نسخة روائية من «طبائع الاستبداد»

البلجيكية أميلي نوتومب تكتب عن دكتاتورية الشركات اليابانية

غلاف الكتاب
TT

إذا شئنا أن نطلق على هذه الرواية، الصادرة حديثا عن وزارة الثقافة في دمشق (2010)، ترجمة: ثناء حسين عباس، عنوانا بديلا فهو «الشخصية اليابانية بعيون أوروبية»، وإذا أردنا أن نفهم سبب انطلاق لعبة إلكترونية إباحية حديثا في اليابان فكرتها الانتقام من النساء عبر اغتصابهن فقد تقدم الرواية تفسيرا لذلك، وقد تقدم تفسيرا لشهادة سائح عربي في انتحار موظف ياباني بسبب خطأ بسيط تكلفته لا تتجاوز مائة دولار! الرواية تسهم في فك لغز الشخصية اليابانية التي لا تزيده الروايات اليابانية إلا غموضا، فالشخصية اليابانية ما زالت كتومة ومغلفة ولا يترجم سرها إلا أجنبي قضى طفولته وصباه في اليابان مثل «أميلي نوتومب» التي تختار لروايتها عنوان «ذهول ورهبة»، وهي مشاعر تقتضيها آداب مخاطبة الإمبراطور في البروتوكول الياباني الصارم. الرواية تكاد تكون خالية من الحكاية والحبكة، فهي خفيفة كالفراشة لكنها لاسعة كالنحلة وحلوة كالعسل وتقرأ دفعة واحدة لقصرها ومرحها وسخريتها وحسن تعليقاتها المفاجئة والمنعشة.

تروي الكاتبة ملاحظاتها عن طقوس العمل القاسية في شركة يابانية تقدمت للعمل فيها بهذه البداية «كان السيد هانيدا رئيس السيد اوموشي، والسيد اوموشي رئيس السيد سايتو، والسيد سايتو رئيس الآنسة موري، رئيستي، ولم أكن أنا رئيسة أحد. بقول آخر: كنت تحت إمرة موري، والآنسة موري تحت إمرة السيد سايتو.. مع ملاحظة أن الأوامر الآتية من الأعلى إلى الأسفل تستطيع القفز فوق التسلسل التراتبي، وبالتالي كنت في شركة يوميموتو تحت إمرة الجميع».

النص السابق يدل على اشتغال النص على المفردة واللعب بالألفاظ وتركيب الجمل بذكاء لفضح دكتاتورية الشركات اليابانية الأبوية الذكورية، وكشف بؤس الحياة اليابانية التي تقول معدلات الانتحار إنها الأعلى في العالم. والانتحار نوعان في اليابان نوع، مقدس وفدائي تحتفل به العائلة (الهاراكيري)، وانتحار الكآبة وهو السائد في أوروبا بسبب الحداثة التي غرقت فيها اليابان أيضا.

تعمل الراوية بوظيفة الأوشاكومي (منصب شاي الشرف) في شركة الاستيراد والتصدير، وتعاقب مرة تلو الأخرى على أخطاء صغيرة تتأتى من جهلها بثقافة المجتمع الياباني على الرغم من عيشها فيها فترة صباها. تقوم الراوية بتوجيه دعوة لعب الغولف حسب أمر رئيسها الذي يرفض صيغة الدعوة فتعيد التدبيج المرة تلو الأخرى من غير أن تقع على الديباجة السحرية المناسبة للدعوة، ثم تلام للمرة الثانية في أثناء تقديمها القهوة لعشرين ضيف ياباني وفق الأصول والمراسيم وآداب الضيافة، وعندما تطلب معرفة خطئها يقول لها رئيسها إنها أشعرت الضيوف بإجادتها اليابانية التي خلقت «جوا شنيعا» ويقول صائحا فيها: إنني آمرك بعدم فهم اليابانية بعد الآن! لكن التذكر عملية يمكن التدرب عليها، أما النسيان فهو مستحيل بالنسبة للأوروبي. تفكر في تقديم استقالتها، لكن تقديم الاستقالة إهانة كبيرة في الأعراف اليابانية. ترتكب خطأ ثالثا بتهنئتها أحد رؤسائها وتمنياتها لطفله الذي بلغ السنة الثالثة، فيغضب رئيسها لاقترافها جريمة المبادرة وكشفها «عورة العائلة»، ثم إنه ليس رئيسها المباشر، فمن أكبر الكبائر في آداب المخاطبة الحديث مع رئيس غير مباشر. تتطوع بضبط التقاويم التي يسهى عنها الموظفون قتلقى اللوم والتقريع.. فرضا المدير في الوظيفة غاية لا تدرك في اليابان. يطلب منها أحد الرؤساء إعداد تقرير عن كيفية تخليص الزبدة من الدسم التي برع فيها البلجيكيون فيعجب رئيسها به ويطلب منها أن تسمح له بنسبه لنفسه فتسر باكتشافها أن اليابانيين أيضا يغشون ثم ينكشف تواطؤهما فتتسلط عليها موظفة جميلة طويلة اسمها فوبوكي (معناها الغابة) فتكلفها بأعمال المحاسبة ثم تنفيها كعقوبة أخيرة إلى تنظيف المراحيض فتكتشف أن «الأنظمة الأكثر استبدادا تتسبب في حالات انحراف عجيبة تجعلها تتسامح مع الظواهر الشاذة، ولن نعرف معنى غرابة الأطوار حتى نلتقي مع ياباني. إن اليابان بلد يعرف معنى أن (يطق) الإنسان من القهر».

الجدير بالذكر أن الرواية تحولت إلى فيلم كوميدي ناجح حمل عنوان الرواية. تذكر الكاتبة بقول الكاتب الأميركي أدوين رايشاور في كتابه الذي صدر عن «عالم المعرفة» «اليابانيون» إن عصر السعادة الياباني طارئ والمستقبل سيأتي لليابان بمشكلات كثيرة.

* سيرة ذاتية

* ولدت الكاتبة البلجيكية في عام 1967 في مدينة كوبي اليابانية، من أب كان يعمل سفيرا لبلجيكا، فتنقلت معه بين الصين وروما ونيويورك واليابان، وفي عام 1992 كتبت رواية «نظافة قاتل» التي حازت نجاحا كبيرا. اشتاقت إلى مراتع طفولتها اليابانية فعادت إليه وعملت هناك في وظيفة هي التي نقرؤها في الرواية باسمها الحقيقي، فالرواية انطباعات روائية صدرت عام 1999 ونالت عنها جائزة الأكاديمية الفرنسية الكبرى، وهي تصدر رواية في العام.. من أعمالها: «ما قبل كريستا» عام 2003 و«السيرة الذاتية للجوع» عام 2004 و«حامض كبريتي» 2005 و«مذكرات سنونو» عام 2006 و«لا من حواء ولا من آدم» عام 2007.