إجماع على حضور الفنانة التشكيلية وارتفاع سقف الحرية

جمعية التشكيليين السعوديين تعيش ظروفا صعبة والفنانون يتطلعون لآفاق أرحب

يتصل الفن التشكيلي السعودي في هويته وسماته مع المدارس الفنية العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

في إطار الضجيج الذي أحدثه تصريح مسؤول ثقافي سعودي حول فاعلية المؤسسات الثقافية في بلاده، استغرب تشكيليون سعوديون اتهام المؤسسات الثقافية بأنها غير فاعلة في الوقت الذي تشق فيه جمعيتهم، حديثة الولادة، أولى خطواتها نحو النور بإقامة أولى معرض تشكيلي عام. وكان الدكتور عبد الله الجاسر وكيل وزارة الثقافة والإعلام السعودية للشؤون الثقافية قد أشار في تصريح أطلقه قبل أيام إلى أن بعض المؤسسات الثقافية غير فاعلة وتتعثر مجالس إدارتها بالخلافات والمشكلات الشخصية بين الأعضاء وهو الأمر الذي خلق ضجة في أوساط المنتسبين إلى تلك المؤسسات خصوصا أعضاء جمعية التشكيليين السعوديين.

التشكيليون يرون أن هذا التصريح، الذي لم يسم جهة بعينها، يتناول حالة خاصة لا يصح تعميمها، مستدركين بأن الوزارة لها الحق كجهة إشرافية في مراجعة أعمال هذه الجمعيات في ظل الافتراض القائم بأن الوزارة يجب أن تتولى دعم وتمويل انعقاد هذه الجمعيات في إطار تأصيل العمل المؤسساتي في الجهات الثقافية السعودية.

وفي هذا السياق، يقول عبد الرحمن السليمان رئيس جمعية التشكيليين السعوديين في حديث لـ «الشرق الأوسط» إن الجمعية تسير في عملها نحو الاتجاه الصحيح وذلك بعد أن أقامت أول معارضها العامة مطلع مايو (أيار) متضمنا 140 عملا فنيا لتشكيليين سعوديين وبحضور من وكيل وزارة الثقافة والإعلام عبد الله الجاسر.

ويعترف السليمان بأن ظروفا صعبة تحيط بالجمعية إلا أنها استطاعت رغم ذلك أن توجد مقرا دائما لها وتزوده بالمكاتب والصالات الخاصة بالمعارض الدائمة والمستضافة، مشيرا إلى أن الجمعية تحظى بإقبال متزايد من قبل هواة الفن التشكيلي في السعودية حيث بلغ عدد المنضمين إليها أكثر من 130 عضوا من مختلف المناطق.

ويذكر السليمان أن الجمعية تسعى إلى أن يشكل وجودها إسهاما فعليا في الساحة التشكيلية المحلية منوها في هذا الصدد باستكمال الجمعية لوائحها التنظيمية وإقرار الأنشطة الفنية المناطة بها ومن ذلك ملتقى الفن التشكيلي السعودي إضافة إلى الورش والحوارات الفنية واللقاءات التي تقام بصورة منتظمة للتشكيليين من الجنسين وإعلان الجمعية عن نيتها استضافة معارض خاصة بالأعضاء المنتسبين إليها.

ويشير السليمان إلى محاولات تبذلها الجمعية لتكون بيتا للفنانين التشكيليين ومكانا لتقبل آرائهم ومقترحاتهم ومن ذلك تقديم الدعم للمعارض الفنية الخاصة بهؤلاء التشكيليين وتسويق أعمالهم للجهات الحكومية حتى تقوم باقتنائها.

ويرى أن الفن التشكيلي السعودي هو المساحة الأكثر نموا واتساعا ضمن الفنون التعبيرية والبصرية، وهو المجال الأكثر التصاقا بالحداثة. فالفن التشكيلي الذي يمتد على مسافة خمسين عاما من التجربة يوفر الفرصة للرجال والنساء على قدم المساواة، كما يوفر الفرصة للفنانين المحليين للتعبير عن تأثرهم بالمدارس الفنية العالمية من دون أن يمسهم قلق التغريب، وبالقدر نفسه يمكنهم أن يطلقوا العنان لخيالهم ليستمد من التراث باعثا وملهما لأعمالهم من دون أن يتهموا بالتحجر والجمود.

وحول حضور الفرشاة النسائية في لوحات الفن التشكيلي السعودي يقول السليمان: «في السعودية هناك عشرات التشكيليات من النساء اللواتي ينظمن معارض شخصية أو جماعية وبعضها يتم تنظيمه مع رجال، كما لا يوجد فصل بين أعمال النساء والرجال، على عكس الفنون الأخرى. وفي الجمعية السعودية للفن التشكيلي هناك ثلاث سيدات منتخبات في عضوية مجلس الإدارة، وعلى امتداد البلاد هناك عشرات الأسماء لتشكيليات معروفات».

ويرى السليمان أن الفن التشكيلي السعودي الذي لا يتعدى عمره الخمسين عاما، يتصل في هويته وسماته مع المدارس الفنية العالمية، فهناك اتجاهات واهتمامات وتيارات متنوعة وهي تختلف في تأثيرها من فنان إلى آخر.

وفي المقابل، كما يضيف، هناك سعي دؤوب للتشكيليين السعوديين من أجل التواصل مع العالم ونقل صورة جديدة غير تقليدية. ويشير السليمان إلى أن التشكيلي السعودي لا يعاني من ضيق في مساحة الحرية، كما أن خارطة الإبداع التشكيلي لا تميز كثيرا بين الرجال والنساء، فالفنانة التشكيلية بدأت في العقد نفسه الذي بدأ فيه الرجل، مستشهدا بالفنانة صفية بن زقر التي بدأت الرسم في أوائل الستينات وعرضت في العقد نفسه، مثلها مثل منيرة موصلي، وتزامن ذلك مع عرض للراحلين عبد الحليم رضوي ومحمد السليم.

الفنان التشكيلي السعودي طه الصبان يرى من ناحيته أن حديث وكيل الوزارة فيما يتعلق بالمؤسسات الثقافية بما في ذلك جمعية التشكيليين السعوديين يجانبه كثير من الصحة ويرى على الصعيد المقابل أن هذه الجمعية تحديدا لم تقم بما هو واجب عليها لأسباب لا يعرف عنها شيئا، مؤكدا في نفس الوقت أن أعمال ومجهودات التشكيليين السعوديين حققت نجاحات كبيرة ولكن بجهود فردية، وأن صوت الفنان التشكيلي السعودي، وصل إلى أصقاع بعيدة من العالم دون أي مساعدة من الجمعية.

ويقول الصبان إن التشكيليين السعوديين يحملون رسالة تهتم بجماليات العمل الفني كما تهتم بالمضمون الذي يحمله من خلال تعايشه مع البيئة والتراث الحضاري، وانفتاحه على الحضارات والفنون العالمية الأخرى. ويستشهد في ذلك بأعماله التشكيلية التي تحمل مضامين تتعلق برفع الذائقة البصرية لدى المجتمع ونشر الجمال، بالإضافة إلى تقديم التراث الشعبي الحجازي والعمارة الحجازية بلغة فنية معاصرة من دون الوقوع في المباشرة التقريرية.

ويرى الصبان الذي يعتقد أن ثمة روابط صنعتها البيئة المشتركة تربط بين التشكيليين السعوديين، وأن التشكيلي السعودي استطاع استخلاص رموزه الفنية ومفرداته من تربته المحلية ولكن بشكل فني معاصر، كما أن سقف الحرية الذي يتمتع به الفنان السعودي يزداد يوما بعد يوم، حيث يمتلك مطلق الحرية أن يعبر عن ما بداخله وموقفه من كل الأحداث التي تحيط به، موضحا في الوقت نفسه أنه من الطبيعي أن يقابل هذه الحرية التزام داخلي من الفنان تحكمه عاداته وتقاليده.

وحول مشاركة المرأة في الأعمال التشكيلية، يعتقد أنها تحظى بالامتيازات نفسها التي يحصل عليها الرجل، مشيرا إلى مشاركاتها وحضورها في الفعاليات المحلية والدولية، ووجودها منذ بدايات الحركة التشكيلية السعودية بشكل أساسي من خلال أعمال الفنانات الرائدات صفية بن زقر ومنيرة موصلي ثم الجيل الحالي شاليمار شربتلي، وشادية عالم، ورائدة عاشور، وعلا حجازي، وغيرهن.

ولا يختلف حديث الفنان التشكيلي السعودي يوسف جاها عن طه الصبان، مؤكدا أن الجهد الفردي الذي قام به الفنانان الراحلان عبد الحليم الرضوي ومحمد السليم وضع أساسا متينا للفن التشكيلي المحلي، الذي تميز بممارسة الأداء التشكيلي بطريقة مغايرة، غير أن هذا الفن، كما يضيف، يظل في حاجة ماسة لجهود ودعم ملموس من جمعية التشكيليين السعوديين ليحلق به في آفاق أرحب ويحقق طموحاته المشروعة.

و يرى جاها أن الفنانين السعوديين بحاجة إلى ثقافة تؤهلهم للتأثير، وكذلك تحديث أدواتهم الجمالية والفكرية. وفيما يخص حضور المرأة التشكيلية، يعتقد جاها أيضا أن حضور المرأة على خارطة التشكيل السعودي، أضحى سمة بارزة في نهضة هذا الفن، مبينا أن مشاركة المرأة في المعارض الجماعية والمناسبات التشكيلية، وانتخابها لعضوية الجمعية السعودية للفنون التشكيلية تعد دليلا واضحا على أن الفنانة التشكيلية تتمتع بكامل الحق في ممارسة الإبداع التشكيلي.

ويضيف جاها: «ثمة قيمة جديدة ينشدها الفنان السعودي في أعماله التشكيلية تبرز أحيانا في انطلاقة بصرية تترجم عناصرها في العمل الفني بكل تحرر وانطلاق، لإظهار بعد فني جديد، وإخراجه من صرامة القواعد والأسس الأكاديمية التقليدية، إلى رحاب أوسع ومجال أفضل للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر التي يشترك بها مع سائر مجتمعه، فتأتي الأعمال بعمق فني وبعد اجتماعي ولمسة جمالية جديدة يتقبلها النقاد ويستشعرها المتلقي ويحس بها الفنان، لأنها نابعة عن تجربة كبيرة وممارسة طويلة وأصالة عميقة»