معرض يحاول استكشاف هوية اللوحة السورية المستقبلية

الشباب غالبا ما يشكلون المفاجأة

TT

ماذا يعني أن تكون فنانا؟ كيف يتعرف المرء على الجمال؟ وما هي الذائقة البصرية؟ أسئلة طرحها منظمو مسابقة «بترو كندا» للفنانين الشباب التي أقيمت في دمشق على المشاركين، وكانت الحصيلة تعريفات متنوعة إلا أنها «تصب في البوتقة نفسها بطريقة أو بأخرى»، كما يقول كلود جيرونمي، نائب المدير العام للشركة المنظمة. وأردف جيرونمي متسائلا: «أحيانا يبدو الفن بلا معنى.. لكنه في الوقت نفسه عميق وأساسي. إذ كيف يمكن أن نتصور العالم بلا فن، بلا موسيقى، بلا نحت، بلا رسم بلا عمارة.. بلا أوبرا بلا رقص؟!».

مما لا شك فيه أن المسابقة التي أقيمت بالتعاون مع وزارة الثقافة السورية شكلت فرصة لتقديم دفعة كبيرة من الفنانين الشباب إلى الساحة الفنية التشكيلية السورية، ورغم الجهد الواضح الذي أبرزه الشباب في أعمالهم فإن قلة من تلك الأعمال يمكن التوقف عندها والتأمل فيها. فمعظم اللوحات بدت وكأنها رجع صدى لأعمال فنية عالمية معروفة أو متأثرة بأعمال جيل الآباء. ومع أن المعرض الذي أقيم للأعمال المشاركة في المسابقة سعى للكشف عن ملامح توجهات فن الشباب وهوية اللوحة السورية الجديدة، فإن معظم الأعمال غابت عنها الخصوصية والتفرد، ما عدا استثناءات قليلة كانت أعمالا جذابة بإحساسها المرهف، وبما تعد به في المستقبل، كلوحات عزة حيدر التي رأت أن الفن «تعبير عميق عما هو مخزون داخل القلوب من انفعالات وأحاسيس وإعادة اكتشاف الواقع ممزوجا بالخيال مع الاحتفاظ بالموضوعية والذاتية»، وأيضا لوحات خالد فاضل بما فيها من إحساس جميل، إلا أن التقنية لم تساعده كثيرا في إيصال هذا الإحساس، ومع ذلك استحقت الجائزة الخاصة من لجنة تحكيم الشركة الراعية. كذلك لوحات شادي العيسمي الحائز على الجائزة الثانية في معرض الشباب السادس عام 2006، والتي بدت أكثر تماسكا في عناصرها ومكوناتها مقارنة بغيرها من الأعمال المقدمة، وإن ظهر تأثره بأعمال لفنانين سوريين معروفين. فيما لوحات آذاد حمي الذي رأى أن «الفن مرآة تعكس ما في داخل الإنسان إلى محيطه الخارجي»، متناولا صراع الديكة من خلال صيغة لونية ذكية، عبرت رغم تقشفها عن صخب هذا الصراع وحدته، كما يمكن التنويه بأعمال ربيع كيوان الذي تميزت لوحته بوضوح رؤيتها وموضوعها، وبألوانها المدروسة بعناية، لتكون متوافقة مع رؤيته للفن «كوجه للواقع، والذي هو نتاج الصراع في البحث عما في داخله».

كما أن ثمة أعمالا أخرى تستحق التوقف عندها، لا سيما تلك التي تحمل طابع التجريب والبحث، والأعمال التي اعتمدت الكولاج وإدخال القماش كأعمال هبة العقاد، أو القماش والطين وخامات أخرى كأعمال محمد كوتي الذي عرف الفن بأنه «عالم مواز لعالمنا وموازن له».

وإذا أسقطنا هذا التعريف للفن على الأعمال المعروضة، سنكشف مدى انعكاس التشويش الحاصل واقعيا على الفن، حيث تغيب الرؤية الواضحة والألوان الصافية. فأغلب الأعمال مالت إلى الألوان العكرة، والملامح الهلامية أو المشوهة، لذا يصعب التقييم والحكم إذا ما كان هذا نتاج التأثر بالفوضى الحاصلة في العالم، أو التأثر بالرؤى الفنية السائدة عالميا. وفي مجمل الحالات ما يشفع لهذا المعرض أنه بداية شبابية لولوج ساحة الفن، التي يبدو أنها تعد بالأفضل، فيما لو نجحوا في البحث عن أسلوب خاص وابتكار هوية فنية تعبر عنهم وعن تجربتهم الحياتية، أكثر مما تعبر عن معارفهم الثقافية والفنية. وإذا صح ما قاله الفنان سامر قزح صاحب صالة قزح بأن «الشباب دائما يشكلون المفاجأة، وكل جيل شاب قادم هو حالة مختلفة من الغموض والاندفاع والتوهج»، فقد نكون أمام جيل جديد من المبدعين لم تتضح ملامحه بعد.

36 فنانا شابا شارك في المسابقة، كل منهم بثلاث لوحات، ليبلغ المجموع 108 لوحات عرضت في «دار الأسد للثقافة والفنون»، علما بأن عدد المتقدمين للمسابقة في المرحلة الأولى بلغ تسعين فنانا شابا اختير منهم 36 للمرحلة الثانية، والتي تم خلالها عرض الأعمال للبيع على أن يعود 75% من أسعارها للفنانين و25% لجمعية (بسمة) التي تهتم بالأطفال المصابين بالسرطان، وجمعيات خيرية أخرى.

كما خصصت للمسابقة ثلاث لجان تحكيم، تمنح كل منها ثلاث جوائز، وهي لجنة باسم أصحاب صالات العرض الفنية ولجنة خاصة بأساتذة «كلية الفنون الجميلة» في دمشق إلى جانب لجنة التحكيم الخاصة بشركة «بترو كندا» الراعية للمسابقة.

ذهبت الجوائز الثلاث الأولى إلى كل من إيمان صبح خريجة كلية الفنون الجميلة عام 2008 والمعيدة حاليا في كلية الفنون بحلب، والتي فازت بالمرتبة الأولى في مسابقة لجنة أساتذة كلية الفنون الجميلة، فيما حاز إلياس أيوب خريج كلية الفنون الجميلة عام 2009 المرتبة الأولى في المسابقة بنتائج لجنة صالات العرض الفنية. أما المرتبة الأولى بنتائج لجنة الشركة الراعية «بترو كندا» فكانت لعزية الشريف خريجة كلية الفنون الجميلة عام 2008 التي شاركت في المسابقة عن طريق المصادفة.

قدم المعرض «نفحة فنية» لونت فضاء الساحة التشكيلية السورية بمحاولات جديدة. لكن ما يؤخذ على منظمي المسابقة عدم عنايتهم اللازمة بالكتيب الذي يُعرّف بالمشاركين واللوحات التي ضمها المعرض. وتركت الصفحات لأصحاب الصالات، أعضاء لجان التحكيم، ليتكلموا عن صالاتهم بما يشبه الدعاية والإعلان التجاري في كتيب من المفترض أن يقدم فكرة نقدية لأعمال الشباب في المسابقة والمعايير التي اتبعوها في التحكيم، بما يساعد على تقييم هذه التجربة، بدل الكلام التهويمي العائم الصالح لكل زمان ومكان.