«البوح» في الرواية النسوية السعودية

مثقفون سعوديون: الروائيات سعين لترسيخ الهوية النسائية في واقع ثقافي ذكوري

أغلفة بعض الروايات
TT

على الرغم من هدوء العاصفة التي صاحبت ما سمي وقتها بفورة الروايات النسوية السعودية، فإن هذه الروايات ما زالت تثير الكثير من الاهتمام من جانب دراسات نقدية لفهم وتقييم الخطاب داخل فضاء الرواية. وتبدو دراسة هذه الروايات، التي برزت من خلالها أديبات محليات على المشهد الثقافي المحلي والعربي مقتحمات مناطق التابوهات المحرمة في السياق الاجتماعي، أكثر ملاءمة اليوم بعيدا عن صخب الإثارة التي واكبت بروزها.

لا يجادل أحد أن الروائيات امتلكن طاقة كبيرة من «البوح» عبرن عنه من خلال تلك الروايات، مهما كان موضوعها أو لغتها صادمة، لكن أي بوح سعت له تلك الروايات؟ وماذا تريد النساء أن تقوله من خلال أعمالهن الأدبية؟

تطفو على السطح قضية المرأة ومعاناتها في مجتمع ذكوري، وقضايا الحرية والمشاركة، وكذلك ترسيخ الهوية النسائية في واقع ثقافي ممانع، وهي مواضيع قال مشاركون في التحقيق التالي إنها أبرز محركات البوح داخل الرواية النسوية السعودية.

* د. الصفراني: ترسيخ الهوية النسائية

* الدكتور محمد الصفراني أستاذ النقد الحديث في جامعة طيبة، ينبه أولا على أن ثمة فارق بين مصطلحي «النسوية» و«النسائية»، فالأول يعني ما يتعلق بقضايا المرأة في الثقافة سواء أكتبه الرجال أم النساء، أما الآخر فيعني ما تكتبه النساء تحديدا، وعلى هذا الأساس، فهو يرى أن أكثر القضايا الثقافية النسوية الملحة لدى العنصر النسائي بشكل عام تكاد تتركز في قضية واحدة، هي قضية ترسيخ الهوية النسائية في واقع ثقافي ذكوري.

ويقول الصفراني إن قضية ترسيخ الهوية النسائية في واقع ثقافي ذكوري، تجسدت في قضايا كثيرة هدفت المرأة من خلالها إلى ترسيخ هويتها الثقافية الأنثوية، مثل قضية الكتابة بحد ذاتها وقضايا التابوهات وفي مقدمتها «الجنس» الذي يعد من أكثر مناطق البوح المباشر وغير المباشر في الرواية النسائية، وفي الواقع غلب على توظيف الجنس في الرواية النسائية طابع الجرأة.

وهو يرى أن هناك فرقا كبيرا بين طرح الجنس من أجل الإثارة ولفت الأنظار، وبين توظيفه توظيفا فنيا يخدم السرد الروائي وتنامي الأحداث وصيرورتها.

أما في ميدان القصة القصيرة فإن الصفراني يعتقد أن أبرز ما تريد الكاتبات الإفصاح عنه من القضايا الثقافية النسائية لا يكاد يخرج عن قضايا الروائيات، ولكن في أطر زمانية أقصر ومساحات مكانية أقل وشخصيات أقل، كما تقتضي طبيعة القصة القصيرة.

ويضيف الصفراني: «عموما، لا يعني تركيز النساء على هذه القضايا غياب تركيزهن على القضايا الأخرى، فمعظم الخطابات السردية النسائية إذا ما فحصت من خلال منهجية النقد الثقافي فسنلاحظ ترسيخ المرأة الكاتبة للسلطوية الذكورية في كتاباتها بصور غير مباشرة أو غير واعية في معظم الأحايين».

* المليحان: الغبن والاستلاب

* الأديب السعودي جبير المليحان، رئيس نادي المنطقة الشرقية الأدبي، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن القضية المركزية التي تدور حولها معظم الكتابات الإبداعية النسائية، هي: الحرية والعدل. وأوضح المليحان أن فضاء الرواية، مهما كان كاتبها، غالبا ما يضج بتناقضات الحياة التي يعيشها الروائي كأحد مكونات المجتمع، وصراع القوى المؤثرة في حياته بين قوى دافعة لتقدمه وحريته وانفتاحه، وأخرى تسعى لتكبيله بالقيود التقليدية.

المليحان لاحظ أن الروائي عندما يفكر في كتابة عمل إبداعي، فهو غالبا يتحدث عن واقع وليس عن خيال بعيد، مشيرا إلى أن كل إبداع هو إفراز لحراك اجتماعي موجود. من هنا، فإن المبدع الذي يحمل هما عاما، أو خاصا يحاول معالجة هذه القضايا من خلال إبداعه.

ويتحدث المليحان عن مناطق البوح في الرواية النسوية بالقول: « بنظرة فاحصة لواقعنا الاجتماعي نجد أن المرأة تأتي في مرتبة تالية، وهذا يخلق أنواعا كثيرة من الغبن والاستلاب الذي يمس الرجل أيضا، حتى وإن مارسه. وأمام هذا الوضع الغريب تتغلغل الكتابات الإبداعية النسوية أكثر في هموم النساء باعتبارهن الأقرب والأكثر معرفة، والأصدق لهجة. ويتمثل ذلك في وضع المرأة في العمل والمنزل والمجتمع بشكل عام».

وقال إن المجتمع المحلي «غالبا ما يطرح تناقضات معينة أو موضوعا ما، كرمز يمكن تعميمه أو إسقاطه على وضع المرأة بشكل عام في المجتمع.. وربما كانت أغلب المسارات التي طرحتها الكتب الإبداعية مؤخرا هي ما يخص التناقض بين الممارسات الخاطئة في الواقع، التي تتم باسم الدين، وأيضا التناقض بين ما يشاع عن مكانة المرأة في المجتمع، وصون حقوقها وحريتها، وبين الموجود والحقيقي الممارس ضدها في الزواج والجنس والمال وحرية الحركة).

* القحطاني: الحرية الإبداعية

* ويرى الأديب والناقد السعودي الدكتور سلطان سعد القحطاني، أن القضايا الثقافية الملحة في عنصر الإبداع النسائي تتلخص في ثلاثة أمور: أولها، علاقة الرجل بالمرأة، فقد نشأت في الثقافة الشعبية علاقة طردية بين الرجل والمرأة، بينما تنازعت المرأة المثقفة ثقافتان: عربية، ترى العلاقة تكاملية بين الطرفين، وعلاقة غربية نسوية مصطنعة ( Feminist) جعلت بعض المبدعات ينهجن هذا المنهج ويطالبن بالمساواة في كل الأحوال.

وأضاف: فيما يخص الأمر الثاني، فهناك مجموعة من النساء ظلمن من قبل الرجال، وانعكس هذا الظلم على شخصياتهن الإبداعية. وثالث الأمور، هو قضية الحرية الإبداعية ذات الطابع المعتدل في إبداء الرأي والمشاركة في المشروع الثقافي بجانب الرجل.

وبرأي القحطاني فإن هناك حاجة لدراسة الإبداع النسوي بموضوعية وعلمية على مستوى عال من الدقة، مشيرا إلى حاجة المبدعات للتحرر من الهم الشخصي، ومعالجة الهم الجمعي، خاصة في الكتابات الروائية. إن أكثر مناطق البوح في الرواية النسائية، بالنسبة له، تكون في علاقة المرأة بالمجتمع وتقاليده وأعرافه، النافع منها والضار على وجه العموم، مشيرا إلى أن الروائية تبوح بهذه المشكلة على مستوى فردي، لا يمثل الرواية، التي من شروطها أن تكون هما جمعيا لا فرديا.

ويشير إلى أن المشهد الثقافي المحلي يزخر بمجموعة من الروائيات الموهوبات ممن يملكن حسا إبداعيا، ولكن أمامهن طريق طويل يحتاج إلى صبر ومثابرة.

* أميرة المضحي: أرفض مصطلح «الأدب النسوي»

* الروائية السعودية أميرة المضحي لا توافق على مصطلح «الأدب النسوي»، مشيرة إلى أنه يولد انطباعا ينتقص من قيمة هذا الأدب، إذ إن «الآداب والعلوم لا يجب أن تصنف جنسيا».

وترى المضحي أن المرأة تعيش ضغوطا اجتماعية ودينية وعائلية وقبلية وإنتاجها الأدبي يعيش تحت وطأة الضغوط ذاتها، ويواجه عقبات وصعوبات متعددة، وتقول: «إن المرأة لا تعيش حياتها بحرية لكي تكتب بحرية، كما أن المرأة تعاني من عُقدة إسقاط النص على كاتبته».

وبرأي المضحي، فإن أكثر القضايا الثقافية إلحاحا في المشهد الثقافي النسائي هي محاولة تحطيم القيود الذكورية المفروضة على النساء، والكتابة والبوح عن معاناتهن الناتجة عن التهميش والتبعية والجهل والعنف.

وتقول إن قضية إثبات وجود المرأة ما زالت تمثل شغلا ضاغطا، موضحة أن الثورة على النظام الأبوي سائدة منذ سنوات من أجل تصحيح وضع المرأة في المجتمع ومحاربة العادات والتقاليد البالية.

لكنها تستدرك بقولها: «إن الكتابة المتسلحة بالصدامية والنبش في المجتمع من أجل كشف المستور والكتابة عن التابوهات، لا تمثل خطا عاما، وهي تسير إلى الركود، لصالح المشروع الأدبي والتوجه الفكري المعبر عن كل الهموم الإنسانية بشمولية وعن هموم المرأة ومشكلاتها التي لا تعد ولا تحصى بشكل خاص. ويرجع السبب إلى الإفراط في كتابة عن هذا الجانب بشكل غير ناضج أحيانا، ومن أجل الشهرة في أغلب الأوقات».