«موندو أرابي» مرآة العرب في الأرجنتين

إليسا داكسيان مجلتها تقاوم التشوهات التي يلصقها البعض بالإسلام

غلاف مجلة «موندو أرابي»
TT

قد لا يخطر على بال المواطن العربي العادي عند سماعه لاسم الأرجنتين سوى فريق كرة القدم بقمصانه البيضاء المخططة طوليا بالأزرق الفاتح ولاعبه الشهير مارادونا. والمثقفون لا يزيدون معرفة على ذلك، إلا اسم الشاعر الأرجنتيني بورخيس أو رئيسة البلاد الحسناء كريستينا فيرنانديز. فهي بلاد بعيدة عنا لا كبير اهتمام بها. أما صورة العرب هناك فهي بالتأكيد لا تعدو تلك الصورة العالمية النمطية عنهم التي يحتكر الإعلام الغربي صنعها وتسويقها ونشرها.

لكن عالم اليوم الذي لا حدود تحده ولا المسافات تحكمه، وعلاقاته الاقتصادية والسياسية لا تعترف بالبعد الجغرافي والثقافي هو أحوج ما يكون إلى بناء جسور متينة صحيحة. الدكتورة إليسا داكسيان الأرجنتينية المولد لأب من أصل لبناني تكفلت بنفسها المساعدة في تصحيح صورة العرب عبر إصدار مجلة ثقافية شهرية باللغة الإسبانية في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيريس باسم «موندو أرابي» أي «عالم العرب». وفى زيارتها للخرطوم مؤخرا تقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «مجلة عالم العرب هذه قمت بتأسيسها وحدي قبل عشر سنوات، أشعر بها التزاما شخصيا أمام نفسي، لمحو التشوهات التي يبثها الإعلام الغربي عن الإسلام، لذا رأيت أهمية توفر إعلام نزيه يقاوم الزيف الذي أثّر كثيرا على الإسلام والشعب العربي المهاجر في أميركا اللاتينية. فالقضية الإعلامية في الوقت الحاضر بل القضية العاجلة بلا شك هي الإسلام».

مجلة «موندو أرابي» شهرية توزع مجانا في الجامعات وغرف التجارة والمكتبات والمراكز الثقافية والمؤسسات الحكومية، وتصدر بصورة منتظمة. وتضيف د. إليسا وهي شاعرة وناثرة وصحافية ومترجمة، نالت عدة جوائز أكاديمية ثقافية بالأرجنتين، «المجلة تغطي الفجوة الكبيرة في المعلومات عن العالم العربي في إعلام أميركا اللاتينية عموما، فهي تهتم باكتشاف ثقافات المجتمعات المتعددة في الدول العربية وتجعل القراء يعرفون أن المنطقة هي أهم من أن تكون مجرد منطقة أثرية، بها شواطئ رملية وموسيقى شعبية أو تقاليد. مهمتنا هي أن نعرض حقيقة العرب من خلال مجموعة من الأخبار والموضوعات التي تهتم بكل حقول المعرفة والثقافة دون أي مراجع سياسية أو تحيز لجهة ما. وهي بالنسبة لي تجربة مثيرة أن أعرض هذه المنطقة الساحرة والتي كثيرا ما يساء فهمها!».

المعروف عامة أن الإصدارات التي تتناول المنطقة العربية باللغات المختلفة في كثير من بلدان العالم معظمها يهتم بالأخبار التي تهم شؤون الجاليات العربية في تلك البلدان أو هي تتخذ موقفا دفاعيا واضحا ضد هجمات الإعلام الغربي المنحاز بصورة فجة، ولكن بتصفح أعداد من «موندو أرابي» نجد أنها على الرغم من رسالتها التوضيحية التصحيحية، فإن عرضها لأخبار المنطقة العربية يتم بصورة مختلفة. فهي تتناول الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ولكن بأسلوب جذاب مرن، وربما يكون غريبا للمطلع الأرجنتيني على المجلة أن يعرف أن الحياة تسير بصورة طبيعية في كل البلاد العربية! فالمجلة تغطي المهرجانات العربية الثقافية الكبيرة كـ«الجنادرية» و«بعلبك» و«خريف صلالة» و«فاس» و«مهرجان الرباط الموسيقي» و«مهرجان الخليج السينمائي» و«مهرجان مسقط» وفعاليات العواصم الثقافية العربية المتنقلة وكذلك العواصم الإسلامية، هذا غير التعريف بشخصيات عربية فذة، كأحمد زويل ودكتور القلب الشهير مجدي يعقوب والرياضي اللبناني الذي نجح في الوصول إلى قمة إيفرست مكسيم شعيا، وأيضا التعريف بمؤسسات مهمة كجامعة الأمير سلطان والمعارض الاقتصادية والجانب التاريخي كالتعريف بمأرب وأهرام البجراوية والأماكن المقدسة للمسلمين.

والملفت أن أخبار نشاطات المرأة العربية تأخذ جانبا كبيرا من المجلة ولعل هذا مقصود، بعد أن تم كسوة المرأة العربية بالسواد في كل أخبار وإصدارات الغرب ويندر جدا ذكر شيء إيجابي عن عملها أو دورها، وإن حدث ذلك، يكون كخبر لافت، وعبر التساؤل: «كيف تأتى لها كسر الحواجز وتخطي البرقع؟».

وتتناول مجلة «موندو أرابي» أخبار ونشاطات السيدات العربيات الأول كالشيخة موزة والملكة رانيا وحرم الرئيس التونسي. وكذلك تتناول المجلة النساء العربيات المبرزات كالدكتورة السعودية ثريا عبيد المدير التنفيذي لصندوق السكان التابع للأمم المتحدة، والدكتورة السودانية بلقيس العشا عضو الفريق الدولي المعني بتغيرات المناخ والتي اختيرت ضمن أبطال كوكب الأرض، والسعودية لبنى العليان وغيرهن.

تعلق د. إليسا على تلك الملاحظات قائلة: «قضية الإعلام مهمة جدا للعالم العربي في الوقت الراهن، لذلك ولدت هذه المجلة لتكون نافذة للمعلومات بطريقة موضوعية، ولدحض الشائعات، وتصحيح الأخطاء عن الشعوب العربية».

وتضيف د. إليسا: «الإجابة على التساؤلات، البحث عن الحقيقة، وعن المبادئ الإسلامية العامة، والحياة الأخلاقية هي في قلب أهداف هذا الإصدار، بل هي أهم أسباب النجاح التي جعلت من مجلة (موندي أرابي) مصدرا للاهتمام الأكاديمي بالنسبة للمعلمين والطلاب في جامعاتنا، ولإيماننا بأن المعرفة هي الجسر الوحيد الذي يمكن بناؤه لأجل خلق الاحترام والسلام بين كل الشعوب. ونقول بفخر إن النتائج لكل مجهوداتنا المضنية منذ سبع سنوات كانت ممتازة وذلك بقياس طلبات قرائنا المتزايدة للمجلة».

دكتورة إليسا داكسيان تدين بالمسيحية وتصدر مجلة تهتم بتصحيح صورة الإسلام، مما يدل (ربما) على التسامح الديني في المنطقة العربية!

«موندو أرابي» تصدر بدعم من وزارة الإعلام في السعودية، ومنظمة «الإيسيسكو» ومجلس الإعلام القومي بالإمارات، ووزارة الثقافة الأرجنتينية ووزارة الإعلام والاتصالات السودانية، وقد أقرت الجامعات في الأرجنتين - بحسب إليسا - أن المجلة ترفد المهتمين أكاديميا بالعالم العربي بالمعلومات المهمة، بل وتعتبر مصدرا موثوقا للأساتذة والطلاب.

د. إليسا داكسيان تم تكريمها من قبل الرئيس اللبناني السابق إميل لحود وأيضا من «الجامعة الأميركية» في بيروت لمجهوداتها وإنجازاتها الإعلامية المتعددة.