القاص والروائي المغربي لحسن باكور: سجل أنا شرطي ومبدع أيضا

لحسن باكور خلال حفل تسلم جائزة دبي الثقافية عن رواية «شريط متعرج من الضوء» («الشرق الأوسط»)
TT

ذكر مرة الشاعر العراقي سعدي يوسف أن أول مفاجأة عاشها، حين هبطت به الطائرة في مطار مراكش في إحدى زياراته للمدينة الحمراء كما يسميها المغاربة، للمشاركة في لقاء ثقافي، نُظم قبل أكثر من سنتين، كانت مع شرطي مغربي.

وقال يوسف: «سألني شرطي: أأنت فلان؟. أجبتُ: نعم. قال: أأنت الشاعر نفسه؟. أجبتُ: نعم.. وهكذا، بدأ بيننا حديثٌ عن الشعر وأهله، وعن معارفَ مشترَكين».

يقول باكور «لكن، لماذا نتقبل أن يكون رجال ونساء التعليم، ورجال القانون والطب والهندسة، شعراء وروائيين، في حين يتم تناول علاقة رجال الشرطة والسلطة مع الإبداع بحساسية كبيرة، وكأننا ننكر ذلك عليهم؟!».

هذا هو السؤال الذي يردده باكور، كلما أجري معه حوار صحافي أو طلب منه المشاركة في لقاء إبداعي، متمنيا، في قرارة نفسه، أن تزول الحدود الوهمية التي يقيمها البعض بين الإبداع ومختلف المهن. ولذلك يقول: «إذا كان لدى البعض اعتقاد بأن مهنة الشرطي ضد الكتابة الأدبية أو أنها نقيض لممارسة نشاط إبداعي من أي نوع، فهم مخطئون، بالتأكيد، وأنا أتحدث، هنا، من موقع التجربة».

يتحدث باكور عن تجربته وبداياته الأدبية، فيقول: «بدأت الكتابة الإبداعية في المرحلة الثانوية. كانت القصة القصيرة هي الجنس الأدبي الذي استهواني. ربما هي كتابات وقصص المبدع المصري يوسف إدريس من أشعلت، في داخلي، عشق الكتابة القصصية. أما بين المغاربة فأنا أحتفظ لكتابات محمد عز الدين التازي بكثير من العشق. تابعت مساري الدراسي، حتى حصلت على شهادة الإجازة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، عام 2000، وبعدها عشت، خلال ثلاث سنوات، فترة فراغ رهيبة وعطالة قاسية كادت أن تقتل رغبة الكتابة في داخلي. ثم التحقت بالشرطة، حيث استعدت الاستقرار النفسي والثقة في قيمة الكتابة، وتجاوزت الإحباط الذي عشته خلال سنوات العطالة. وما بين 2003 و2007 لم أكتب أو أنشر شيئا. كانت هناك حاجة وضرورة للاستئناس بأجواء العمل والوظيفة الجديدة. لكن، حلم الكتابة والرغبة في الإبداع ظلا دوما حاضرين. ثم، انطلقت في عملية الكتابة، من جديد، في عام 2007. مع الإشارة إلى أني كنت دوما مقلا في كتاباتي. وفي هذه السنة، كان الإعلان عن مسابقة جائزة الشارقة، التي فزت فيها عن مجموعتي القصصية رجل الكراسي. وكان هذا الفوز نوعا من التعويض عن الإحباطات التي عشتها وعن آلام مرحلة الفراغ التي مررت بها، فضلا عن علاقتي بالمنابر الصحافية، التي أهملت إبداعاتي».

ينتقد باكور تعامل بعض المنابر الإعلامية المحلية مع كتاباته، ويشكرها، في نفس الآن، حيث يقول: «أدين لبعض صحف المغرب بفضل كبير، فلولا إهمال المشرفين عليها لإبداعاتي ما كنت لأتوجه نحو مجلات وصحف المشرق العربي، حيث نشرت إبداعاتي، قبل أن أفوز بجائزتي الشارقة ودبي».

يعود باكور، كثيرا، إلى البدايات، فيقول: «لن أنسى أبدا جميل الشاعر والأديب أحمد بلحاج آية وارهام، الذي عمل على نشر أول نص لي في صحيفة الميثاق الوطني. كان ذلك عام 1993. هذا الرجل الطيب، كان وراء أول نص ينشر لي، وأذكر أنه كان بعنوان مطارق البلدية، بل إن آية وارهام عمد إلى اقتناء نسخة من الصحيفة ليهديها إلي، علاوة على أنه وضع مكتبته الخاصة رهن إشارتي».

نفس الاعتراف بالجميل، يحتفظ به باكور للقاص عبد اللطيف النيلة، الذي قال عنه إنه ساعده كثيرا وفتح أمامه مكتبته الخاصة، هو الآخر: «ساعدني النيلة على استعادة توازني، بعد مرحلة الفراغ التي مررت بها، خلال مرحلة البطالة. كما أنه صحح صورة المثقف التي تكسرت في خاطري، وقد كان إلى جانب آية وارهام نعم المبدع والمثقف. ولا يسعني، اليوم، إلا أن أقول إن المبدع الذي لا يستطيع أن يكون مبدعا في علاقاته الإنسانية، لا يمكن أن يكون مبدعا في المجال الأدبي».

وفي الوقت الذي لا يحتفظ فيه باكور بذكريات جميلة مع بعض المنابر المغربية، نجده يتحدث بتقدير كبير عن الاحتفاء الذي حظي به في الشارقة أو دبي، خلال حفلي تسليم الجائزتين.

وبخصوص عدم نيله جوائز مغربية، أجاب، متسائلا: «وهل هناك جوائز مغربية، أصلا؟».

وبشأن العضوية في اتحاد كتاب المغرب، قال: «الحديث عن اتحاد كتاب المغرب صار مقرونا بكل الأشياء السلبية: أزمة وصراعات، وغياب لكل ما يشي بالإبداع. باختصار، إنه لا يغري بالانخراط فيه، وإذا انخرطت فيه لن يضيف إليك شيئا».

ويرى باكور أن مراكش، باستثناء كتابات إلياس كانيتي وكلود أوليي وخوان غويتسولو، لم تحظ بنصوص سردية، اشتغلت على تاريخها الرمزي. ويشدد على أن «أبناء مراكش، من المبدعين، لم يخصوها، بعد، بما هي جديرة به من منجز سردي، مقارنة بأبناء بعض المدن المغربية الأخرى، كمثل فاس وطنجة والدار البيضاء». ومن المؤسف، يضيف باكور، «أي حديث عن توظيف التاريخ الرمزي لمراكش، وما يحدث فيها من تحولات، في الوقت الحاضر، غالبا ما يأتي مقترنا بكتاب أجانب، مع استثناءات قليلة، نذكر منها بعض إبداعات أحمد طليمات وأبو يوسف طه. أزعم أنني أحب هذه المدينة، ويؤلمني حبها، إذ أرى مما يطرأ عليها من تغييرات ما لا أحبه أو أرضاه. ولأنني أقترف الكتابة الإبداعية، فإن معظم ما كتبته، حتى الآن، هو حوار عاشق مع هذه المدينة التي تسكنني، مناجاة لها، وولها بها وبعوالمها، تفاعلا مع متغيراتها، تمسكا بها واستنجادا بتاريخها، عسى ألا تطوح بنا الريح القادمة من كل الجهات».