من يقرأ؟ من ينقد؟

الأعمال الروائية السعودية الشابة

TT

أحمد الدويحي: الجيل الجديد من الروائيين السعوديين اتكأ على المحرمات، كالجنس والدين ومصادمة المجتمع، لتسويق الأعمال الرديئة.

ميساء الخواجا: الجيل الحالي أكثر جرأة في التعامل مع القضايا المسكوت عنها في المجتمع، كقضايا المرأة والدين.

عبد الله السفر: الجانب المضيء في منتج التجربة الحديثة احتفاؤها بقيمة التمرد وعدم الانصياع إلى القوالب الثابتة والمعايير الناجزة.

عادل الحوشان: كل جيل أدبي ينتج مشروعه أو خطابه الخاص، وهذا لا يعني أن يتحول إلى دليل معرفي أو جمالي إبداعي للأجيال المقبلة.

* كيف يقرأ المجتمع الثقافي السعودي الزخم المتنامي من الإصدارات الروائية لشباب وفتيات يصدرون في سن مبكرة منتجات أدبية روائية لأول مرة، ويتعرف القارئ أسماءهم من خلال أعمال روائية، وقد شهد العام الحالي وحده أكثر من 38 عملا روائيا؟

الفن السردي، كما يؤكد النقاد والروائيون، (فنٌّ تراكمي)، ولعشوائية بعض التجارب وخلوها من التواصل الثقافي والأدبي، نما المشهد (بشكل مشوه)، كما يقولون. في حين يشير نقاد آخرون تحدثت معهم «الشرق الأوسط» إلى حاجة الأجيال الشابة لقراءة التجربة الأدبية لجيل الروائيين والأدباء السعوديين وغيرهم، الذين قدموا تجربة يمكن البناء عليها، وخاصة في ما يتعلق بالحاجة لتنضيج التجربة السردية وإثراء القاموس اللغوي، والانفتاح على المدارس والتجارب النقدية والأدبية المختلفة.

هنا تحقيق عن الموضوع:

الفجوة الثقافية بين الأجيال

يقول الروائي السعودي أحمد الدويحي إن الكم الكبير من الإنتاج الروائي في السنوات الأخيرة لا يمثل صورة تكاملية للمشهد الروائي السعودي، «والأخطر أن هذا الإنتاج يحدث في غياب قراءة واعية، وفي ظل غياب نقد حقيقي للأعمال التي تضخها دور النشر بشكل متصاعد، كما أن هذه الأعمال تتراكم مع غياب الفرز الحقيقي للمشهد الثقافي وتعزيز القدرات الروائية الشابة لإنضاجها».

لكن الكاتب والروائي عادل الحوشان يشدد على أنه لم يفصل بيننا وبين السنتين أو الثلاث الماضية ما يمكن أن يجعلنا نقارن بين تجربتين أو جيلين، ويؤكد «إلا أنني أعتقد إيمانا بأن الحرائق يجب أن تتم، وأقصد حرائق المراحل، لأنني أجد أن هذا العام مثلا أهم على المستوى الأدبي، وهناك أعمال شابة أهم بكثير مما أُنتج قبل سنوات».

ويصور الحوشان المشهد الثقافي السعودي وخاصة الروائي، بأنه أمام تجربة متشابكة ولها مئات العجلات وكأنها استفادت من سرعة البرق، ويتابع: «السائد الآن في التجربة الإبداعية الشابة هو «استنساخ» ما يمكن استنساخه في أقل وقت ممكن، وهذا لا يلغي ضرورة المتابعة والمثابرة في قراءة ما يُنتج».

في حين يرى الناقد عبد الله السفر أن ما يصنع الفجوة هو الخروج من مجرى الكتابة العام الذي يضم الجميع (تجاربَ وأجيالا)، والدخول في صناعة الخنادق والاحتباس فيها بفعل جلطة إبداعية أو أدبية توقع صاحبها في فخ الاكتمال ووهم الاكتفاء بالتجربة الذاتية أو الجيلية، أو الانحشار في نظرة ترفّع تستخف بالإنجاز ونوعيته.

من جهة أخرى، ترى الدكتورة ميساء الخواجا (أستاذة مساعدة بقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود) أن حدوث الفجوة يعني حدوث قطيعة معرفية وفنية، وهذا لم يحدث على مستوى حقيقي، وتضيف: «صحيح أن هناك ميلا صوب التجريب عند عدد من الكتّاب، لكن ذلك سمة من سمات الإبداع ومن خلاله يتطور الأدب».

في حين يعتبرها مشاري العفالق (ناشر سعودي) أنها ربما تكون فجوة تقنية، ناجمة عن تغير الوسائل وطبيعة الجمهور، وهو ما دفع كثيرا من الأعمال التي كتبها شبان إلى الواجهة، فيما توارت أسماء لامعة لم تؤمن بضرورات التغيير.

من يقرأ هذه الأعمال؟

هذه الموجة تملك قراءها كما يقول الحوشان، كما أن لديهم وسائل إعلامهم الخاصة التي تصل إلى النخب بشكل أو بآخر، وأي عمل ينتجه (العاملون) سيصل ويُقرأ من النخب، لكن ذلك ليس معيارا، كما أنه ليس المعيار الوحيد لأهمية العمل، بل ربما لأهمية «المنتجين» ووسائلهم.

يقول عبد الله السفر: «على المستوى الشخصي، يمكنني القول إنني ألاحق التجربة الشابة في السعودية - ما وسعتني المحاولة والوقت - سواء تلك المكتوبة في فضاء الإنترنت أو تلك المطبوعة محليا أو عربيا».

ويواصل قائلا: «أتابعها بالقراءة وتأمّل ما تقترحه هذه التجربة من طريقة الكتابة وأسلوبية البناء أو محمولها التعبيري عن الكائن الفرد وارتباطه بمرجعيته الاجتماعية وسعيه الحثيث إلى إنجاز فرادته، ناجيا من حفرة التطابق مع تلك المرجعية، التي خلقت تمامية اجتماعية يستحيل وجودها إلا في الوهم».

في حين يرى الدويحي أن هذا الزخم حركة اقتصادية قرأها الناشر العربي بعقلية التاجر عندما وجد المجتمع السعودي متلهفا على الأعمال الروائية، تبني كل عمل يعرض عليه ونشره على حساب كاتبه، كما تدخلت دور النشر في صياغة الأعمال وتسويقها كمنتج سلعي، وليس كمنتج ثقافي، بينما تعتبر ميساء الخواجا أن القراءة الجادة لهذه الموجة ضرورية لغربلة الكم الهائل من الأعمال التي يتوالى صدورها، إضافة إلى توعية الكتّاب الشباب بعدم الوقوع في مصيدة نجاح العمل الأول، فالإبداع يحتاج إلى وعي فني وثقافي وتجربة تساعد الكاتب على امتلاك أدواته الفنية.

من ينقد؟

يتحدث الدويحي عن تبني مهرجان الجنادرية لهذا العام وضع الأعمال الروائية السعودية على طاولة التشريح النقدي عبر الأنشطة الثقافية للمهرجان، حيث دعت اللجنة الثقافية في المهرجان عشرات النقاد من داخل السعودية وخارجها، إلى إجراء دراسات نقدية وقراءات لـ60 رواية سعودية، لوصف الظاهرة الروائية السعودية.

وكانت هذه التجربة جديرة بالاهتمام كما يقول الدويحي إلا أنه في الوقت ذاته لا يخفي تحفظه على الروايات التي تم استعراضها، إذ غابت على التجارب الروائية المكرسة كأعمال عبده خال، الذي حاز على جائزة البوكر العربية مؤخرا.

لكن مَن يبحث عن الآخر: النقد أم الأعمال الأدبية؟ تقول الدكتورة الخواجا إن بعض هذه الأعمال استطاع الوصول إلى عدد من النقاد سواء بعوامل تسويقية أو عوامل شخصية، وبعضها الآخر بقي حبيس الأدراج. في حين ترى أن المشكلة قد تكمن في عدم وجود جهة مرجعية واضحة يلجأ إليها من يحاول نشر أعماله الأولى.

المضمون والأولويات

يقول أحمد الدويحي إن الجيل الجديد من الروائيين السعوديين اتكأ على المحرمات كالجنس والدين ومصادمة المجتمع، وأصبحت هذه مطالب لتسويق الأعمال الروائية الرديئة، لأنها جاءت على حساب الفن واللغة، لذا تحوّل المجتمع كأنه عورة تريد هذه الأعمال أن تكشفه أمام أبنائه وأمام الآخرين. وتعتقد الدكتورة ميساء الخواجا، أن الجيل الحالي أكثر جرأة في التعامل مع بعض القضايا لا سيما ما يخص المسكوت عنه في المجتمع كقضايا المرأة والدين.

وتعتبر الخواجا اختيار مضمون خطاب مسألة غير مرتبطة بقضية العمر أو الجيل بقدر ما هو اختيار فني ووعي فكري في المقام الأول. والجانب المضيء في منتج هذه التجربة، كما يصوره عبد الله السفر، احتفاؤها بقيمة التمرد وعدم الانصياع إلى القوالب الثابتة والمعايير الناجزة، المستقَر عليها جماليا واجتماعيا.

ويستطرد السفر قائلا: «يلاحظ المتابع صيغ التجريب والخروج على الأعراف، وضرب التابو بقسوة تصل أحيانا إلى درجة المبالغة غير المسوغة فنيا وغير المستساغة لياقيا، فتقع في بركة الفضائحية والاستعرائية المتكافئة مع سنوات الحجب والجفاف الطويلة».

ويشير عادل الحوشان إلى أن كل جيل ينتج مشروعا أو خطابا ما، وهذا لا يعني أن يتحول إلى دليل معرفي أو جمالي إبداعي لأجيال تأتي وستأتي. هناك أعمال يجب أن تبقى لأنها تستحق وهناك تجارب على الرغم من قلتها فإنها أعمال باقية.

البحث عن الشهرة

هل يبحث كتّاب هذه الأعمال عن الشهرة بعيدا عن الحرفية الأدبية وإنجاز مشروع أدبي يستحق القراءة؟ يقول الحوشان: «ربما نعم ربما لا، وبالتأكيد هناك كتّاب وكاتبات يبحثون عن نجومية ما. وشخصيا، أجد أن من حقها أن تكتب وتجرب، لكنه ليس من حقنا أن لا نواجهها، وما سيحدث أنها ستذهب إلى الحرائق بنفسها. رواية واحدة كافية أن تحقق الشهرة لكاتبها ليتصدر المشهد الثقافي سواء كانت جيدة أو رديئة، على حد قول الدويحي، لذلك زجت دور النشر بأعمال روائية لأسماء غير معروفة في المشهد الثقافي السعودي، وطرحت أسماء تقرأ لأول مرة على أغلفة الروايات».

سطحية الأعمال من يحمل وزرها

يعتبر الكثير رواية (بنات الرياض)، التي حازت شهرة واسعة في المشهد الثقافي السعودي، الشرارة التي أطلقت هذا الكم الهائل من الأعمال الروائية على مختلف مستوياتها، في حين يحمّلها البعض وزر الأعمال الروائية السطحية والهلامية التي طغت على المشهد الروائي السعودي، كما يرى الدويحي. في حين تقول الخواجا إن بعض الأعمال وقعت في فخ تقليد أعمال سابقة وانطلقت من مسألة الجرأة في كشف المسكوت عنه، يساندها في ذلك دور نشر دعمت مثل هذه الأعمال بحثا عن عوامل تسويقية.

وتتابع: «ما يؤسف له أن مثل هذه الأعمال قد يحظى بالشهرة والتسويق رغم ضعفها الفني، لا لشيء إلا لأنها تسوق لمضامين وأفكار معينة».

أما العفالق فيقول: «أعتقد أن بعض المؤلفين يخوض التجربة من دون هدف حقيقي، وربما لا يفكر سوى في توقيع كتاب، بينما يعكف آخرون على القراءة والتطوير المستمر». لكن، هل انحسرت موجة الطفرة الروائية السعودية..؟يرى الحوشان أن المشهد السعودي يعيش نهاية مرحلة (الاستسهال الروائي) التي بدأت قبل نحو أربع أو خمس سنوات، و«هذه التجربة عمرها الافتراضي انتهى بما أنتجته».

لكن هذا لا يعني أن المشهد لن يواجه أعمالا من هذا النوع، لكنها ستبقى في الظل على حد رأيه، والذي سيحد من سيطرتها على المشهد وجود وعي قرائي أمام هذه الغزارة، إذ لم يعد القارئ يستسلم لآراء تسويقية جاهزة، كما أنه غير مستعد لتضييع وقته.

* دار نشر تحتضن تجارب عشرات المؤلفين الشباب

* خلال الثلاث سنوات الأخيرة، فتحت دار «الكفاح للنشر والتوزيع» ومقرها الدمام في شرق السعودية، الباب على مصراعيه لاحتضان التجارب الكتابية الشابة لعشرات الكتّاب السعوديين. وكانت حصيلة هذه التجربة إقبال نحو الـ200 من الشباب، أكثرهم يصدر مؤلفات لأول مرة، نحو تجربة الكتابة والتأليف، في حين وجد مؤلفون بارزون الطريق أيضا نحو الدار.

لكن تجربة التأليف للشباب، أصبحت سهلة ومريحة، وغير مكلفة، وهو ما شجع العشرات من الفتيات والفتيان الذين يسطرون تجارب سردية معظمها (خواطر) لاقتحام تجربة التأليف، وهو ما جعلهم في وقت محدود وقصير تحت الضوء، وخاصة أن الكثير من هذه التجارب سجلت حضورا في المعارض والمكتبات كما حققت مبيعات عالية درّت أرباحا مجزية.

من بين إصدارات «الكفاح»، ثلاثية «ضرب الرمل»، وهي رواية تقع في ثلاثة أجزاء لمحمد مزيني، وهو من الروائيين الشباب الذين قدموا تجربة مميزة، وتختلف ثلاثية «ضرب الرمل» عن باقي أعماله من حيث اللغة والمضمون ومن حيث شخصياتها وتعاطيها مع الأحداث. كما أصدرت لمحمد المزيني رواية «نكهة أنثى»، كما أصدرت له «الكفاح» رواية «مفارق العتمة»، وهي الرواية التي وصفت بأنها رواية المكان الذي يتنامى عبر الزمن من خلال شخوصه.

أصدرت «الكفاح» كذلك، رواية «عذراء قصر الشيخ» لمحمود شباط، وهي رواية تقع أحداثها في لبنان وتبين الفجوة الاجتماعية في قرية ريفية بين عائلتين في زمن الاحتلال العثماني. ورواية «عين على المخيم» لربى المقيد، وهي رواية تستلهم من المأساة الفلسطينية موضوعا لها، وتتحدث عن عالم الجاسوسية الغامض بأسلوب أدبي رفيع، كما تمزج بين المعاناة والقسوة التي مر بها المهجرون الفلسطينيون وصراعهم المرير مع المحتل.

وصدر كذلك رواية «شجرة الدموع»، لأحمد العيثان، وهي رواية قصيرة تقع في 129 صفحة، وتتحدث عن ظروف الاحتلال العراقي للكويت، في قصة إنسانية مثيرة.

وقدمت «الكفاح» لمنيرة الأزيمع مجموعة «هم»، وهي مجموعة قصصية تضم 23 قصة قصيرة.

ولأحمد المغلوث رواية «العازفة الضريرة»، ولسعود اليوسف «صوت برائحة الطين» ديوان شعري، وللثنائي منصور آل سيف ونجيبه السيد رواية «تحت الجذوع». ولأمل دحيلان مجموعة قصصية بعنوان «عاشقة الكتابة».

وأصدرت للروائية قماشة العليان رواية «عيون قذرة»، وطبعت روايتيها «أنثى العنكبوت»، و«عيون على السماء»، وأصدرت لأميرة المضحي رواية «الملعونة». ولمريم الحسن، رواية «الضياع» ومجموعة «آخر المطاف» القصصية. كما أصدرت لسعود الشعلان روايتين سجلتا أرقاما عالية في المبيعات هما «ومات الجسد»، ورواية «مهل».

كذلك أصدرت مجموعة «رائحة الموت» لعبد الله الداوود. وللشاعر محمد الحمادي مجموعتين شعريتين هما «فلسفة الحب» و«مسافر». وللأديبة والكاتبة سارة الخثلان، أصدرت مجموعتين شعريتين هما «وتفيق» و«والمرأة تحدثها»، ودراسة «المرأة السعودية بين نوافير النفط وكثبان الرمل».

أما الأديب حسن السبع، فقد أصدرت له « الكفاح» مؤخرا كتاب «توق الفراشة إلى النجمة»، وهو مجموعة مقالات يوجهها المؤلف إلى صديقه (سين).. وما (سين) إلا القارئ نفسه.