إشكاليات معاصرة في كتابة النساء

دراسة عربية عن نص الكاتبة البريطانية فرجينيا وولف «الغرفة»

TT

«بعد سبعين سنة من نشر كتاب فرجينيا وولف «غرفة خاصة بالمرء وحده» ـ 1929، ما زلنا نفكر بالاسئلة التي طرحها هذا النص الكلاسيكي الخطير والمثير للجدل. ففي «الغرفة»، وفي مقالاتها النقدية، قدمت وولف تقييما نظريا عاما لعمل النساء الادبي، وتقييما نقديا تفصيليا لكثير من الكاتبات».

بهذه العبارات يستهل رضا الظاهر كتابه الموسوم «غرفة فرجينيا وولف ـ دراسة في كتابة النساء» الصادر حديثا عن «دار المدى للثقافة والنشر ـ دمشق»، ويبحث فيه موضوع كتابة النساء انطلاقا من نص «الغرفة» للكاتبة: «أي مفهوم النسوية والكيفية التي اضاءت فيها اتجاهاتها هذا النص». ويطرح في البداية تساؤلات عدة:

ـ لماذا كتابة النساء؟ لماذا غرفة وولف؟ وماذا تعني النسوية؟

يقول الكاتب في اجابته عن السؤال الاخير: «النسوية هي بإيجاز مفهوم سياسي يعتمد مقدمتين اساسيتين: الاولى تشير الى ان التفاوت في الجنس هو اساس اللامساواة البنوية بين النساء والرجال التي تعاني النساء، بسببها، من الظلم الاجتماعي المنهجي. وتشير المقدمة الثانية الى ان اللامساواة بين الجنسين ليست نتيجة للضرورة البيولوجية، وانما خلقتها البنية الثقافية للاختلاف في الجنس».

وفي سياق بحثه يتحدث الكاتب عن الثقافة العربية وموقفها النقدي من كتابة النساء، وهو يرى ان فساد النظام النقدي في هذه الثقافة يساهم في اقصاء كتابة النساء وتهميشها وتسفيهها. فهناك خلل في تقييم الابداع، اذ يعتمد هذا التقييم، في حالات غير قليلة، على عوامل لا علاقة لها بجوهر الابداع، ونعني العلاقات والارتياحات الشخصية، والمنافع الضيقة، واللهاث وراء الشهرة والمال، ومحاباة بعض لبعض آخر سعيا الى الحصول على مكاسب معينة.

* كتابة النساء

* ويميز الكاتب في معرض تحليله «كتابة النساء» بين مفهومين اولهما كتابة النساء Women"s Writing، والثاني الكتابة النسوية Feminist Writing، فالاول يعني ما تكتبه النساء من وجهة نظر النساء، سواء كانت هذه الكتابة عن النساء، او عن الرجال او عن أي موضوع آخر. اما الثاني فيعني الكتابة من وجهة نظر نسوية سواء كانت هذه الكتابة من ابداع امرأة، وهي الغالبة لأسباب نفترض انها مفهومة ومبررة، أو من ابداع رجل وهي النادرة. ويؤكد ضرورة عدم الخلط بين المفهومين، فالاول ليس مرادفا للثاني، ذلك ان النسوية هي، بالاساس. «اصطفاف مصالح سياسية، يمكن ان يتبناها بعض النساء ولا يتبناها بعض آخر، بمعنى انها ليست تجربة مشتركة بين جميع النساء».

* لماذا «الغرفة»؟

* تعتقد الكاتبة وولف بضرورة ان يمتلك المرء مالا وغرفة خاصة اذا ما اراد ان يكتب رواية، (فالكاتب، او الكاتبة، نتاج ظروفه او «ظروفها» التاريخية، وان الشروط المادية مهمة على نحو حاسم، فبسبب افتقارهن الى الملكية والتعليم، وبسبب القيود المفروضة على حرية حركتهن، والمطالب المفروضة على وقتهن لاغراض أخرى غير الكتابة، لم تكن النساء في وضع يمكنهن من نسج المادة التي كانت ابداعات شكسبير قد نسجت منها).

وهي تنطلق من اهمية توفير «نفس الظروف المادية السائدة للكتابة بالنسبة للرجال».

وترى وولف ان العلاقة الحميمة بين الكاتبة والعالم تكمن في حرية تفكير المرء بما يرغب به، وان «حرية الفكر» تعتبر شرطا اساسيا للكتابة.

ويركز المؤلف على الفكرة الاكثر اثارة للجدل في «الغرفة»، أي فكرة «ثنائية الجنس» المرتبطة بالصراع بين النزعات المادية ونزعات السمو في الفن. ويرى ان «الغرفة» تقدم للمرء ما يتجاوز المنظور النسوي المحدد، فهي تشير على لسان وولف، الى انه «في كل واحد منا قوتان احداهما ذكورية والأخرى انثوية، ففي عقل الرجل يسود الرجل على المرأة، وفي عقل المرأة تسود المرأة على الرجل».

ويطرح الكتاب العديد من المفاهيم ويناقشها عبر اسئلة واجوبة مشفوعة بآراء مجموعة من النقاد، مثل البريطانية ميشيل باريت التي كتبت مقدمة «الغرفة»، والناقدة الكندية نعومي بلاك وغيرهما.

الكتاب اضاءة جدية في معالجة عدد من الاشكاليات المعاصرة في موضوع كتابة النساء، هذا الميدان الذي تتزايد اهميته، وهو ميدان سيظل عاصفا وبعيدا عن الاستنتاجات النهائية بحكم طبيعة القضايا الخطيرة والمعقدة التي يثيرها.