطاني أن النقد في السعودية أحسن حالا من غيره في البلاد العربية، مشيرا إلى أن هناك ملاحق صحافية ترحب بالنقد البناء ونشر كل عنوان جديد، وتلخيص مفهومه، إلا أن هناك كتاب صحافة ليسوا بنقاد فيطبلون لبعض الأعمال مجاملة لكتابها، وبالتالي يفسدون مصداقية النقد، مما ينعكس سلبا على القارئ العادي.

ويرى القحطاني أن التحول الذي حصل في الرواية السعودية في مطلع القرن الحادي والعشرين أفقد كثيرا من الثقة في الرواية، برصد بعض الظواهر السلبية في المجتمع، وانتقائية الموضوع، مما جعل الرواية تبدو كأنها قصة قصيرة مؤكدا أن الرواية ليست رصد حالة فردية، إنها هم جمعي وليست هما فرديا.ً

وينسب القحطاني ظهور هذا الظاهرة إلى النقد غير المسؤول، الذي يصدر عن أناس غير مختصين بالنقد، متوقعا «زوال العناوين التجارية الخاوية، وعودة المتلقي إلى الواقع وما يهمه في حياته اليومية».