جويس كارول أوتس: اكتب من القلب ولا تأمل أن يعاملوك بعدالة أو رحمة

عن غيرة الكاتب ولا عدالة عالم الأدب من خلال رسائل كتاب مشاهير

TT

ما الذي يجعل الكاتب يمضي كل هذه الساعات والأيام والسنوات في البحث عن الكلمات المناسبة، عن القصيدة الأجمل، عن القصة التي لم يكتبها أحد بعد، عن الرواية التي تشبع نهمنا للجمال، للرغبات الإنسانية؟

في كتاب أنطولوجي على شكل رسائل موجهة من كتّاب كبار إلى أقرانهم في عالم الكتابة السردية - القصصية والروائية والمسرح، عنوانه «رسائل إلى كاتب السرد التخيلي»، حرره «فريدريك بوش» أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة نيويورك، صاحب أكثر من عشرين مؤلفا، نجد عالما زاخرا بتفاصيل وأسرار الكتابة السردية المتخيلة «الفيكشن» في 300 صفحة مع شذرات عن حياة الكاتب الشخصية وإشكالات الحياة الواقعية ومتطلباتها المادية. هذه الأنطولوجيا تغطي فترة زمنية تمتد من منتصف القرن العشرين وحتى نهايته. نكتشف من خلالها أشجان وأسفار مملكة الكتابة من خلال تصريحات 33 كاتبا وكاتبة لهم بصماتهم في عالم الأدب الإنجليزي نذكر منهم: جويس كارول أوتس، جون أبدايك، توبياس وولف، أندريه دوباس وآخرين ممن لم يصل صوتهم إلى الجانب العربي.

نجد بعض الإجابات بين سطور الرسائل تتعلق بالتجربة والطرق المختصرة المختبرة من قبل كتّاب حازوا من الشهرة ما يجعل كلماتهم مطرح ثقة القارئ والكاتب الجديد والمتمرس أيضا.

في هذه الرسائل نصائح عامة موجهة إلى (إكس - غير معرّف) وهناك رسائل موجهة إلى شخص بعينه ردا على سؤال محدد من قبل ذلك الشخص إلى صديقه الروائي أو القاص، كما في رسالة جون أبدايك الذي عمل في تدريس الكتابة الإبداعية في جامعة هارفاد، وهناك رسالة عن قراءته رواية كاتب متدرب في صفه. كما تطالعنا رسائل على شكل ردود تحمل نقدا وديا من صديق إلى صديقه حول رواية ما. رغم الخصوصية الشخصية في بعض الرسائل، لكنها لا تخلو من الدروس النقدية التي يستفيد منها المتلقي الباحث عن ما يجعل نصه متألقا في النهاية. كما أن بعض هذه الرسائل بوحية واعترافية، كما في رسالة أحدهم إلى الكاتب الراحل فرانز كافكا. بعض الرسائل تحكي عن حياة الكاتب ومأساة رفض الناشر لمخطوط كتاب، وكيف يتوجب على الكاتب أن يقوي نظام المناعة ضد الإحباط حين تأتيه رسالة الرفض المقيتة. كما تتطرق إلى مسألة الغيرة التي يشعر بها الكاتب تجاه أقرانه في الإبداع، الأحياء والموتى. بعض جوانب هذه الغيرة إيجابية وتدفع الكاتب إلى محاولة أن يتجاوز نفسه ويصل إلى قمة وصلها غيره من الأدباء فتدفعه إلى العمل، وبعض أشكال هذه الغيرة سلبية تستهلك طاقة الكاتب وتدفعه إلى الانتقام والتوقف عن الكتابة، وهناك أمثلة مأخوذة من مذكرات فرجينيا وولف حول ما كانت تشعر به حين صدور كتاب لها أو لكاتب منافس.

نتذكر في سياق الرسائل أن الكاتب أرنست همنغواي، الخبير في عالم السرديات، كان يقول: «قبل أن أغادر صفحة الكتابة، دائما أكتب جملة غير منتهية، وحين أعود في اليوم التالي لمواصلة الكتابة أقرأ الجملة الأخيرة، وأقرأ ما كتبت سابقا فأعثر على تتمة الجملة، بل وتتمة الحدث وأكثر من ذلك». ويقول إنه جرب هذا لعدة سنوات ووجده نافعا، وحين توقف عن ذلك عدة أيام، لم يجد نقطة يبدأ منها حين عاد للكتابة تاليا.

من رسالة جويس كارول أوتس إلى الكتاب الشباب:

اكتب (ي) من القلب. لا تضع (ي) في حسابك أن يتم التعامل معك بعدالة، أو برحمة على الأقل. انغمس (ي) في القراءة، وفي قراءة الكاتب الذي تحبه. أقرأ (ي) كتاباته الأولى على وجه التحديد وقبل أن يصبح له صوت ومكانة مرموقة. لا تخجل (ي) من موضوعك ومن رغبتك في الكتابة عن مسألة محددة. انتبه (ي) لرغباتك «المقموعة» قد تكون الزيت الذي يغذي عجلة الكتابة لديك.

من رسالة جانيت بورواي إلى الكاتبة (دال) حول مسألة الغيرة في الوسط الأدبي بما يتضمنه ذلك من شعور باللاعدالة والبحث عن مكانة واستحقاق قد يذهب لأسماء غير مستحقة، وثنائية الغيرة والانتقام التي تم تداولها في أدبيات الإغريق والرومان ومن ثم في أعمال شكسبير.

هذه ليست إلا شذرات من صلب العملية الإبداعية التي تم التطرق إليها في هذا الكتاب. وحين يعلن كاتب مثل تشيكوف أو همنغواي أو فوكنر عن بعض أسرار كتابته وتفاصيل عمله أو صنعته، فهذا لن يؤدي في النهاية إلى ولادة فوكنر آخر. العالم لا يحتاج إلى كاتب مستنسخ، بل ينحاز إلى الكتابة التي لها إيقاعها، أسلوبها وقضاياها الجمالية وخصوصية موضوعاتها.

كتب الرسائل كثيرة ومتنوعة في الغرب، وتكاد تكون رسالة ريلكه إلى شاعر شاب من أشهر الرسائل عربيا وعالميا، ولكن بالمقابل تكاد تنعدم هذه الكتابات في العالم العربي، ولا ندري إذا كان مرد ذلك الهرمية البطريركية التي تحكم العلاقة بين كاتب عربي مخضرم وآخر يافع؟

* ما الذي يجعل الكاتب يمضي كل هذه الساعات والأيام والسنوات في البحث عن الكلمات المناسبة، عن القصيدة الأجمل، عن القصة التي لم يكتبها أحد بعد، عن الرواية التي تشبع نهمنا للجمال؟

* دع جانبا الفكرة التي ستأخذ منك كل وقتك ولن تفرغ منها. اكتب كل يوم صفحة، وحين تنتهي ستندهش بنفسك من إنجازك.

* من وصايا شتاينك

* يشير روائي آخر في إحدى الرسائل إلى أن جون شتاينك كتب في رسالة إلى صديقه روبرت والستن عام 1923 مؤكّدا النقاط التالية:

1 - دع جانبا الفكرة التي ستأخذ منك كل وقتك ولن تفرغ منها. اكتب كل يوم صفحة، وحين تنتهي ستندهش بنفسك من إنجازك.

2 - اكتب بحرية واستمرارية قدر الإمكان. ضع كل شيء على الورق، لا تصحح ولا تعيد الكتابة إلى أن تفرغ من كتابك. تقطيع مراحل الكتابة عذر لعدم الاستمرار، كما أن هذا يتضارب مع التدفق والإيقاع، وهذه تأتي عادة من اللاوعي وحسب طبيعة المادة المكتوبة.

3 - انس الجمهور العام أثناء الكتابة، لأنه يخيفك حتى الموت التفكيرُ بهؤلاء الذين لا أسماء ولا وجوه لهم. لقد وجدت أنه من المفيد أن تختار شخصا معينا في ذهنك وتكتب وكأنه تتوجه بكتابتك إليه (ها) تحديدا.

4 - إذا أرهقك مقطع ما وتريد أن تقفز فوقه، اكتب العمل كله ثم عد إلى القراءة بهدوء، ربما تجد أن تلك الفقرة ليست في مكانها.

5 - انتبه للمشهد الذي تشعر بأنه قريب جدا إلى روحك، أكثر من المقاطع الأخرى.

6 - إذا كنت تستخدم الديالوغ في كتابتك، فاقرأ ما تكتبه لنفسك بصوت مسموع لتدرك وقع الجملة على الأذن أثناء الإلقاء.