الكتاب الفلسطينيون في اسرائيل ...وحدة المكان و الانتماء الى ثقافتين

فاضل سلطاني

TT

بفضل غسان كنفاني، وبعد هزيمة 1967 تعرفنا على ما عرف بأدب المقاومة، وبالتحديد على شعراء الارض المحتلة درويش والقاسم وتوفيق زياد وغيرهم. وبعد اكثر من ثلاثين عاما، وخارج هذه الدائرة، ما زلنا لا نعرف الشيء الكثير عن الادب الفلسطيني الذي ينتج داخل اسرائيل نفسها، بل اننا قد نعرف عن ادب جنوب افريقيا الذي انتج داخل النظام العنصري اكثر مما نعرف عن الادب الفلسطيني داخل اسرائيل. ما زلنا نجهل كيف يفكر الادباء الفلسطينيون وخاصة الشباب، وبالتالي كيف يكتبون، فأن تعيش مع «الآخر» يوميا، وتراه في المقهى والمسرح والسينما، كما عبر احد الكتاب الشباب المشاركين في هذا الملف، امر مختلف جوهريا عن مواجهته في جبهة الحرب.

انه الجار الذي تلتقيه صباح مساء، وتدير شؤونك اليومية به ومعه بعيدا عن المجاز والتصورات المسبقة، والآيديولوجيا، وتدفع الضرائب مثله، وتشارك في انتخاب مؤسساته، قبل ان تكون مؤسساتك انت، والاخطر من هذا، ان يعيش الفلسطيني، اضافة الى ثقافته، مناخ ثقافة اخرى، وهي في مجملها ثقافة تنفيه، وتنكر انتماءه وارضه، ووطنه. وبالتالي لا بد ان تختلف كتابة الفلسطيني داخل اسرائيل، او فلسطين التاريخية، عن شقيقه الفلسطيني الذي شرد منذ عام 48 او لاحقا عام 67، فالاول، كما عبر احد الكتاب المشاركين، ينتمي الى ثقافتي طرفي الصراع، وقد اصبح جزءا من ثقافة الآخر/العدو.

من هنا تنبع خصوصية الكاتب الفلسطيني، الذي يعيش في اسرائيل منذ تأسيسها. وهي خصوصية تنعكس بشكل اكثر جلاء عند الكتاب الشباب الذين ولدوا في العقود الاخيرة.

لكننا لا نعرف شيئا من ذلك. فهذا الادب ما يزال غائبا عنا لأسباب كثيرة لا بد من طرحها ومناقشتها بكل شجاعة، لاخراجه من دائرته الجغرافية الضيقة، فلا يعقل ان تتوقف معرفتنا بالادب الفلسطيني في اسرائيل عند حدود ادب المقاومة ورموزه الذين عرفناهم منذ عام 67. وليس من المعقول ايضا، عدم ظهور كتاب جدد بحجم هؤلاء، لكنهم لم يتمتعوا بالفرصة نفسها التي وفرتها هزيمة (حزيران).

لقد اتهم كثير من الكتاب العرب «القوميين» درويش ـ قبل خروجه من اسرائيل ـ والقاسم بالخيانة ومحاولة اضفاء الشرعية على دولة اسرائيل لانهما سارا تحت العلم الاسرائيلي في مهرجان الشباب في بلغاريا نهاية الستينات، وتعرض اميل حبيبي لهجوم ضار ايضا حين قبل جائزة الدولة العبرية للثقافة. وما يزال البعض يتهم الكتاب الفلسطينيين في اسرائيل بالتطبيع لانهم يحملون جوازات سفر اسرائيلية، ويترجمون الادب العربي الى العبرية، والادب الاسرائيلي الى العربية. وهي اتهامات سهلة تعفي المرء من عبء التفكير في جوهر مأساة الانسان في ظروف كهذه.

فالفلسطيني لم يتعرض لاحتلال ارضه فقط، وانما لاحتلال ثقافي وفكري لا مثيل له في التاريخ حتى مقارنة بجنوب افريقيا. فهناك بقيت الاقلية البيضاء اقلية في محيط من سكان البلاد الاصليين المتشبثين بتقاليدهم وثقافتهم وارضهم التي لم تقطع الى اجزاء كما حصل في فلسطين. ومع ذلك بقي الفلسطيني في داخل اسرائيل متمسكا بسلاح واحد خطير هو اللغة. الكتاب الفلسطينيون الاحدث جيلا ما يزالون يكتبون بالعربية قصائدهم وقصصهم، وهم يقدمون هوياتهم عبر هذه اللغة، كما انهم يملكون مكانهم ايضا. ومن امتلك اللغة والمكان، فلا خوف عليه.

لم تنشأ في فلسطين، كما نشأ في الجزائر والمغرب، مثلا، مع اختلاف الظروف الذاتية والموضوعية، ظاهرة الكتابة بالعبرية باستثناء كاتبين او ثلاثة، ولم يعان الكاتب الفلسطيني من «منفى اللغة»، على حد تعبير الكاتب الجزائري مالك حداد، ولا من الازدواجية اللغوية بعد اكثر من خمسين سنة من تأسيس دولة اسرائيل، وطغيان اللغة العبرية، وتحويل الفلسطينيين الى اقلية. بل ان الامر يبدو معكوسا، فها هم المؤرخون الاسرائيليون الجدد يطرحون مسألة الهوية الاسرائيلية نفسها للتساؤل والتشكيك، ويخضعون مصطلح «الامة الاسرائيلية» لمراجعة تاريخية شاملة.